قال أحد الأدباء اليهود البارزين، سامي ميخائيل، وهو يهودي من أصل عراقي ذات مرة: إسرائيل دولة عجيبة، اليهود فيها أكثرية ولكنهم مسكونون بهلع الأقلية والعرب فيها أقلية ولكنهم مسكونون بشعور الأكثرية.
ولعل هذا القول غير السياسي أصلاً، يجسد حقيقة الواقع الإسرائيلي الغريب، ويجسد الأسباب الحقيقية للهلع الصهيوني من الزيادة الطبيعية العالية للعرب مواطني دولة إسرائيل.
ذات مرة قلت مخاطباً اليهود بحضور رئيس الدولة ورئيس محكمة العدل العليا : أسألكم بصراحة، هل تعتقدون أن العربي عندما يولد له ولد جديد أو ابنة جديدة يأخذ الآلة الحاسبة ليعدل نسبة العرب في الدولة. عندما يولد للعربي ولد يفرح، نحن نحب الأولاد، مثل كل الناس. ألم يقل المغني اليهودي المغربي شلومو بار: الأولاد بركة، الأولاد فرحة، لماذا تعتقدون أن الأولاد فرحة لليهود فقط؟
ولكن كل محاولاتنا لطمأنة المؤسسة اليهودية لا تنفع. عندما يتزوج شاب فلسطيني من الجليل أو المثلث أو عكا أو حيفا من فتاة فلسطينية من الضفة الغربية فليست هناك قوة في العالم تضمن بطاقة هوية إسرائيلية للصبية من الضفة. وبصفاقة عنصرية يسأل موظف وزارة الداخلية العريس العربي: لماذا لا تذهب أنت وتسكن في رام الله أو بيت لحم أو نابلس.
لا نعرف إذا كان سوف يأتي يوم يصبح فيه مجرد زواج العربي أو العربية في إسرائيل سبباً للشك في إخلاصهما للدولة!! وقديماً قال المثل الفلاحي الفلسطيني القديم:”الذي أكل اللحم النيء ، معدته تكركع “!!
لنعد إلى موضوعنا الأصلي.
هذا الأسبوع أقرت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بأكثرية ساحقة من أعضاء الكنيست، قانوناً اسمه “قانون الصندوق القومي اليهودي”. وهذا القانون ينص أن الأراضي التابعة للصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) لا تباع ولا تؤجر ولا تنتقل ملكيتها إلى …غير اليهود!! وكما هو معروف عالمياً، فالعربي، داخل إسرائيل لم يعد اسمه “عربياً” بل.. “غير يهودي” نحن لا نستحق صفة عادية، إنسانية، بل صفتنا أننا.. غير يهود!!
الكيرن كييمت تملك 17 بالمائة من أراضي دولة إسرائيل، ولكن نسأل اليهود: مَن مَلَك هذه الأرض قبل أن تشتروها من الإقطاعيين وتطردوا الفلاحين الأقنان الذين عملوا فيها إلى حيفا ويافا بحثاً عن العمل؟
كما يعرف القاصي والداني فإن دولة إسرائيل صادرت كل أراضي اللاجئين الفلسطينيين وأقامت عليها المستوطنات والمدن اليهودية. والمفارقة المأساوية أن ربع المليون فلسطيني المواطنين في دولة إسرائيل هم “لاجئون” رُحِّلوا سنة 1948 ولم يُسمح لهم بالعودة وأرضهم غير بعيدة عنهم، ولكنها “أرض دولة”، لا أرض أصحابها.
هناك ألوف يعيشون في مدينة الناصرة هم “لاجئون ” من صفورية والمجيدل ومعلول هذه القرى البعيدة عدة كيلومترات عن الناصرة ولكنهم محرومون من العودة. وأرضهم .. ليست لهم. بحكم نظام قراقوش الصهيوني!!
لو كان في إسرائيل منطق وعدل، لقلنا للدولة: أراضي الكيرن كييمت هي للكيرن كييمت ولكن لماذا لا تكون أراضي الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل ملكاً لأصحابها، ولماذا تسمونها أملاك غائبين بينما أصحابها هنا؟!
إن الدولة تتصرف كما لو كنا، نحن السكان الأصليين . أصحاب الأرض منذ بدء الخليقة، غرباء، وليس صدفة أنه خلال الستين سنة الماضية أقيمت في إسرائيل 750 مدينة وقرية ومستوطنة (لليهود فقط!!) بينما لم تقم قرية أو مدينة عربية واحدة، مع أن السكان العرب زادوا خلال ستين عاماً من 150 ألف نسمة إلى مليون و250 ألف نسمة.
ليس صدفة أننا بعد 60 عاماً تحولنا من مجتمع زراعي إلى مجتمع يشتري الزغتر والعلت في السوق وقطَّع النظام الإسرائيلي أوصال علاقتنا مع الزراعة.
والآن يتشاطرون علينا، لم يكتفوا بكل ما نهبوه، بل فوق هذا يسنون قانوناً يمنع استخدامنا لأراضي “الكيرن كييمت” .
إن هذا القانون الجديد لن يزيد الضرر لنا أصحاب الأرض الأصليين، فالضرر واقع ومن غير الممكن زيادته. ولكن هذا القانون يكشف عن العنصرية المعادية للعرب التي لم تعد تحاول أن تتستر، ولم تعد تحاول أن تناور، ولم تعد تحاول أن تلبس “القناع الديمقراطي”.
لذلك فإن الصحيفة العبرية اللبرالية المحترمة “هآرتس” أنشأت يوم الجمعة(20/7/2007) افتتاحية جريئة تحت عنوان “دولة يهودية وعنصرية” كما نشرت كاريكاتوراً صارخاً يجمع بين القبضة على خلفية نجمة داوود، شعار حركة كهانا العنصرية وبين شعار الكيرن كييمت لإسرائيل.
الصحيفة تقول للدولة، للمؤسسة، للمجتمع الإسرائيلي، لا تريدون أن يسمينا مجتمع الأمم دولة عنصرية، وتريدون في الوقت نفسه ممارسة العنصرية بشكل فظ ووقح ومكشوف.
لو كان الفلسطينيون، شعباً ومؤسسات، والعرب عموماً قادرين على مخاطبة العالم لكان عليهم أن يفضحوا هذا القانون العنصري المكشوف ويُطلعوا الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان بالأبعاد الصارخة لهذا القانون . ولكن “الدولة الفلسطينية على الطريق” والدول العربية جميعاً تتراكض وتتسابق لمغازلة النظام الإسرائيلي ومعانقته.
إبك يا وطني الحبيب!!
الناصرة
salim_jubran@yahoo.com
دولة يهودية وعنصرية
ما هذا الهبل يا استاذ؟
تقول:
“أصحاب الأرض منذ بدء الخليقة”.
هل تسمع ما تقول؟