وجدي ضاهر – الشفاف – بيروت “خاص”
اما وقد انتهى امر تشكيل الحكومة اللبنانية فلا بد من التوقف عند محطات الساعة الاخيرة التي سبقت الولادة العسيرة.
ففي المعلومات ان امين عام حزب الله حسن نصرالله استدعى اركان المعارضة على عجل، بعد ان وصل الايعاز بضرورة تسهيل تشكيل الحكومة، لابلاغهم النبأ. فحضر رئيس المجلس النيابي نبيه بري والعماد عون وصهره جبران باسيل والنائب سليمان فرنجية.
واشارت المعلومات الى ان ابرز اهداف الاجتماع كان مصالحة العماد عون مع النائب فرنجية بعد ان استشاط النائب الشاب غيظا من تقلبات عون الذي حمّـله موافقته على الصيغة الحكومية لينقضها ثلاثا قبل صياح الديك.
وتشير المعلومات الى ان الامر تطلب تدخلا سوريا مباشرا بعد ان اشكل الامر على العماد واعتقد لوهلة انه قادر على تعطيل الحكومة لارضاء رغباته وتحقيق مطالبه في معزل عن المصالح الاقليمية للحلفاء وفي مقدمهم حزب الله وحركة “امل” القريبة من سوريا. فتم استدعاء الوزير جبران باسيل الى دمشق بإسم واجب عزاء المستشارة بثينة شعبان علماً ان عائلتي باسيل البترونية وشعبان السورية لا يرتبطان بنسب ولا بمصاهرة ولا بأي نوع من القرابة.
سوريا التي استعجلت التشكيل بعد طول تعطيل كانت الرابح الاكبر، واثبتت مرة جديدة انها اللاعب الابرز على الساحة اللبنانية وان تأثيرها ما زال اكبر من التأثير الايراني على الرغم من الوجود المسلح لحليف ايران الرئيسي حزب الله.
فمع اقتراب الزيارة السورية الى باريس اصبح تشكيل الحكومة ضرورة سورية. ونتيجة للتباين في وجهات النظر بين ايران وسوريا، اصيب حلفاء الطرفين في لبنان بحال من الضياع. ولكن الوقائع الميدانية اشارت الى ان الفعل السوري كان اكبر من الايراني. ويقول مراقبون سياسيون ان سوريا جارت ايران في التعطيل الى الحد الذي اصبحت معه مصالحها مهددة في علاقاتها المستجدة مع الغرب، فاستعجلت التشكيل في معزل عن المصلحة الايرانية ومارست ما تستطيعه من ضغوط على الحلفاء، ما اسفر خلافا بين فرنجية وعون الذي يخضع لتأثير حزب الله وكان مستمرا في تعطيل التشكيلة الحكومة الى حين وصول الايعاز السوري.
حزب الكتائب بدوره لم يكن افضل حالاً. فبعد ان حصل الرئيس الحريري على وعد كتائبي بعدم الوقوف حجر عثرة امام تشكيل الحكومة، ونتيجة للتوازنات الدقيقة التي حكمت عملية التشكيل، تم إسناد حقيبة وزارية اعتبرها الحزب هامشية، فجاءت ردة فعل الحزب مفاجئة في حجمها، ما استدعى زيارة قام بها الرئيس الحريري الى بيت الكتائب للوقوف على خاطر الكتائبيين وان يرافقه الوزير الكتائبي سليم الصايغ الى القصر الرئاسي من اجل الصورة التذكارية. فجاءه الرد مزدوجاً. الأول، على شكل اعتراض عالي النبرة من النائب سامي الجميل ما حمل “عقال” الحزب على إزاحته من الطريق وتنحيته الى غرفة جانبية. والثاني من الرئيس امين الجميل الذي ابلغ الحريري ان المكتب السياسي في حال انعقاد دائم لاتخاذ القرار المناسب بشأن التحاق الوزير الصايغ بالركب الحكومي وان على الحريري ان ينتظر قرار المجلس. فغادر الحريري على مضض بيت الكتائب، وكلف النائب عقاب صقر بمتابعة الحوار مع الكتائب للخروج من المأزق.
سامي الجميّل كان يبحث عن “ذريعة” للإنسحاب من 14 آذار
المكتب السياسي الكتائبي حمّـل النائب صقر لائحة مطالب وتعيينات من اجل الايعاز للصايغ بالمشاركة في الحكومة. فما كان من الحريري، الذي خضع طوال فترة التشكيل لاصناف واشكال مختلفة من الابتزاز، إلا ان صرف النظر عن اللائحة معتبرا انها سابقة لأوانها. فجاء الرد الكتائبي مشاركة في الحكومة وانسحاباً من قوى الرابع عشر من آذار من دون ان يقنع جمهوره ولا اللبنانيين بالسبب الذي دفعه للانسحاب والرابط بين الموقف الكتائبي من الحكومة والامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار.
مراقبون اعتبروا ان النائب سامي الجميل كان ينتظر اي ذريعة من اي نوع لكي يعلن “استقلالية” حزب الكتائب والتغريد خارج سرب قوى الرابع عشر من آذار وانه اغتنم فرصة ما اعتبره إجحافا في حق الكتائب ليعلن انسحاب الحزب.
