في إطار السجال حول مسألة تغيير العقيدة في المجتمع المصري ساد نوع من الخلط بشأن مفهوم الدولة ووظائفها، إلي الحد الذي جعل البعض يعتقد بأن الدولة-صاحبة ولاية أخلاقية- على المواطنين، تتصرف بوصفها الأبيين أبناء قصر.هذه نظرة محدودة وملتبسة، وتشكل أس الداء فيما يثار من نقاش.
هناك الكثير يمكن أن يقال عن مفهوم الدولة ولكن هذا يهم في الأساس طلاب العلوم السياسة.ولكن ما يهمنا هنا هو الانتهاء إلي سؤال أساسي:هل الدولة كيان قانوني أم أخلاقي؟خلاصة الجدل حول هذه المسألة يشير إلي أن الدولة كيان قانوني، أنشأه الأفراد من أجل توفير الشعور بالأمان، والاحتكام إلي القانون، وضبط العلاقات الاجتماعية فيما بينهم.من هنا ليس للدولة سلطان على ضمير الأفراد أو معتقداتهم، هي فقط تقنن هذا الوضع، وتعطيه صفة قانونية.هي دولة الحاضر وليست دولة الماضي أو المستقبل، بمعني أنها تسجل وتقنن الحالة الدينية للمواطن في اللحظة الراهنة، لا يعنيها ما كان علىه في الماضي، كما لا تشغل نفسها بالتفكير فيما سيكون علىه ضمير المواطن في المستقبل.
من هنا فإن الدولة ليست كيانا أخلاقيا يتعلق بهداية المواطنين، أو يهتم بصحة أو فساد معتقدات الأفراد، ولكنها جملة من المؤسسات القانونية تنظم حياة المواطنين على النحو الذي يريدونه لا ولاية على ضمائرهم ومعتقداتهم.وإذا كان الدستور ينص على حرية الرأي والاعتقاد في المادة (46) منه، فإنه بذلك ينحاز إلي مفهوم الدولة القانونية، التي لا تعرف تمييزا بين المواطنين. المشكلة أن هناك من يريد أن يحول مفهوم الدولة ذاته، ويجعلها تمارس المصادرة على ضمائر الأفراد ومعتقداتهم، وهو ما يخل بحيادها القانوني. هؤلاء هم كثر. هناك من يطالب بمصادرة الأعمال الأدبية والإبداعية التي لا تتفق معه، وآخرون يزجون بالدولة في مسألة تغيير العقيدة وفريق ثالث يدفع الدولة لمواجهة الإبداع الفني….الخ.
هؤلاء جميعا تحركهم رغبة أو اعتقاد بأن الدولة كيان أخلاقي له الولاية على معتقدات الأفراد، وضميرهم الثقافي والإبداعي، ونظرتهم لأنفسهم.أو يريدون أن يحولوا الدولة عن وظيفتها الأصلية إلي لعب هذا الدور، لتصبح-لاحقا-طرفا في نزاعات سياسية أو طائفية. الذين يتحدثون عن الردة وهم كثيرون هذه الأيام، يتحدثون عن تصورات دينية، غير واردة في نص دستوري أو قانوني، ولم تكن مثارة إبان الجدل على التعديلات الدستورية الأخيرة. يفعلون ذلك في إطار تصور أوسع في التحول إلي دولة دينية أكثر من كونها دولة مدنية.فالموضوع ليس على هذا الاتساع حتى يحتل جانبا من النقاش العام على هذا النحو، والحدث حوله ديني أكثر منه قانوني فهل مطلوب من الدولة أن تنفذ الدين أم القانون؟أم الغرض أن يتحول الدين إلى قانون؟
الملفت أن الأحاديث السيارة حول قضايا حساسة مثل هذه تحولت إلي مساجلات دينية، غاب عنها القانون، وأكثر من ذلك بات هناك من يصور الدولة على أنها كائن ضعيف ينصاع أمام قوى البغي في الداخل والخارج، وغاب عن القارئ المساجلات في الصحف اليومية والأحاديث النارية في الفضائيات ومواقع الإنترنت، القانون ماذا يقول؟ وما هي سوابق القضاء؟