“الشفاف” – باريس
قلت جريدة “الفيغارو” اليوم خشية باريس من أن قيام حزب الله بعملية إنقلابية بعد صدور قرار دولي يتّهمه باغتيال الرئيس رفيق الحريري يمكن أن يشعل حرباً في المنطقة. وقالت أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً رفيع المستوى أبلغ محاوره الفرنسي أن “أية عملية إنقلابية يقوم بها حزب الله ستكون غير مقبولة، وسنصل حتى بيروت للحؤول دون نجاحها”.
وتتقاطع معلومات “الفيغارو” مع معلومات سابقة نشرتها “الشفاف” وكان فحواها أن أية حرب مقبلة لن تقف عند بيروت بل ستصل إلى .. دمشق!
وحسب “الفيغارو”، فقد أعرب الرئيس ساركوزي في الأشهر الأخيرة عن خيبة أمل إزاء المناورات السورية. فقد رفضت دمشق توسّط فرنسا بينها وبين إسرائيل، وأبلغت المبعوث الفرنسي جان-كلود كوسران أنها تفضّل الوساطة التركية. وتشعر باريس، من جهة أخرى، بالقلق إزاء عدم تعاون سوريا مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، في حين تبدي أجهزة الإستخبارات الفرنسية قلقها من تقارب دمشق مع طهران لتصنيع صواريخ متوسطة المدى.
وتأتي زيارة بشّار الأسد الجديدة إلى باريس، التي كان زارها قبل سنة واحدة، على خلفية عدم إرتياح فرنسي إزاء عدم وفاء الأسد بالتزاماته السابقة. ولوحظ أن وليد المعلّم ليس ضمن الوفد السوري إلى باريس، مثلما كان غيابه ملحوظاً أثناء زيارة الأسد الأخيرة إلى السعودية حينما اقتصرت المحادثات على الأسد والملك عبدالله وإبنه عبد العزيز!
وحسب “الفيغارو”، فإن الفرنسيين والسوريين يدعمون “خريطة طريق” تنصّ على عدم توجيه أي إتهام لحزب الله باغتيال الحريري مقابل إمتناع حزب الله عن “تعريض الأمن الداخلي” في لبنان للخطر ردّاً على القرار الإتهامي الدولي الذي سيصدر قريباً.
وقد عرضت جريدة “لوموند”، في عدد اليوم الخميس، ملخّصاً لبرقيات ديبلوماسية أميركية حصلت عليها من موقع “ويكيليكس” تنمّ عن شعور الولايات المتحدة بشكوك عميقة إزاء الإنفتاح الفرنسي على دمشق، وتظهر أن الولايات المتحدة كانت تفضّل أن تتخذ باريس موقفاً أقل تسرّعاً و”مشروطاً” من دمشق التي ما تزال تشكل مصدراً لمشكلات كبرى (نقل أسلحة لحزب الله، ودعم “حماس”، والتدخّل في شؤون العراق).
لكن أين الدور القطري؟
قبل قراءة البرقيات الأميركية، لا بدّ من ملاحظة عدم تطرّق الديبلوماسيين الأميركيين إلى الدور القطري المهم في علاقات فرنسا العربية، وخصوصاً مع سوريا، ثم مع ليبيا. فالبرقيات الأميركية تذكر قطر مرة واحدة حينما تشير إلى أن السوريين طالبوا الفرنسيين بأن ينقلوا إليهم مطالبهم بخصوص حقوق الإنسان عبر قطر! ولكن كل الأوساط المعنية في باريس تعرف أن قطر تلعب دوراً يفوق حجمها بفضل “تقدماتها المالية”. وحسب أوساط مقرّبة من قصر الإليزيه فقد دفعت قطر، نبابةً عن فرنسا، مبلغ 300 مليون دولار للعقيد القذافي مقابل الإفراج عن الممرضات البلغار والطبيب الفلسطيني الذين “لفّق” لهم العقيد تهمة حقن الأطفال الليبيين بـ”الإيدز”. وهذا السخاء الليبي سمح للسلطات الفرنسية أن تزعم أنها لم ترضخ لابتزاز القذافي ولم تدفع له أي مقابل! وبعد ذلك، عاد القطريون فدفعوا أكلاف “المؤتمر من أجل المتوسّط”، أي المشروع الذي وضع الرئيس ساركوزي إسمه عليه. وليس سرّاً، هنا في باريس، أن الدور الذي “اشترته” قطر لنفسها يصبّ في مصلحة النظام السوري، ولو أنه يثير حفيظة السعودية ويتسبّب بقدر من الإنزعاج السعودي.
