“لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى” تراجم لأكثر من أربعين شخصية أثرت سلبا أو إيجابيا في تاريخ آسيا المعاصر
من منشورات مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بالمحرق، ومن طباعة المؤسسة العربية للطباعة والنشر في المنامة صدر مؤخرا كتاب موسوعي بعنوان “لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى” من تأليف الخبير في العلاقات الدولية والشئون الآسيوية الدكتور عبدالله المدني. وللحديث عن هذا المؤلف المتميز والذي يُعد الأول من نوعه في المكتبة العربية، كان لنا هذا الحوار مع د. المدني:
حاورته هدير البقالي – المنامة
هل لكم أن تعطونا فكرة موجزة عن كتابكم الجديد.
الكتاب من القطع المتوسط ويبلغ عدد صفحاته نحو 300 صفحة بما فيها صفحات الإهداء والمحتويات والمراجع والتعريف بالمؤلف. وهو مقسم إلى 11 فصلا، وكل فصل يختص بدولة من دول الشرق الأقصى مثل اليابان، والصين وتايوان وهونغ كونغ، وإندونيسيا وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة، والكوريتين، والفلبين، وبورما، وكمبوديا، حيث قدمت داخل هذه الفصول لوحات هي عبارة عن تراجم مفصلة ودقيقة لشخصيات آسيوية سواء تلك التي أثرت إيجابيا في حياة بلدانها وشعوبها فإستحقت التبجيل والإحترام مثل العاهل التايلاندي “بهوميبون أدونياديت” وصاحب المعجزة السنغافورية “لي كوان يو”، أو أثرت سلبا فإستحقت اللعنة والإزدراء مثل قائد جماعة أبو سياف “القذافي جنجلاني” وسفاح كمبوديا “بول بوت” وزميله الأعرج “تا موك”.
أتذكر إنكم كررتم عدة مرات في أحاديث صحفية سابقة، أنكم تفضلون إعداد مؤلفات صغيرة يسهل حملها، وتسهل قراءتها، ولا ترهق أسعارها كاهل القاريء. لكنكم في هذا الكتاب، الذي يأتي بعد كتابين لكم من القطع الصغير، خالفتم عادتكم.
لا زلت حريصا على تقديم ما خف حمله ورخص ثمنه وسهلت قراءته، غير أنه في حالة هذا المؤلف كان من الصعب تقديمه بمقاس كتب الجيب بسبب طبيعته الموسوعية، ليس إلا. وعموما فإن الكتاب على الرغم من ثقله، وما كابدته من مشقة في تأليفه ونشره، فإنه يباع بسعر معقول جدا أي أرخص من قيمة مجلة من مجلات الأزياء والنميمة الأجنبية مثل “ماري كلير”، أو كتاب من كتب الطبخ، حيث أن الإستفادة المادية هو آخر ما أفكر فيه.
ما هي أهمية هذا الكتاب من وجهة نظرك الخاصة؟
في إعتقادي إن المكتبة العربية تعاني نقصا شديدا في المؤلفات التي تتناول منطقة الشرق الأقصى وتحولاتها الكبيرة وتجاربها الحية الباعثة على الدهشة، كنتيجة للتهميش الطويل للمنطقة الآسيوية في الأدبيات العربية. أما الأكثر وضوحا من ذلك فهو أن هذه المكتبات تعاني من فقر شديد في المؤلفات التي تتناول السير الذاتية أو التي تترجم لشخصيات آسيوية صنعت الحدث وأثرت في مجرياته.
ومن هذا المنطلق، وحرصاً مني على تقديم كتاب يخدم الباحثين والدارسين العرب ويسّهل عليهم الإقتباس منه أو الرجوع إليه كمصدر تاريخي في أبحاثهم الخاصة بآسيا، قمت بإعداد هذا المؤلف الذي أخذ مني الكثير من الجهد، والبحث، والتنقيب، والاستفسار، والتنقيح، والصياغة، حتى صار يضم بين دفتيه مجموعة من اللوحات البيوغرافية التي يستعرض كل واحدة منها بالتفصيل سيرة شخصية من الشخصيات الآسيوية التي أثرت إيجابا أو سلبا في شئون بلادها، ومحيطها الإقليمي والدولي، بفعل وجودها في السلطة، أو إتخاذها لقرارات مصيرية، أو محاولتها الوثوب إلى الحكم، أو قيادتها لتيار جماهيري مؤثر، أو تزعمها لحركة تمرد.
