الإرهابي الخطير الأرعن، عضو الجماعة الإسلامية الإندونيسية المرتبطة أيديولوجيا بتنظيمي القاعدة وأبي سياف المجرمتين، المدعو “ذو المتين” – وليس “دولماتن” أو “ظلماتي” كما نشرته وسائل الإعلام العربية التي لا تكلف نفسها البحث عن التهجئة الصحيحة لأسماء العلم الأجنبية – لقي حتفه في العاشر من مارس الجاري في ضربة سددتها قوات الأمن الإندونيسية ضد مخبأ للجماعة الإسلامية في جاكرتا.
وبهذا العمل الذي يحسب لنظام الرئيس الإندونيسي “سوسيلو بامبانغ يودويو” بصفة عامة، وللمفرزة 88 ضمن قوات الأمن الإندونيسية المختصة بمكافحة الإرهاب بصفة خاصة، يكون قد وضع حد نهائي لحياة رجل بائس لم يفعل في السنوات الأربعين من حياته شيئا سوى إراقة دماء الأبرياء، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، ونشر الفكر المتطرف الذي تعلّمه في كهوف أفغانستان وباكستان وأحراش جنوب الفلبين المسلم. وإن كان هناك من شيء أنجزه فعلا، فإنه لا يتجاوز الإضرار بسمعة بلده ومواطنيه المعروفين بصفة عامة بالتسامح والوسطية.
وبموت “ذو المتين”، فإنه يلحق برموز أخرى متشددة خطيرة، قاومت مثله طويلا عمليات البحث والمطاردة والتعقب، لكنها وقعت في نهاية المطاف في المصيدة. فمن قبله نجحت قوات الأمن الإندونيسية في القضاء على زميليه وصديقيه في ما يسمى بأعمال “الجهاد”، وصنويه لجهة التخصص في زرع المتفجرات وتفخيخ السيارات، ونعني بهما المجرم الإندونيسي من ذوي الأصول الماليزية “أزهري بن حسين” الذي قتل في غارة للشرطة في نوفمبر عام 2005، ومواطنه الآخر الإرهابي “نورالدين محمد توب” الذي لقي حتفه قتلا بالرصاص في سبتمبر من عام 2009 ، في أواسط جزيرة جاوه.
و جاءت نهاية “ذو المتين” المتهم بكونه العقل الفني المخطط لتفجيرات بالي في عام 2002 والتي راح ضحيتها 202 شخصا (كان من بينهم 7 أمريكيين و 88 أستراليا) في وقت كان فيه الرئيس يودويونو يحل ضيفا على الحكومة الاسترالية في زيارة رسمية طال إنتظارها وتأجلت مرارا. فكان الحدث بمثابة هدية جميلة وبشرى سارة يقدمها الضيف لمضيفيه الذين لم تلتئم جراحهم بعد من فقدان أصدقائهم وأحبائهم في حادثة بالي المذكورة وحادثة أخرى كان مسرحها بالي أيضا في أكتوبر 2005 (حصدت 20 شخصا كان من بينهم أربعة أستراليين، وجرحت 129 آخرين بينهم 29 أستراليا).
وبطبيعة الحال كان هناك من الخبثاء من حاول إشاعة خبر مفاده أن “ذوالمتين” لقي حتفه قبل وقت طويل، دون ان تكشف سلطات جاكرتا عن ذلك في حينه، مفضلة الإعلان عن مصرعه أثناء زيارة رئيسها إلى كانبيرا، بغية تحقيق كسب إعلامي. غير أن الحقيقة هو أن مصرع الرجل حدث في يوم الإعلان عنه، كنتيجة لتسارع جهود أندونيسيا المخابراتية والأمنية وتكثيفها في الآونة الأخيرة إستعدادا لتهيئة المناخ أمام زيارة من المقرر أن يقوم بها الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” في الفترة ما بين 20 – 22 مارس إلى أندونيسيا، حيث عاش أوباما طفولته وتشرب جزءا من ثقافة إندونيسيا الملونة. فجاكرتا تراهن كثيرا على هذه الزيارة التي طال إنتظارها، وتريدها أن تتم في أجواء لا يعكر صفوها أي حدث أمني متزامن، كي تثبت للإدارة الأمريكية أنها ناجحة في مكافحة الإرهاب والتصدي للإرهابيين، وذلك أملا في علاقات بينية أوطد ترافقها معونات ومساعدات إقتصادية أمريكية معتبرة، وتدفق أوسع للاستثمارات الأجنبية، و انتعاش في السياحة التي هي إحدى أهم مصادر الدخل القومي للأرخبيل الإندونيسي.