وتظهر البرقيات الأميركية وجود فروق بين موقف الرئاسة ومواقف وزارة الخارجية الفرنسية التي تتّسم بقدر أكبر من التحفّظ إزاء دمشق. ولكن برقية مؤرخة في مايو 2008 تقول أن “الرئاسة الفرنسية تعلّمت الدرس منذ محاولاتها الفاشلة في العام الماضي للعمل مع سوريا”. وتسخر برقية أخرى من من محاولات “مبعوثي الإليزيه تصوير زيارتهم لدمشق بأنها كانت ناجحة”.
وعود ساركوزي لشيراك
وتلاحظ البرقيات الأميركية أن الرئيس ساركوزي كان، في بداية عهده، قد أرسل إشارات بأنه سيواصل سياسة التعاون الوثيق مع واشنطن التي بدأها جاك شيراك منذ العام 2004، والتي شملت مقاطعة دمشق منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي 10 مايو 2007، نظم شيراك لقاء في الإليزيه ضمّ سعد الحريري وساركوزي الذي أكّد أنه “سيحافظ على الإتجاه نفسه” في ما يتعلق بالمحكمة الدولية، وفقاً لبرقية ديبلوماسية أميركية.
ولكن البرقيات الأميركية التالية تتساءل عن زيارات السكرتير العام لقصر الإليزيه، “كلود غيان”، إلى دمشق. وبعد توقّف قليل في مطلع 2008، استأنف قصر الإليزيه العلاقات المكثفة مع بشار الأسد في إطار التمهيد لقمة “الإتحاد من أجل المتوسط” في باريس. وتم توجيه دعوة لبشار الأسد للمساركة في احتفالات 14 يوليو في باريس. وتلاحظ البرقيات الأميركية أن الأسد “الذي لم يُحظَ بأي دعوة من عاصمة غربية منذ سنوات” خرج بذلك “من عزلته”. وتضيف برقية أن “السوريين يشعرون أنهم في موقع قوة”. وأن “الأسد يشعر أنه، في أسوأ الأحوال” قد حقّق نجاحاً على مستوى العلاقات العامة”.
حقوق الإنسان: “أرسلوا طلباتكم عبر.. قطر”!
كان الرئيس نيقولا ساركوزي بين الرؤساء الذي تهافتوا على برلين قبل سنة للإحتفال بذكرى سقوط “جدار برلين”! ولكن الرئيس الذي احتفل بالإنتصار على النظام الشيوعي الديكتاتوري يبدو “متواضع الطلبات” إزاء النظام الديكتاتوري في دمشق!
وحسب البرقيات الأميركية، فلم يقم قصر الإليزيه سوى بمسعى صغير، سرعان ما تخلّى عنه، في ما يتعلّق بحقوق الإنسان في سوريا. وقد رفض الرئيس السوري، بصورة جافة للغاية، إقتراحاً فرنسياً بإطلاق سراح مساجين سياسيين قبل سفره إلى فرنسا في العام 2009.
وتقول برقية أميركية: “قام السوريون بتحريف هذه الرسالة عندما اقترحوا أن تمرّ فرنسا بقطر بالنسبة للطلبات المتعلقة بحقوق الإنسان” بغية “عدم إعطاء إنطباع بأن سوريا تخضع للضغوط الغربية”!! ثم تضيف “ويبدو أن الفرنسيين قد ابتلعوا تلك الذريعة”!!
