مسؤولية المعارضة في الغياب عن جنيف 1 :
“كان لغياب المعارضة عن “جنيف واحد” ان ترك تفاصيل تطبيق المرحلة الانتقالية غائمة وترك للروس دعم الاسد مستغلين عدم تحديد مصيره فيه، بالطبع لم يكن من الممكن الطلب من النظام تطبيق جنيف واحد لأنه لم يحضر في الاصل المؤتمر ولا مقرراته وبالتالي بقي كل شيء حبرا على ورق ما كان يمكن للمعارضة ان تطالب بتطبيق بنوده لأنها ايضا لم تحضر انعقاد المؤتمر عدا عن تشتتها.
هكذا تصرّف طرفا الصراع السوري وكأن جنيف واحد لم يكن. بالتالي يصبح من الغريب ان تطالب المعارضة بتطبيق بنوده وهي لم تكن حاضرة او مشاركة او فاعلة.
والسياسة كما الطبيعة تكره بالفراغ، واي غياب عن الفعل او الحضور يعني خسارة اكيدة، ويعني خطوة للوراء ويعني ان الفراغ سيملأه الخصم او العدو، والمثل العامي عن غياب عن الحدث “من لا يحضر ولادة عنزته تلد له كلباً” ذو معنى.
حاول النظام منع تطبيق جنيف واحد فهو في الاصل لا يعترف به واستمر كما لو انه الطرف الوحيد الموجود على الارض”…
ترى ورقة اتحاد الديمقراطيين ان الأميركيون والروس “يتباحثون لجلب الطرفين السوريين المتصارعين إلى طاولة المفاوضات في جنيف، ويطلقان على تفاهمهما هذا إسم جنيف 2، الذي يشاع أنه سيطبق بنود جنيف1،”
السؤال إن كان جنيف 2 هو لتطبيق جنيف 1 فلماذا لم تحضر المعارضة جنيف 1؟ لو ان المعارضة دعيت لحضور جنيف ولم تحضر فهي جريمة اتاحت للنظام عرقلة تطبيقه ومنحته الوقت لتدمير ما تبقى من سورية بحيث لا يمكن تطبيق بنود الاتفاق، والمعارضة لا اعتقد انها سترتكب نفس الجريمة مرتين، كيلا يستمر النظام في ارتكاب جرائمه الفعلية على الارض.
فحين ترفض المعارضة التفاوض او الحوار فلن يكون مفهوما اتهامها للنظام بانه قاتل وانه يرفض التفاوض والحل السياسي، ولن نفتح هنا مجال البحث في منطقية ومنفعة الصراع العسكري الذي انجرت اليه المعارضة في الداخل الخارج وهل كان لمصلحة الشعب االسوري ام لا، فهذا حديث ربما فات أوانه، عدى ان الصراع العسكري مع النظام قد تمّ بأسوأ طريقة ممكنة فما كان يمكن إلا أن يكون النظام هو الرابح في كل حال؟
الذهاب الى جنيف 2 بشروط:
اشتراط الرؤية على الولايات المتحدة، من اجل الذهاب الى جنيف، تقديم دعم للمعارضة العسكرية يوازي الدعم الذي تقدمه روسيا للنظام امر لا بأس به، وقد يكن باباً للتفاوض على نتائج المؤتمر وليس فقط على شروط الذهاب اليه.
تدعو الوثيقة “الرؤية السياسية لاتحادالديمقراطيين السوريين” الى التوازن على الارض بين روسيا وامريكا من حيث دعم طرفي الصراع السوري السوري لان هذا سيكون من مصلحة المعارضة والشعب السوري: “فإن تحقق كان من الضروري القبول بالحل السياسي الذي يقترحه جنيف.” ثم تقترح الرؤية من اجل دفع امريكا لتقديم الدعم للمعارضة الذي يوازي دعم روسيا للنظام الى “تنظيم المعارضة السياسية والمسلحة بطريقة تثق واشنطن وبقية أصدقاء الشعب السوري معها أن سوريا لن تذهب إلى فوضى سلاح أو خيارات متطرفة بعد رحيل النظام، وستكون لاعباً فاعلاً وايجابيا في أمن وسلام المنطقة، وشريكاً لكل من يرغب في الشراكة معها، بما في ذلك روسيا”.