ويمكن القول أن أهمية مقتل “ذو المتين” هي بحجم أهمية إعتقال “رضوان عصام الدين” المعروف بإسم “الحنبلي” و الموصوف من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ببنلادن الشرق الأقصى، والذي أقلق مضاجع الإستخبارت الآسيوية والغربية طويلا قبل القبض عليه متنكرا في عام 2003 من قبل قوات الشرطة التايلاندية في منتجع سياحي تايلاندي، ليسلم مخفورا للأمريكيين وينقل على الفور إلى معسكر غوانتانامو، إنتظارا لمحاكمته بتهمة التخطيط لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتجنيد منفيذيها والتنسيق فيما بينهم. ودليلنا حول تساوي أهمية الرجلين هو أن الإدارة الأمريكية وضعت مكافأة متساوية (10 ملايين دولار) لمن يقبض على أي منهما حيا أو ميتا أو يدلي بمعلومات عنهما تقود إلى ذلك.
ومما عرف عن الإرهابي القتيل، الذي تكنى بأسماء كثيرة مثل “عبد المتين”، و “عمار عثمانان”، و “مختارمار” و “جوكو پيتويو”، و ” جوكو پيتونو، و” نوفال”، و”جينيوس”، أنه ولد في وسط جاوة في 1970، وعمل لبعض الوقت في مجال بيع السيارات المستعملة قبل أن يسافر للجهاد في أفغانستان، حيث تعلم فنون التفجير من على بعد بواسطة الهواتف النقالة، وزراعة الألغام، و خلط المواد الكيماوية لصنع القنابل الحارقة، في معسكرات الإرهابي “بن لادن”، حيث تعرف على من سيصبح مثله إرهابيا مطلوبا للعدالة في سائر دول جنوب شرق آسيا، ونعني به “أزهري بن حسين”.
وفي 2003 أي بعيد تفجيرات بالي المشار إليها آنفا، فر “ذو المتين” إلى جنوب الفلبين وإحتمى هناك بمقاتلي جبهة تحرير مورو الإسلامية (كبرى الجماعات الإسلامية الفلبينية المتمردة ضد مانيلا) الذين منحوه الحماية والمأوى مقابل تعليمهم صناعة القنابل والمتفجرات. لكن بمجرد توقيع إتفاقية سلام ما بين الأخيرة وحكومة مانيلا، إنضم “ذوالمتين” إلى قطاع الطرق من جماعة “أبو سياف” في معقلهم في جزيرة “خولو” الجنوبية ليعلمهم ويدربهم على خفايا زراعة وصنع المتفجرات. وأثناء تواجده في خولو، أشيع أنه جرح في عملية عسكرية للقوات الفلبينية ضد ميليشيات أبي سياف، ثم أشيع في عام 2008 أنه قتل، غير أن تلك الأنباء لم تكن صحيحة. حيث إقتصرت المعلومات المؤكدة على تواجده في تلك الجزيرة، و نجاحه في الهرب منها قبيل وصول قوات الجيش الفلبيني إليها بساعات معدودة، بدليل عثور تلك القوات على أربعة من أبنائه هناك (تسلمتهم أمهم وأعادتهم إلى إندونيسيا لاحقا).