وتنقل البرقيات الأميركية عن ديبلوماسيين فرنسيين أن باريش اشترطت آخر العام 2008 كموعد نهائي لإرسال سفير سوري إلى بيروت وأن ساركوزي “يعتقد أنه نجح في التأثير على موقف الأسد من المسألة النووية في إيران”، الأمر الذي تشكّك فيه واشنطن.
كوسران: إبتعاد سوريا عن إيران.. مستحيل!
ولكن المناورات السورية لم تتوقّف في العام 2009. فقد تم تعيين سفير سوري إلى لبنان ، ولكنه لم يصل إلى بيروت. وفي شهر مارس 2009، يسجل ديبلوماسي أميركي محادثة مع الديبلوماسي الفرنسي “جان كلود كوسران”، الذي يعتبره “أبرز المستعربين من جيله”. وينقل عن “كوسران” أن سوريا قامت بـ”تغيير تكتيكي وليس إستراتيجي” وأن “إبعاد سوريا عن إيران فكرة حسنة، سوى أنها انها تتحقق أبداً”. وينقل عن كوسران قوله أن “السوريين بارعون في فن عدم القيام بتنازلات حقيقية. إهم يعرفون كيف يضعون محاوريهم في مناخ رائع وفي إسماعهم ما يريدون سماعه، قبل أن يعيدوهم بدون أي نتيجة”.
ويستخدم الرئيس السوري سلاح الوقت. فقد أبلغ الأسد السناتور الأميركي جون كيري، في 21 فبراير 2009، أنه لن ينصاع لأي “ضغط من أجل إرسال السفير السوري إلى بيروت بسرعة”. وأضاف أنها “مسألة سيادية” وأن “الفرنسيين فرضوا عليه رغماً عنه” موعد آخر 2008. وفي النهاية، قدم السفير السوري أواق اعتماده في بيروت في 21 مارس 2009. وتلاحظ برقية أميركية أنه “رغم استياء ساركوزي ” من التأخير فقد “اختار هو ومستشاريه التقلي من أهمية الموضوع، وما زالوا مقتنعين بأن الحوار مع سوريا أعطى ثماره”.
وفي نوفمبر 2009، جاء في برقية أميركية أن الولايات المتحدة “لا تفهم كيف تحلّل باريس الطريقة التي يعتمدها بشار الأسد في استغلال طموحات ساركوزي”!
وفي برقية لاحقة، تسجل السفارة الأميركية في باريس أن “الطموحات الفرنسية في الشرق الأوسط محبطة”. وتقول أن “المسؤولين الفرنسيين مقتنعون بأن سياسة اليد الممدودة التي يمارسها ساركوزي تجاه سوريا تجعل الأسد شريكاً أفضل في حل مشكلات المنطقة- مع أنه يصعب عليهم أن يعطوا أمثلة حسّية تثبت صحة ما يقولونه”!!
ديكتاتور سوريا في باريس: إحباط فرنسي من “وعود” الأسد ومخاوف من حرب جديدة!
أبو سعيد — sameer2002@hotmail.com
ساركوزي اعاد دور فرنسا الاستعماري في تعامله مع الانظمة الدكتاتورية وتجاهله حقوق الانسان عموما وسورية خصوصا
ديكتاتور سوريا في باريس: إحباط فرنسي من “وعود” الأسد ومخاوف من حرب جديدة!
محمد مأمون الحمصي كندا — rabeadmc@hotmail.com
شكراً لموقعكم لهذه التغطيةودعمكم المستمر من أجل حرية الشعب السوري والإفراج عن سجناء الرأي والضمير مشاعل الحرية، وكل الأسف لهذه السياسة التي يتبعها الرئيس ساركوزي الذي غاب في عهده أهم المبادئ التي تتحمل فرنسامسؤليتها في دعم الحريات وحقوق الإنسان والوقوف الى جانب الشعوب المعذبة من حكم الديكتاتوريات والتي يستقبل الاليزيه اليوم واحدا من أهمها.!!!!!