والحقيقة ان هذا ربط خلاّق ومبتكر بين نجاح الحل السياسي بما فيه جنيف بداية وبين دعم الثورة السورية والمعارضة المسلحة دعماً يوازي دعم روسيا وربط من ناحية ثانية بين هاتين المسألتين وبين توحيد المعارضة ويدعو في سبيل ذلك الى اطلاق مبادرة لتوحيد المعارضة والقوى العسكرية في الداخل: “… إطلاق مبادرة عاجلة للشروع بتوحيد قواه السياسية ضمن الائتلاف الوطني، الذي يحتاج لتطوير عمله المؤسسي وأدائه السياسي، تضع حداً لحملات التشويه التي تشنها بعض الأطراف السورية عليه، مثلما يحتاج لتوحيد قواه العسكرية تحت هيئة أركان أعيدت هيكلتها وتمثل فيها الجسم الكبير من العسكريين الذين انشقوا عن النظام ويمتلكون خبرات واسعة في الحرب تم تعطيلها وعدم الإفادة منها إلى الآن .” ولكن السؤال هل يشترط بقاء الائتلاف على حاله وتوسيعه من جديد ام يمكن تحقيق هدف توحيد المعارضة في كيان سياسي جديد بعد حل الائتلاف؟
سابقة شجاعة في الاعتراف بالواقع الراهن:
الجديد ايضاً في افكار الرؤية هو إشارتها الى تمنّي عقد مؤتمر وطني في الداخل. تعتبر الرؤية السياسية لاتحاد الديمقراطيين ان الثورة لم تهزم النظام مثلما النظام لم يهزم الثورة، وهو ما يشكّل سابقة من جهة سياسية سورية معارضة، اي يعترف بتعادل القوى وهو ما يدفع للقول بحتمية الذهاب الى التفاوض في حال كان هناك تعادل في ميزان التدخّل الروسي الامريكي في الصراع السوري السوري وهو ما تنفيه الرؤية السياسية في اكثر من مكان . وهي تنتظر تحقّق هذا التوازن.
كما تدعو الرؤية الى استعادة القرار الوطني السوري بمأسسة الائتلاف وإدارة تنفيذية فاعلة في المناطق المحررة وهيكلة الجيش الحر: “العمل بكل وضوح وتصميم لاستعادة ما يمكن استعادته من القرار الوطني السوري، سواء عبر مأسسة الائتلاف الوطني ام اقامة ادارة تنفيذية فاعلة في المناطق المحررة، وإعادة هيكلة الجيش الحر ليصبح جيشاً وطنياً منظماً يخضع لقيادة واحدة”.
الدعوة الى حوار بين اطراف المعارضة :
كما يدعو اتحاد الديمقراطيين من ناحية اخرى الى حوار بين اطراف المعارضة نفسها : “حوارا معلنا بين أطرافها تشارك فيه قطاعات الشعب المختلفة، يسوي ما بينها من مشكلات، ويفضي إلى تشكيل وفد موحد الى جنيف يتبنى وجهة نظر موحدة، حتى في حال تمثلت فيه تنظيمات مختلفة من المعارضة”. وتنبّه الرؤية على مسألة غاية في الاهمية لم يشر إليها إلا على نحو نادر وهو رفض مشاركة اي مكوّن سوري بوفد خاص به: “رفض تمثيل أي مكون من مكونات الشعب السوري بوفد مستقل، كي لا يضعف وجوده القضية الوطنية والثورة ويكون سببا للشقاق والاختلاف بين اطرافها، ويعطي النظام فرصة التلاعب بها والتنصل من إفشال مؤتمر جنيف والقاء مسؤولية الفشل على المعارضة”.
