ربما تطرق اللقاء إلى إستفادة البلد الأول من الثاني كمكان لتخزين أدواته النووية بعيدا عن مفتشين دوليين محتملين.
دولتان، واحدة في غرب آسيا، والأخرى في أقصى شرقها. لا تجمعها قواسم تاريخية أو إجتماعية أو دينية أو ثقافية. لكن المؤكد أن بينهما قاسما مشتركا وحيدا هو الشغب والتآمر والإرهاب والتمرد على القانون الدولي وأعرافه، إضافة إلى طموحات كل منهما لجهة إمتلاك أسلحة الدمار الشامل لترهيب وزعزعة أمن جيرانهما. الأولى تحكمها عصابة من المعمّمين الذين يستغلون المذهب الديني وشعارات مقاومة الإمبريالية والانتصار للمستضعفين في الحجر على العقول، والبقاء في السلطة، وتجنيد الدهماء خارج بلادهم لتنفيذ مآربهم. والثانية تحكمها أسرة مؤدلجة حتى النخاع، ورثت كل ما هو خارج العصر من شعارات طنانة إنقرض زمنها لتحكم بالحديد والنار، وتحرم أبناء شعبها من نسائم الحرية ورياح التطور التي يتمتع بها جيرانهم.
هذا القاسم المشترك الوحيد هو الذي جعلهما يتعاونان في مجال الشر، وينفقان أموال شعبيهما في بذر السموم والفتن وحالة عدم الإستقرار في محيطهما الإقليمي، رغم تباعد المساحات الجغرافية بينهما، وهو الذي جعلهما منبوذتين من الاسرة الدولية بصفة عامة، وبالتالي خاضعتين لعقوباتها، بل وجعل لكل منهما دالة على الأخرى. فما أنْ تطلب الأولى من الثانية مساعدتها في تكنولوجيات الشر حتى تهرع للإستجابة إلى طلبها بإرسال الخبراء والعلماء والتقنيات. وما أنْ تطلب الثانية من الأولى نفطا مجانيا أو بأسعار تفضيلية حتى تلبي ما طلبته دون تأخير، ليس رأفة وشفقة بشعبها الجائع وإنما حرصا على استمرارية نظامها الاستبدادي، على نحو ما تفعله الدولة الأولى تجاه أنظمة فقدت شرعيتها وانتهت صلاحيتها في منطقة الشرق الأوسط التي تنتمي إليها.
علاقة الأولى بالثانية في مجال التعاون العسكري يعود إلى حقبة الثمانينات عندما كانت الأولى متورطة في حرب عبثية طويلة مع جارتها العربية. وقتها حـُظر عليها شراء واستيراد السلاح فلم تجد أمامها سوى الدولة الثانية لتزودها بأدوات التدمير، خصوصا وأن الأخيرة مارقة ولا تأبه بأي نظام أو قانون. هذا التعاون العسكري راح يتوطد ويتوسع شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى مستوى تزويد الثانية للأولى بالمواد المستخدمة لإنتاج اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصب، معطوفا على تبادل الوفود النووية والباليستية في سرية تامة. وفي هذا السياق يشير الباحث الأمريكي “لاري نيكش” من معهد الدرست الاستراتيجية والدولية في واشنطون إلى أن البلد الأول ينفق سنويا ما بين مليار و1.5 دولار على التعاون مع البلد الثاني. كما يشير باحث آخر هو “غوردون شانغ” في كتاب له إلى أن علماء من الدولة الأولى كانوا متواجدين أثناء إجراء الدولة الثانية لتجاربها النووية الأولى في عام 2006، وأن المسئول عن البرنامج النووي العسكري في الأولى أقام لبعض الوقت في الثانية وشاهد تجربتها النووية الثالثة في فبراير 2013.
