ترجمة وتحرير : مصطفى إسماعيل
فيما تركيا منشغلة بنقاشات حول عملية الحل السياسي مع حزب العمال الكردستاني, تحدث تطورات مثيرة للاهتمام على حدودنا الجنوبية ( مع سوريا ). فحزب العمال الكردستاني الذي استثمر لمدة طويلة في شمال سوريا قد استولى على مدينة رأس العين ذات الأهمية الاستراتيجية، إلى درجة إعلامه أنه سيعلن الإدارة الذاتية اعتباراً من اليوم ( 19 يوليو / تموز ), من المؤكد أنه حدثٌ ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد, إذ لا يعد حالة يمكن القفز من فوقها. إذ أن مدينة رأس العين المقابلة لمدينة جيلان بينار التركية تعدُّ منذ يوم أمس بيد حزب العمال الكردستاني (ذراعه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ). فالمخفر الحدودي والمعبر الحدودي في يدهم، حتى أنهم رفعوا بعد ظهيرة أمس علمهم أيضاً على المعبر, وتفيد المعلومات الواردة أن
حزب الاتحاد الديمقراطي PYD يستعد لمهاجمة البلدات الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية في المنطقة.
خلت الساحة لـحزب العمال الكردستاني..
كانت رأس العين ممراً إلى مدن مثل حلب والرقة, ولهذا يمكن القول أن المعارضة السورية المسلحة قد تلقت بذلك ضربة أيضاً.
أما وقد ترك الجيش السوري الحر مع مصيره وحيداً ومع ضعفه اليومي, فإن الساحة قد خلت لصالح حزب العمال الكردستاني وامتداداته, وينبغي التذكر أيضاً أن المنطقة النفطية الأهم في جوار القامشلي, وتحديداً في تربسبي والرميلان هي الآن تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي.
حقيقة إن الوقائع التي يشهدها الجانب الآخر من الحدود معنا هي جزء من استراتيجية أكبر, فحتى لو فقد الأسد السيطرة, فإن المجموعات المحلية ليست في وضع يمكنها من الاستفادة من الفرصة.
معلوم أن منظومة المجتمع الكردستاني KCK (الإطار السياسي الأشمل الذي يقوده حزب العمال الكردستاني لديها هدف تأسيس دولة كردية في الأجزاء الأربع ( سوريا, العراق, تركيا, إيران). وقد أجرى التنظيم تحضيرات عديدة في الإقليم الذي يسمونه كردستان الغربية (المناطق الكردية السورية). وليس سراً أن القيادي في التنظيم جميل بايك هو الذي قاد تلكم التحضيرات, وقد وصل الأمر إلى حد مغادرته لجبل قنديل وتوجهه إلى سوريا وإجراءه لعدة لقاءات وتفاهمات هناك.
أخيراً وبعد التغييرات في القيادة التي جرت في جبل قنديل تم أيضاً إرسال نور الدين صوفي ( قائد الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ) إلى سوريا للتنسيق بين تنظيمات الحزب.
بقي أن نشير إلى واقعة عبور المجموعات القتالية لحزب العمال الكردستاني المنسحبة من تركيا إلى سوريا, وتمركزها في الأرياف السورية الشمالية.
إذن نحن أمام تأسيس دولة لحزب العمال الكردستاني خطوة.. بخطوة.
قضية أمنية بالنسبة لتركيا..
أولاً, ضروري أن نرى أن الأمر الواقع وتأسيس دولة لحزب العمال الكردستاني في سوريا لا يشبه في العديد من الأوجه تجربة شمال العراق., وفي المقدمة من الجانب الجغرافي, فالحدود الطويلة مع سوريا التي تمتد لـ 900 كم هي مصطنعة. وكما هو الحال في نقطة رأس العين – جيلان بينار فإن هنالك العديد من الأماكن التي لا تفصلنا فيها عن سوريا سوى سكة الحديد والأسلاك الشائكة. فالسلاح الذي يطلق النار في طرف قد يقتل طفلاً جالساً في الحديقة في الطرف الآخر. لذا فإن المنطقة الخاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني تشكل بالنسبة لتركيا قضية أمن أولاً.
والنقطة الأخرى, هي أن تركيا كانت ترد على الهجمات القادمة من طرف إقليم كردستان العراق من خلال عمليات عسكرية خارج الحدود, لكن لا يمكن أن يقال الشيء نفسه في التعامل مع الهجمات من الجانب السوري في حال حدوثها, كذلك لا يمكن اللجوء إلى ملاحقة ساخنة أو هجمات جوية في حال التعرض لهجوم من العمال الكردستاني انطلاقاً من الجانب السوري للحدود.
أيضاً فإن وحدة الأراضي السورية التي كانت تتحدث عنها تركيا منذ البداية وإلى يومنا هذا يتم تبديدها, وهذا من شأنه تخريب جهود عملية الحل السياسي التي اعتمدتها تركيا من أجل القضية الكردية في تركيا. فالأمر الواقع الذي يحققه حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وشمال سوريا سيفتح شهية حزب العمال الكردستاني إلى تحقيق شيء مماثل في تركيا أيضاً.
تقويض عملية الحوار..
إذن, ماذا ستفعل تركيا؟
اللوحة ليست مشرقة جداً, قبل سنة تماماً قال وزير الخارجية أحمد داود أوغلو مجيباً على هذا السؤال كالتالي: “لن نتسامح مع الأمر الواقع في شمال سوريا”.
كانت تركيا تجري حواراً مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD, ليتها كانت وضعت مسافة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والأسد.
لكن التطور الأخير قد قوّض عملية الحوار أيضاً, هنالك زحمة سير على جدول أعمال أنقرة السوري, لكن رغم ذلك لا الخارجية ولا هيئة الأركان يفتحان يديهما مبكراً, ولا يفصحان عن خطتهما.
لكن الشيء المؤكد أن تركيا وحين الضرورة يمكنها نقل الموضوع إلى الساحة الدولية, وعدم التفرج على إقامة دولة لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
• المصدر : صحيفة بوغون Bugün التركية.