كما تشير الرؤية الى اصطفاف جديد على الارض يتمثّل في مزيد من كسب شعبي للنظام بعد ظهور “داعش” على حساب المعارضة وهي تلقى قبولا عند البعض والخاسر في المعادلة الجديدة هو الائتلاف. وتتساءل الورقة حول ما إذا كان جنيف 2 سينجح فيما لو عارضته التنظيمات الاسلامية على الارض وفي حال عارضه النظام؟ وفي حال تم اتفاق بين المعارضة والنظام عارضه هؤلاء، ما هو الخيار لتنفيذ الاتفاق؟ وبالفعل ربما يدفع النظام بعض المجموعات الاسلامية الى رفض جنيف والامتناع عن الموافقة على تطبيقه، وهنا تتساءل الورقة هل ستلجأ امريكا وروسيا لتطبيق الاتفاق بالقوة؟
اسئلة واحتمالات للمستقبل:
وتطرح الورقة احتمالات متخيّلة في هذه الحال: “هل سترسل قوات دولية لتنفيذه بالقوة، وماذا سيكون رد فعلها إن جوبهت بمقاومة مسلحة؟ هل ستحارب وتحتل البلاد وتقيم فيها قواعد دائمة، أم ستنسحب تاركة وراءها صراعا مفتوحا يمزق ما بقي فيها من لحمة ومجتمع، حسبما هدد مؤخراً ديبلوماسي أميركي؟. وفي الحالتين: ألا يكون جنيف بوابة اتفاق غير مضمون دوليا ومهدد داخليا، وخطوة على طريق انهيار عام يدوم منذ عامين ونصف العام، وقد يتواصل بعد الفشل إلى ما شاء الله؟”
تختم الرؤية على موقف اتحاد الديمقراطيين من جنيف 2 الذي لن يكون لصالح الثورة السورية في حال عقد الان في ظل اختلال موازين القوى على الارض وخارجياً من حيث الدعم والتأييد لطرفي الصراع السوري السوري: “فرص نجاح جنيف ستكون ضعيفة إن لم تكن معدومة، بسبب مجمل الظروف الخارجية والداخلية السائدة الآن، وليس فقط لأن النظام سيذهب إلى المؤتمر كي يفشله من خلال تكتيكات وألاعيب يتقنها، بل بالدرجة الأولى لأن النواقص والعيوب الهيكلية التي ذكرناها أعلاه لا تسمح بإقامة ميزان قوى يحقق تطلعات وطموحات الشعب السوري ، علما بأن نتائج التفاوض لا تتعين بالنوايا الحسنة، بل بموازين القوى الملموسة، القائمة على الأرض، وهي ليست اليوم لصالح الثورة.”
تدعو الرؤية لفتح مجال التقارب بين الثورة السورية وبين روسيا وتطمين موسكو الى مصالحها مابعد سقوطالاسد ومحاولة تحييد ايران او كسب تأييد بعض قادتها وهو طرح سياسي شجاع وجريء يوسع نطاق المجال السياسي الدولي للثورة: “وهل يجب أن تعول المعارضة على أميركا وتستمر في مقاطعة روسيا، التي يعد دورها حاسما في أي حل، أم عليها الشروع في حوار جدي وصريح معها، يجسر – قدر الإمكان- الهوة الواسعة بين مواقفها ومواقف موسكو، ويضع لبنات أولى للتفاهم والتقارب المتبادل بينهما، تقدم صورة سوريا التي تريدها الثورة، والعلاقات التي تنشدها مع العالم والسياسات التي ستحمي مصالح الكرملين بعد قيام النظام الديمقراطي في دمشق. ينطبق الشيء نفسه على ايران، الدولة التي تقاتلنا اليوم، ولا بد من تحييدها أو كسب من يمكن كسبه من قادتها، الذين يجب تشجيعهم على تغيير مواقفهم، لأن لنا مصلحة حقيقية في ذلك.”
