حوار: سامح سامي
*
*متى بدأت الكتابة في “وطني” وكيف انضممت إليها؟
** قبل صدور جريدة “وطني” في ديسمبر 1958 أتصل بي الأستاذ أنطون سيدهم ودعاني للمساهمة للكتابة في الجريدة. وأنا أستبصرت منه في البداية عن رسالة جريدة وطني، وقلت له في ذلك الوقت: إني أرغب في أن تكون رسالة وطني القضاء على الفكر الطائفي، فاستجاب فورا وقال: هذه هي رسالة وطني بالفعل، بدليل اسم الجريدة الصادرة به “وطني” أي أن الوطن للجميع، فوافقت على الكتابة بالجريدة, وكتاباتي كانت هدفها تنوير عقل القارئ من خلال إثارة قضايا فلسفية.
* لماذا كانت هذه الرغبة…. مواجهة الفكر الطائفي؟
** أعتقد أننا نعاني منذ زمن طويل وحتى هذه اللحظة من النزعة الطائفية وإثارة لفتن طائفية كثيرة. لذلك كان لا بد من البحث عن فكر مضاد لهذه النزعة أو عن تكتلات مصرية للقضاء على ذلك.
وأذكر أنه في السبيعينات حدث اتصال بيني وبين جمعية الشبان المسيحية باعتباري خريج قسم الصبيان بالجمعية لنشر الاستنارة ونبذ الفكر الطائفي ولعل دراستي في هذا القسم على يد يعقوب فام جعلتني أنبذ أي فكر طائفي بأي شكل من أشكاله. وفي سبيل ذلك أردت أن أدخل معنا جمعية الشبان المسلمين، ووجدت ترحيبا لهذه الخطوة ولكن لم تستمر الأحوال وتوقفت الاتصالات وانتهت المسألة.
ومجمل القول إن إنشغالي كان مقاومة الفكر الطائفي الذي نعاني منه حتى الآن. وكانت لدي رؤية مستقبلية أن هذا الفكر سوف يزداد وينتشر ويتوغل.
* وكيف أشرفت على الصفحة؟
**بعد فترة من صدور الجريدة، اجتمع مجلس الإدارة وقرر إنشاء صفحة مخصصة بالكامل للأدب على أن أشرف عليها. ووافقت وقيل ليّ وقتها: “لا يرحب مجلس الإدارة بأن تتناول صفحة الثقافة والأدب أي كتابة في السياسة. في البداية رأيت أن ذلك صعبا، ولكن سعد فخري عبد النور قال: أنت قادر على هذا الفصل، فقلت: أحاول.
وبدأت أكتب وأستكتب المفكرين المصريين بحيث أن الطابع الفلسفي يلون صفحة الأدب. وقد وجدت الصفحة صدى لدى كبار المفكرين ومنهم د. طه حسين والعقاد ويحيي حقي.
* أهم المعارك الصحفية والفكرية التي خاضتها صفحة الأدب والثقافة؟
** حدث اثناء إشرافي على الصفحة في إبريل 1960 أن أصدر وزير التربية والتعليم د. كمال الدين حسين بإلغاء مادة الفلسفة من المرحلة الثانوية. وتضايقت من هذا القرار وناقشته مع الأستاذ عزيز ميرزا رئيس التحرير فغضب وكتب مقالا إفتتاحيا بالصفحة الأولى عن أهمية الفكر الفلسفي، ثم بدأت أستكتب أساتذة الفلسفة لكي يكتبوا مقالات دفاعا عن الفلسفة وبيان أهميتها ومنهم د. زكي نجيب محمود الذي كتب مقالا بعنوان: “خطأ نشأت عن أخطاء” في مايو 1960، والدكتور عثمان أمين الذي كتب يقول: “الفلسفة صانعة التاريخ”، والدكتور يوسف مراد الذي كتب: “الفلسفة ضرورة حيوية”.
وفجأة أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بالغاء قرار وزير التربية والتعليم بإلغاء مادة الفلسفة من التعليم الثانوي. هذه معركة.