يتضح مما ذكرتكم، أن هذا الكتاب يمكن تصنيفه ضمن كتب السيرة الذاتية بالإنابة. سؤالي هو إلى أي مدى تكمن صعوبة إعداد مثل هذه المؤلفات؟ ثم أين نحن العرب مقارنة بالأمم الأخرى في حقل كتاب التراجم الشخصية؟
أشكرك على هذا السؤال. نعم الكتاب يمكن بكل تأكيد تصنيفه ضمن كتب السيرة الذاتية بالإنابة، وقد أشرت إلى هذا في مقدمة الكتاب. أما إلى أي مدى تكمن صعوبة إعداد مثل هذه المؤلفات فردي هو أن كتابة سير الشخصيات لم تـَعد مجرد سرد إنشائي للمعلومات والأحداث والتواريخ، و إنما صارت من الفنون الأدبية التي لها إشتراطاتها الخاصة، فضلا عن حاجتها إلى موهبة خاصة، وتقنيات بلاغية معينة، و مقدرة فذة على صياغة المعلومة في قالب أدبي جذاب، وجرأة في المكاشفة والبوح، و ذكاء في كيفية إيجاد تناغم ما بين العام والخاص، والذاتي والموضوعي، وجعل القاريء في حالة ترقب دائمة. وهي مواهب لا أدعي إمتلاكها. لكن حسبي أني قمت بمحاولة متواضعة للخروج على الأشكال الصحفية التقليدية في رواية السير الشخصية الموجزة، والتي كثيرا ما تخضع للنظام الزمني أو الكرونولوجي مما يفقدها متعة القراءة التأملية أو خاصية الإنجذاب العفوي للمادة. وبالنسبة لسؤالك الثاني، فإني أعتقد جازما أننا متخلفون كثيرا عن الأمم الأخرى في هذا الميدان. ذلك أن أشكال كتابة السيرة الذاتية قد تطورت في الغرب تطورا كبيرا منذ القرن الثامن عشر، وتطورت في الشرق الآسيوي تطورا مشهودا منذ القرن التاسع عشر، فيما هي في البلاد العربية متراجعة بسبب التقاليد والأعراف الاجتماعية وثقافة القمع التي تحد من بوح الشخص لتجاربه كما هي، أي من دون زركشة و إنتقائية. هذا ناهيك عما يحس به الإنسان العربي – بحسب قول الدكتور جابر العصفور – من مشاعر الخجل والخوف المؤدية إلى إضطراره إلى الرياء والنفاق أو الكذب حين تناوله لسيرته الذاتية. وعليه فإن أكثر الموجود في الأدب العربي ليس سوى ترجمات لشخصيات كتبها آخرون، أي إنها تندرج في خانة ما يمكن تسميته بالسيرة الذاتية بالإنابة (كما هو حال هذا الكتاب) أي حالة تصدي آخرين للكتابة بجرأة وإنفتاح وتجرد وحس مرهف عن رموز وأعلام، بحيث يصنعون عالما موازيا لعالم صاحب السيرة الأصلي، على نحو ما فعله المسرحي الفرنسي “رومان رولان” (1866- 1944 )، الذي يُعد من أغزر كتاب السير الذاتية بدليل ترجماته الجميلة لبتهوفن، وتولستوي، وغاندي، وغيرهم.
إلى من تدينون بظهور هذا المؤلف؟
لست مدينا لأحد، لكن الواجب يدعوني إلى تقديم الشكر والإمتنان إلى مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة بصفة عامة وإلى رئيسته الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بصفة خاصة لإهتمامهم بالمؤلف وتحمسهم لنشره. وبالمثل فإن الواجب يدعوني إلى تقديم شكر خاص للصديق الأستاذ مؤنس المردي رئيس تحرير صحيفة البلاد الغراء على كرمه وتفضله بمنح سعر تشجيعي لطباعة هذا الكتاب من خلال المؤسسة العربية للطباعة والنشر. ولا أنسى بطبيعة الحال أن أكرر جزيل شكري وإمتناني للكثيرين من الأصدقاء في دول الشرق الآسيوي الذين لم يبخلوا علي بالمعلومة الأمينة وقت طلبها.
د. عبدالله .. ما هو مشروعكم التالي بعد هذا الكتاب؟ وهل ستعودون إلى مؤلفات في مجال تخصصكم الأكاديمي كهذا، أم أنكم ستبحرون مجددا في عالم الرواية الذي ظن البعض أنه سرقكم؟
المشاريع كثيرة. نعم الرواية سرقتني وأخذتني لبعض الوقت بعيدا عن الكتب الأكاديمية، بدليل أن روايتي الثالثة من بعد روايتي “في شقتنا خادمة حامل”، و “بولقلق” هي في الطريق وستشهد النور قريبا جدا. لكني في الوقت نفسه أفكر في إعداد مؤلف مشابه لهذا المؤلف الموسوعي، يختص بشخصيات من جنوب آسيا أي من الهند وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا وأفغانستان والنيبال.
سؤالي الأخير هو: هل سبق أن نشرتم مادة هذا الكتاب في الصحف من خلال مقالاتكم الصحفية الأسبوعية؟
في المقالة الصحفية الكاتب ملزم بمساحة محددة وعدد محدود من الكلمات، وبالتالي لا يستطيع أن يقول كل شيء، ولا أن تأخذ حريتك الكاملة في التعرض إلى كافة جوانب موضوع المادة. ولئن كان بعض مواد هذا الكتاب قد نـُشر في وقت من الأوقات في الصحافة، فإنه لم يـُنشر إطلاقا بالصورة التي يظهر عليه في الكتاب، لا من حيث العرض، ولا من حيث الصياغة الأدبية، ولا من حيث غزارة المعلومات وتفاصيلها، ولا من حيث عدد الكلمات. وبعبارة أخرى، قمت بإجراء تغيير شامل كي لا يبدو المنشور في الكتاب مطابقا لما سبق نشره في الصحف (هذا إنْ كان قد نـُشر في الصحف أصلا).