القوات اللبنانية اعتبرت ان الحكومة الحالية تخلو من السياسيين وهي حكومة يغلب عليها طابع التكنوقراط، واعتبرت ايضا ان مواجهة المشاريع الايرانية السورية تقع على عاتقها منفردة في ضوء المسؤولية الوطنية التي القيت على كتف حليفها الرئيسي الرئيس الحريري وانسحاب الحليف الثاني وليد جنبلاط من المواجهة الى المقلب الثاني.
وتقول مصادر في “القوات اللبنانية” لـ”الشفاف” ان الوزير بطرس حرب هو السياسي المخضرم الوحيد في هذه الحكومة، وان الحكومة تضم في صفوفها “ودائع سورية” لدى سائر القوى التي تمثلت في الحكومة، وان بعض هذه الودائع مستتر جوازا والبعض الآخر فاقع في لونه.
“دولة القدّور” في الضاحية!
حزب الله كان يغرد في سرب آخر انطلاقا من ازمته الداخلية والتي لخصها امينه العام بالفساد على المستويات كافة. وهو، لشدة استيائه، طلب من الرئيس الحريري عدم توزير اي مسؤول حزبي وطرح اسماء للتوزير من غير المنضوين في صفوف الحزب. ولما بلغ الامر الجهات الاميركية والاسرائيلية خرجت تصريحات علنية تطالب بان لا يكون حزب الله ممثلا في الحكومة الحالية. فما كان من امين عام حزب الله الا ان تراجع عن موقفه خشية ان يفسّـر موقفه على انه تلبية لرغبات اميركية اسرائيلية، واختار وزيرين لتمثيل الحزب احدهما من البقاع بعد ان تفاقمت في صفوفه حالة التذمر البقاعية لجهة التمييز الذي يمارسه في توزيع المناصب والاموال بين البقاع والجنوب في اختلال واضح لصالح العناصر الجنوبيين.
وفي سياق متصل بحملة امين عام حزب الله على الفساد الذي استشرى في الضاحية الجنوبية وفي اوساط “المقاومين الشرفاء”، فقد لخص مراقبون الوضع في الضاحية بما جاء على لافتة رفعت فوق إحدى مدارس الضاحية وكتب عليها “يا اشرف الناس يا اطهر الناس يا افضل الناس ….. لمَ لا تكونوا انظف الناس وتتوقّفوا عن رمي النفايات على باب المدرسة؟”
وتشير المعلومات في هذا السياق الى ان زوجة نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم تم انزالها من سيارتها وسرقة السيارة في ضاحية بيروت الجنوبية حيث المجتمع المقاوم. وكذلك نجل النائب عن الحزب حسين الحاج حسن سُرقت سيارته هو الآخر, وان المخدرات تفشت بيعا وتعاطٍ بما فاق قدرة “السيد” على استيعاب الحجم الذي وصلت اليه. وهو لجأ الى الدولة اللبنانية لكي تزيح عن كاهله التصدي لهؤلاء بعد ان رفع عنهم الغطاء السياسي تحت ستار “النظام من الايمان”، فدخلت قوى الامن الى الضاحية وهي باشرت عملها في تنظيم السير وازالة بعض مظاهر الفوضى التي عممها الحزب على حساب الدولة.
مراقبون اعتبروا ان حزب الله مهما تعاظمت قوته لا يستطيع ان يواجه شعبه في الضاحية ولو كان من بينهم سارقون وباعة المخدرات والذين يتعاطونها. ويشيرون الى الطبيعة الجيوسياسية للضاحية حيث تتقاسمها عشائر بقاعية ومهجّرون من الجنوب، ولأن الحزب اختبر مرة التصدي لابناء عشيرة آل جعفر من المقيمين في محلة بئر العبد، فغلب عند هؤلاء الانتماء للعشيرة على الانتماء الحزبي وخرج من بينهم قرابة اربعمئة مسلح يطلقون النار في الهواء متوعدين ومهددين كل من يقترب منهم فلم يستطع عناصر امن الحزب الذين يطلق عليهم تسمية “الانضباط” كبح جماح او قمع المسلحين.
ويقول المراقبون انه اسهل بكثير على الحزب الالهي ان يلعب دور الوسيط في مواجهة بين الدولة والخارجين على القانون من هؤلاء من ان يتصدر المواجهة معهم.
ولهذه الامور مجتمعة قرر الامين لحزب الله ان يستنجد بالقوى الامنية اللبنانية بدلا من عناصر “انضباطه” لضبط الامن في الضاحية الجنوبية.
“دولة القدّور” في الضاحية والإيعاز السوري الذي فرض تشكيل الحكومة على عون وجماعة إيراندائماً الأمن مشكلة فلا تنظيم أو حزب يستطيع أن ينوب مكان الدولة في حفظ الأمن مهما كبرت و تعاظمت قدرةالأحزاب للعب الدور مكان الدولة، فالدولة هي القانون التي تحمي المواطن بمؤسساتها الشرعية. أما الفوضى المستشرية في الضاحية الجنوبية من سرقة سيارات و تجارة المخدرات والتعدي على حقوق الناس وهناك آفة خطيرة جداً و هي أماكن للدعارة التي تحصل بإسم الدين بشعار “المتعة”كلها كانت نتيجة التعبئة النفسية التي زجوها في عقول الناس ضد الدولة بعد حرب تموز فأصبح المجتمع هناك تدار شوؤنه الحياتية بواسطة التكليف الشرعي وكل تكليف… قراءة المزيد ..