أما المعركة الثانية فكانت بخصوص صورة فرعونية كانت توضع في قمة الصفحة أسبوعيا ووجدت أن هذه الصورة ترمز لشيء ما لم أرحب به، حيث كانت الصورة ترمز أو توحي إلى قبط مصر بدلا من نكتب مقالات نكتفي بصورة رمزية. ودارت في ذهني هذه الشكوك ففتحت باب النقاش في مجلس الإدارة ولم أجد ترحيبا برفع الصورة من صفحة الأدب، وقلت وقتها: كان هناك شرط وهو عدم الخوض في السياسة في صفحة الأدب ولكن الصورة تنطوي على رموز سياسية. وبعد ذلك فتحت الموضوع مع عزيز ميرزا فقال: ببساطة أن الجريدة صادرة من أجل هذه الصورة.
وفوجئت بعد ذلك بشكوى أُرسلت إلى عميد الكلية، وتقول الشكوى أو المذكرة إن مراد وهبه يمارس الصحافة مع أنه أستاذ في الجامعة. ولم يكترث العميد للمذكرة، وأخبرت عزيز ميرزا وأنطون سيدهم فلم يكترثا بالمسألة.
وبعد أسبوعين من ذلك أرسل وكيل النيابة الإدارية للعميد ليطلب منه ذهابي إليه في مجمع التحرير. وعرض عليّ وكيل النيابة تحقيقا أجراه في جريدة وطني وأراد أن يستكمله معي. وبدأ بسؤال: أنت تعمل في جريدة وطني ومسئول عن صفحة الثقافة والأدب؟
فقلت: نعم
وقال: وهل أنت أستاذ في الجامعة.
قلت: نعم
فرد قائلا: هذا مخالف لقرار جمهوري صدر عام 1954 يقول إن أي موظف يعمل في أي شركة مصرية أو أجنبية بأجر أو بدون يفصل من وظيفته، وطبقا لهذا القرار فأنت مفصول.
فكان جوابي له: أنني لا أعلم شيئا عن هذا القرار، فقال: ولا أنا أيضا أعلم شيئا عن هذا القرار وإنما الذي أعلمني هو مدير تحرير جريدة وطني (أنطون نجيب مطر).
* وماذا حدث بعد ذلك؟
** قال وكيل النيابة: سأعطيك فرصة ليومين حتى تجد مخرجا لهذه المشكلة. فقلت له إن القرار واضح وهو الفصل وأنا قبلت الفصل. فأضاف أنه على العموم سوف أرسل إلى إدارة الشركات للاستفسار عن الجريدة وهل يملكها فرد أم شركة.
وبعد ستة شهور أرسل وكيل النيابة خطابا يقول فيه إنني برئ وغير مخالف للقرار الجمهوري لأن الجريدة يملكها فرد هو أنطون سيدهم. ولكن رأيت الامتناع عن الذهاب إلى جريدة وطني وبالتالي الامتناع عن الإشراف على صفحة الأدب منذ تقديم هذه المذكرة. وأقترح وقتها الأستاذ أنطون سيدهم عقد اجتماع بيني وبينه وسعد فخري عبد النور وعزيز ميرزا في شركة الكاتب المصري، وكان الاجتماع محاولة منهم لاقناعي بالإشراف على الصفحة من منزلي دون أن أذهب إلى الجريدة. ورأيت أن ذلك صعب تحقيقه بالدقة التي أعمل بها في كل مجالات حياتي، وخاصة أني كنت أذهب إلى المطبعة بالاهرام للاطلاع على الصفحة في صيغتها النهائية. ومن هنا انقطعت علاقتي بوطني والاشراف على الصفحة بعد تلك المذكرة.
ولكن لم أنقطع عن قراءة جريدة وطني ومتابعتها والتواصل معها… والغريب أنني لاحظت بعد ذلك أن الصورة الفرعونية أختفت وحلت محلها صورة مصرية.
* هل بعد تجربة الإشراف على صفحة في جريدة وطني شاركت في تجارب صحفية أخرى؟
** لم يُطلب مني الإشراف على أي صفحات صحفية ولا كنت أحب ذلك، وإنما طلب مني أحمد بهاء الدين أن أشارك في صفحة أدبية بأخبار اليوم. وكتبت مقالا عن الأسلوب العلمي عند يحيي حقي في العدد الأول من تأسيس الصفحة، ولكن بعد ذلك أغلق مصطفى أمين الصفحة. وبعد ذلك كتبت في مجلة الطليعة منذ العدد الأول لها عن البطل في العالم الثالث ثم شاركت في مجلة الإبداع والمنار ومجلة المصور ومجلة روزاليوسف.