تقول الكاتبة هدى الحسيني في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية (13/8/2015) أن زعيم البلد الأول إجتمع بالزعيم الشرفي للبلد الثاني على هامش القمة الأفروآسيوية التي عقدت في جاكرتا في إبريل الماضي، وذلك في لقاء علني نادر ذي صبغة سياسية.
وسبب وصف اللقاء بالنادر يعود إلى أن قادة البلد الثاني قلما يسمح لهم زعيمهم الأعلى “المبجل” بالسفر إلى الخارج خوفا من إنشقاقهم، ونادرا ما يفوضهم بالتوقيع نيابة عنه، بل حتى إنْ حدث وفوضهم فإن إحتمالات تراجعه عما وقع عليه تبقى قائمة. وهذه الحالة مشابهة إلى حد ما لما يجري في البلد ألأول. بمعنى أنّ الآمر الناهي وصاحب القرار الأعلى يتجسد في شخص واحد يسبغ على نفسه هالات التقديس، وما الآخرون سوى موظفين لا حول لهم ولا قوة. وهذا بطبيعة الحال وضع مريح للبلد الأول، إذ يمكنه التراجع عما وافق عليه في أي لحظة بحجة أنّ زعيمه الأعلى “المقدس” معترض ولم يمنح موافقته.
وبالعودة إلى الإجتماع المذكور بين زعيمي البلدين في جاكرتا، تضيف هدى الحسيني بأن إجتماعهما في هذا التوقيت مؤشر على تعاون بلديهما في قضايا حساسة ذات أهمية إستراتيجية. فما هي هذه القضايا الحساسة يا ترى؟
الإجابة لا تحتاج إلى عبقرية. فالدولة الأولى التي باتت تواجه خسائر متتالية في الدول الإقليمية التي امتدت أصابعها الشريرة إليها، وصارت تواجه في الوقت نفسه تذمرا داخليا من قبل شعبها بسبب إنفاق خيراته على المغامرات الخارجية الطائشة، هي في حاجة ماسة إلى مساعدة الدولة الثانية لجهة تهريب السلاح إلى أنصارها في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، خصوصا وأن الدولة الثانية تصنع السلاح ولها سوابق معروفة في إيصاله بطرق ملتوية إلى الحركات والتنظيمات الخارجة على القانون في أكثر من بلد.
ويمكن القول أيضا أن الدولة الأولى تراهن على الثانية في سباقها لبلوغ الأشواط النهائية في تحقيق حلمها بإمتلاك القنبلة النووية، خصوصا وأن الدولة الثانية ـ طبقا لمعلومات الاستخبارات الامريكية والغربية واليابانية ـ حققت تقدما معتبرا في برامجها النووية وفي صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، بل فاخرت مرارا وبصورة علنية على قدرتها بضرب أهداف بعيدة المدى تتجاوز الدول المجاورة لها والتي كثيرا ما عانت من طيش وحماقة قادة الثانية. وفي سياق الحديث عن هذا الرهان يمكن التطرق إلى أكثر من دليل، أوله أن بعثة نووية وباليستية تابعة للدولة الثانية زارت سرا في إبريل الماضي موقعا نوويا في الدولة الاولى يحمل إسم مؤسسها الراحل، في الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة تجري مفاوضات مع القوى العالمية حول برنامجها النووي.
كما يمكن القول أن اللقاء المذكور تطرق إلى التعاون المشترك في مجال صناعة وتطوير الأسلحة التقليدية، والتعاون في كيفية التملص من العقوبات المفروضة على البلدين، وكيفية تطوير أساليب أذية دول الجوار وخلخلة أمنها وإستقرارها، إضافة إلى أمر آخر مهم هو: استفادة البلد الأول من الثاني كمكان لتخزين أدواته النووية بعيدا عن مفتشين دوليين محتملين، بحسب ما توقعته صحيفة “ديلي بيست” الإخبارية
فهل عرفت عزيزي القاريء إسمي هاتين الدولتين؟
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرينت
Elmadani@batelco.com.bh