ولا يخفى ان هذا الامر يحتاج لقادة وطنيين وليس الى هواة لكسب نقطة لصالح الثورة وليس رهن جزء من قوى المعارضة لصالح روسيا وايران كما هي مرتهنة في جزء منها لتركيا والسعودية وقطر والسفير فورد، وهذا الطرح متاخر جداً للأسف فلقد كان يتحتم على الثورة محاورة اللاعبين الكبار في سورية اي روسيا وايران قبل سواهم وطلب مساعداتهم قبل مساعدة الآخرين .
وفي واقعية الرؤية ياتي الخيار الذي تقترحه بالذهاب إلى جنيف لأنه ان كان الذهاب غلطة فالغياب جريمة.
لكنه يعيد اشتراطه الداخلي للذهاب ألا وهو “إصلاح يزيل العيوب القاتلة التي تعاني الثورة منها سياسيا وعسكريا” وهو ما يجب ان يجري سريعاً “بالتلازم مع العمل لتشكيل وفد موحد يقترح “اتحاد الديمقراطيين السوريين” أن يضم مندوبين وممثلين عن القوى المقاتلة ومناضلي الحراك السلمي والاغاثي والطبي على الأرض، فضلا عن موفدي المعارضة السياسية الى جنيف” وهو ما يشكل “كفالة وطنية للتفاوض”.
الرؤية كتبت بروح وطنية مخلصة:
إن اهم ما في هذه الرؤية السياسية التي تعد بالفعل كما تسمّت به “رؤية” هي انها تحاول استخدام جنيف لتحسين وضع المعارضة والثورة وحل تناقضات جديدة وعيوب ظهرت بفعل طول زمن الصراع وهو ما لم يكن بحسبان احد من جمهور الثورة ولا من صفوف المعارضة. إن الروح التي كتبت به هذه الرؤية وطنية بامتياز لأنها تبحث عن تطوير الوضع الحالي للثورة وهي لذلك تتجاوز خطوطاً حمراً في التفكير السياسي البسيط والتقليدي لجمهور الثورة والمعارضة معاً كما تقترح حلولاً خلاّقة لتطوير هذا الوضع البائس والضعيف والمتراجع اليوم، وتحاول ان تظهر الثورة والشعب السوري والمعارضة بموقف الند للقوى الكبرى.
والاهم هي تقترح خطوط العودة في حال لم يحقق جنيف ما تأمله منه ولذلك تقترح استمرار الكفاح المسلّح وهو ما عهدناه من ظروف مفاوضات عديدة عقدتها على وقع اصوات المعارك قوى تحرر ثورية في العاللم مع اعدائها:
“أخيرا، من المفهوم أن ينصب موقف المعارضة على تصعيد المقاومة المسلحة والسلمية قبل جنيف وخلاله، فإن نجح المؤتمر في الوصول إلى حل سياسي وتطبيق وثيقة جنيف1، كان خيرا وبركة، وإذا لم ينجح غادره وفدها وظهرها مغطى بوحدتها، وبالإصلاحات التي تجريها على أوضاعها، وبثقة شعبها بها، ودعم العرب والعالم لدورها الإيجابي. عندئذ لن تستمر في الصراع ضد النظام من موقعها الحالي، بل ستواصله من موقع جديد يتيحه لها تخطي أخطائها، وما تحققه من انتصارات على الأرض” .
كاتب سوري
إقرأ أيضاً:
رؤية اتحاد الديمقراطيين السوريين لمؤتمر جنيف 2: ملابساته وحساباته
“رؤية اتحاد الديمقراطيين السوريين” لجنيف 2 وللوضع السوري الراهن
الرؤية مهمة طبعاً
الاستاذ ميشيل علم وطني نتمنى ان تنتصر هذه الرؤية ويزداد الديمقراطين في المعارضة