كما أني ذهبت إلى جريدة الأهرام بعد إبلاغي بالفصل من الجامعة وأثناء مهلة وكيل النيابة للبحث عن ملكية جريدة وطني.
* خلال رؤيتي للصفحة في بدايتها وجدت اهتماما كبيرا بالقضايا الفلسفية، فهل هناك ثمة علاقة بين الفلسفة والأدب؟
** كانت رؤيتي أن الأساس الفلسفي وارد في جميع مجالات الحياة الإنسانية سواء العلم والفن والأدب؛ لأن الإنسان أصلا علاقته الأساسية هي بينه وبين الكون مع نشأة الحضارة نشأت الرؤية الاجتماعية بين الإنسان وأخيه الإنسان وهذه علاقة ثانوية. وأول سؤال يسأله الإنسان لماذا، وهذا سؤال فلسفي.
ولهذا كانت رؤيتي من البداية النظرة الفلسفية لجميع المجالات، ولذلك انتهزت الفرصة اثناء إشرافي على صفحة الأدب… لبث الأفكار الفلسفية.
* وهل المجتمع المصري وقتها كان يهتم بهذه الأفكار الفلسفية؟
** كان الفكر الفلسفي قويا وقتئذ بفضل أساتذة الفلسفة. ونلاحظ أن أساتذة الفلسفة تتلمذوا على يد الأساتذة الأجانب الانجليز والفرنسيين. ونحن شربنا من هذا الفكر وبفضل هؤلاء. وكان وقتها الأستاذ أستاذاً بمعنى الكلمة.
وأنا شخصيا كنت أذهب إلى جامعة الاسكندرية لكي أحضر محاضرات أستاذ منهم وللتحاور معهم. أما الآن فالصورة مختلفة، الأستاذ موضع شك والعلاقة بينه وبين طلابه مبتورة وبالتالي لا يوجد مناخ علمي في الجامعة.
* معروف أن المشروع الأساسي لك الآن هو تأسيس العلمانية في مصر وفقا لتعريفك.. فهل كانت العلمانية وقت إشرافك على الصفحة مطروحة لديك ومتى بدأت الانشغال بها؟
** أظن أن تربيتي ودراستي في قسم الصبيان بجمعية الشبان المسيحية لها أثر في ذلك ولكن وقتها لم أكن أتعرف على مصطلح العلمانية. وقد بدأت العلمانية تتبلور عندي بعد تزايد النزعة الطائفية في مصر.
بالطبع الصفحة لم تتحدث بشكل واضح عن مصطلح العلمانية ولكنك ستجدها مبثوثة في موضوعات الصفحة. فمثلا موضوعي حول “أولاد حارتنا” ستجد أنني أتحدث عن الفكر العلماني عند نجيب محفوظ.
العالم العربي مستغرق في المطلق وليس في النسبي. وكل تفسيراته تفسيرات دينية متعصبة. ولا يقبل بأي حديث عن العلمانية ويحاربها، وخير دليل على ذلك، أنني في الثمانينيات بعد انعقاد مؤتمر عن العلمانية في روما، كتبت كتابا عن العلمانية باللغتين الانجليزية والعربية بعنوان: “الدين والعنف والشباب… العلمانية واللاعلمانية”، أول الأمر نشرت الكتاب باللغة الانجليزية ولم يعترض أحد، ولكن حين ترجمت أوراق المؤتمر إلى اللغة العربية منع صاحب المطبعة نشر الكتاب قائلا: “إن هذا المصطلح ممنوع”.
وكل أملي في أن جريدة “وطني” تعيد النظر في مسألة العلمانية وتأسيسها في مصر وتكون للجريدة الجرأة في كيفية إثارة الروح العلمانية في الفكر المصري بدلا من الالحاح على قضايا طائفية.
والآن نشعر كما لو أننا نعيش في مجتمع ديني فقط.
samhssamy@yahoo.com
• القاهرة
“من تمنطق فقد تزندق”
لجنة إستكمال الشريعة بالكويت تطالب بحظر تدريس الفلسفة
د. مراد وهبه في حوار:
سبب مشاكل كل الدول العربية في أنها لا تؤمن بالفلسفة فالحكام العرب يخافون منها على كراسيهم. نرجو أن يهتم الموقع بأخبار ومقالات الدكتور مراد وهبه فهو من أكبر المفكرين في مصر