وهكذا نرى أن “ذو المتين” لم يحصل على أي قدر من التعليم، وإقتصرت علومه على ثقافة الهدم والقتل والتخريب والأفكار المتشددة التي زرعها في رأسه ورأس زملائه الآخرين أفغان متشددون جهلاء، إضافة إلى المرشد الروحي للجماعة الإسلامية الإندونيسي من أصل حضرمي “أبوبكر باعاشير” والذي يقضي حاليا عقوبة بالسجن في جاكرتا لدوره التحريضي والتعبوي. وهذا بطبيعة الحال عكس حال زميله “أزهري بن حسين” الذي نال الدكتوراه من جامعة ريدينغ الاسترالية وعمل استاذا في جامعة ماليزيا التكنولوجية، قبل أن يتورط في أنشطة الإسلام السياسي ويسافر للجهاد في أفغانستان، ليعود إنسانا متطرفا وينفذ أعمالا إجرامية مثل تفجير فندق ماريوت جاكرتا في عام 2003، وتفجير السفارة الأسترالية في جاكرتا في عام 2004، والعمليتان الانتحاريتان في فندقي ماريوت والريتز كارلتون في جاكرتا في عام 2009.
وجملة القول أن تصفية هذا المجرم الخطير، لئن كانت إنتصارا مدويا للقوى المكافحة ضد الإرهاب الدولي، والتي يحق لها الإحتفال، خصوصا بعد نجاحاتها المتتالية الأخيرة في باكستان لجهة إعتقال أو تصفية قادة بارزين من حركة طالبان الأفغانية الشيطانية، أو في اليمن لجهة تصفية رموز مهمة لتنظيم القاعدة، فإنه من جهة أخرى يمثل ضربة موجعة ضد الجماعة الإسلامية الأندونيسية وحلفائها في جنوب الفلبين، خصوصا مع وجود أمير الجماعة “أبوبكر باعاشير” ونائبه “سركسي” وراء القضبان الإندونيسية، ووجود ممثلهما في “ولاية سنغافورة” المدعو “ماس سلامات كاستري” في قبضة السلطات الأمنية الماليزية من بعد هروبه من معتقله السنغافوري في فبراير 2008 ، بل خصوصا بعد فقد الجماعة لأربعة من أبرز رموزها الإجرامية خلال خمس سنوات (أزهري ونو الدين وأبو دجانة وذوالمتين).
والمعروف أن الجماعة الإسلامية، التي أسسها باعاشير ورفيقه “عبدالله سونغكار” في عام 1993 إحياء وتجديدا لأفكار حركة “دار الإسلام” الناشطة التي نشطت في أندونيسيا في أربعينات القرن المنصرم، تسعى عن طريق استخدام العنف إلى تحقيق ما لا يمكن تحقيقه وهو إقامة دولة إسلامية في جنوب شرق آسيا مكونة من: إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي والمقاطعات الفلبينية الجنوبية. وكنتيجة لتبنيها أعمال الإرهاب والعنف وإرتباطها بتنظيمات إجرامية كالقاعدة وطالبان وأبي سياف، فإنها أدرجت ضمن الحركات الإرهابية بموجب القرار رقم 1267 الصادر من مجلس الأمن الدولي في 25 أكتوبر 2002.
وطبقا للمصادر الإندونيسية، فإن الجماعة مسئولة منذ عام 2000 عن العديد من العمليات الإرهابية المسلحة. فإضافة إلى ما تطرقنا إليه من عمليات إجرامية في السطور السابقة، وقفت الجماعة الإسلامية خلف محاولة الإغتيال الفاشلة بحق السفير الفلبيني في جاكرتا “ليونيدز كاداي” في أغسطس 2000 ، وتفجير مواقف السيارات التابعة لسوق الأوراق المالية في جاكرتا في سبتمبر من العام نفسه ، وإرهاب المحتفلين بأعياد الميلاد في ديسمبر من ذلك العام أيضا، والهجوم بالقنابل الحارقة على مترو الأنفاق في مانيلا والذي أودى بحياة 22 راكبا بريئا وجرح المئات، وتفجير مركبة كانت واقفة بجوار مسكن السفير الأمريكي في جاكرتا في سبتمبر 2002 ، وقتل جندي أمريكي وجنديين فلبينيين في أكتوبر 2002 في هجوم بالقنابل على حانة كانوا بداخلها في مدينة “زامبوانغا” الجنوبية، وإلقاء قنبلة على موقف للحافلات في مدينة “كيداپاوان” الفلبينية الجنوبية، حيث قتل 6 أشخاص وجرح 24 آخرين.
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh