من المدهشات في بلادنا، والغرائب عندنا كثير، أن تجد مذيعاً في إذاعة مصرية، يطرح فكراً هو بالمرة ضد الدولة القائمة، وضد مجتمعها، وضد كل النظام العام للمجتمع. والمذيع المقصود هو الدكتور فوزي خليل الذي يُعرف نفسه فيما يكتب وينشر بأنه “من كبار مذيعي إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة”، وبجوار هذا التعريف تعريفاً آخر يقول إنه حاصل على درجة دكتوراه في العلوم السياسية.
تعالوا نقرأ معاً عملاً كتبه كباحث يحمل درجة الدكتوراه فــي العـلـــوم السيـاسيــة بعــنـــوان:
“الإجتهـاد السياسـي، تقاطعـات المدنـي والفقهــي
http://islamonline.net/arabic/mafaheem/index.shtml
يقدم لنا رأي الشريعة في عملية صنع القرار السياسي “فيكون المطلوب شرعياً هو: الاجتهاد في الحياة العامة لجلب المصلحة ودفع المفسدة، وفق شروط وضعتها الشريعة، وأوصافاً بعينها لابد أن تتوفر في القائم بصنع القرار الشرعي الجالب للمصلحة والدافع للمفسدة”.
كيف يمكن قبول مثل هذا القول من رجل يحمل دكتوراه العلوم السياسية في القرن الواحد والعشرين الميلادي؟ إن الرجل لم يقم بتفعيل أياً مما تعلم سنين دراسته كلها بالمطلق وهو يعرفنا برأي الشريعة في عملية صنع القرار السياسي، فلا شئ فيما قال يشير بالمرة إلى سياسة بما هو مفهوم عنها. الرجل يعيش القرن السابع الميلادي وربما حتى العاشر أو الحادي عشر على الأكثر، فيعطينا الدرس لنتعلم كيف نصدر قرارنا السياسي وفق منظومة الشريعة الإسلامية مشروطاً بشروط تتوفر في متخذي القرار، الرجل لا يرى ما حوله بالمرة مثل كل رفاقه من المشتغلين علينا بالدين، فيتوهم أن للدولة ان تتخذ قراراتها السياسية محلياً وفق شريعتها، غير عابئ بما حدث حوله من متغيرات عالمية جعلت اتخاذ أى قرار سيكون له تأثيره على بقية العالم، فى زمن لم يعد القرار السياسي يتخذ محلياً وفق شريعة محلية بشروط تتوفر في صانع القرار، لأن صانع القرار الإيراني يعجز عن إصدار قرار علنى واضح وصريح بتصنيعه السلاح النووي، والدكتور فوزي خليل وكل جماعته يعجزون عن إعادة مبادئ الشريعة للعمل بها، لأنه وكلهم معه يعجزون عجزاً فاضحاً أمام العالمين من تطبيق وفرض الجزية على غير المسلمين في بلادهم، وعجز آل الشيخ الوهابية في السعودية عن التصدىللقرار الأممى المطلوب دولياً بمنع الرقيق حوالي عام 1963 ميلادية. وعجزت حكومة السودان عن تطبيق حدود الشريعة على مجتمعها، ولم تطبق من الإسلام سوى مظاهر شكلية كالحجاب والنقاب وإطالة اللحي وتمزيق الوطن . وحماس الفرع الفلسطيني للإخوان ظلوا يطلبون السلطة لتطبيق شرع الله، وها هي حماس حتى اليوم تعجز عن تطبيق الشريعة، التي زعموا أنهم إنما يريدون الحكم من أجل تطبيقها. ويعجزون جميعاً عن إعادة التسرى بالجواري بيعاً وشراء وإقامة قصور الحريم.
ودول العالم الإسلامي بحكم انتمائها لعالمها وأممه المتحدة وقوانينه، تعجز جميعاً من شرقها إلى غربها عن إعلان إقرار فقه الجهاد الإسلامي كقانون حرب تعمل بموجبه قواتها المسلحة. حتى أصبح (فقه الجهاد والقتل على الظنة، وحروب الإبادة الصفرية ضد الشعوب والقبائل الأخرى وعدد السبايا وطرق قسمتهن بين المؤمنين، وكذلك فقه العبودية برمته من بابه الأول إلى أخر صفحة في بابه الأخير بين دفتي القرآن وكتب السير والأخبار والطبقات والصحاح وكل علوم الدين). أصبح كل هذا من قبيل الروايات التاريخية لزمن ردىء، ولم يعد بإمكان أي دولة إسلامية أن تصرح به أو تبوح به خارج مدارس التعليم الإسلامي، ربما نجدة في خطبة عصماء في هذه القناة الخاصة الغير محسوبة على أي حكومة، أو في ذلك المسجد، هذا علماً ان فقه الجهاد كان الفريضة العظمى وكان أعظم مجلب لأعظم مصلحة للحاكمين بالشريعة ، كما يريد خليل، حيث كان يزود خزائن الدولة بالمال والقصور والنساء والعبيد. إن الدكتور فوزي وحكوماته ووزاراته وشعبه مرغمين جميعاً على القبول بالشرعية الدولية بالقوة الجبرية، وخرج المسلمون على شريعتهم بالإكراة علناً وخضعوا للشرعية الدولية رسمياً، والشرعية الدولية هي شرائع لا شأن لنا بها، ولم نتقدم للمساهمة فيها ولومرة واحدة بمادة من مواد شريعتنا الإسلامية لعدم صلاحيتها لزماننا، وأن من وضع الشرعية الدولية هم غير المسلمين من أمريكا لإنجلترا لفرنسا للصين لروسيا. وجاء قرار هؤلاء السياسي التشريعي ملزما للعالم أجمع، ولا علاقة له بالمنظور الإسلامي الذي يحدثنا عنه أستاذ العلوم السياسية.
وحتى نصدق الدكتور ونستمر في قراءة ما يطرحه علينا، كان عليه أن يشعرنا أن لاستهلاك الوقت في قراءة أمثالة فائدة ومصلحة، بأن يشير لنا مثلا إلى عدد مرات رفضنا لقرارات الأمم المتحدة وتنفيذ هذا الرفض وما ترتب على هذا الرفض. ومنذ أغلقنا مضيق العقبة/ تيران بوجه السفن الإسرائيلية وهذا حالنا من سيئ إلى أسوأ حتى اليوم.
وقبلها عندما رفضنا قرار التقسيم الدولي لفلسطين فكانت النتيجة هزيمة مروعة لكل الدول العربية وضياع أراض عربية ضعف ما كان مقرراً في التقسيم الدولي.
حتى نستوعب ونعلم بقدرتنا على إتخاذ القرار السياسي وفق شريعتنا، هل بالإمكان أن تقوم دول العالم الإسلامي برفض قرارات الأمم المتحدة بقيام إسرائيل في قلب العالم العربي الإسلامي؟ هل بالإمكان رفض الدولة العلمانية التركية وإصدار القرار بتكفيرها، وهي تردد كل يوم أن لا علاقة لها كدولة بدين الإسلام لأنها دولة علمانية، رغم أنها كانت أخر معقل للخلافة الإسلامية منذ بضع عشرات من السنين.
إن الدكتور خليل ورفاقه يكذبون على شعبنا، ويغشون المسلمين بتقديم ما يوعز بأننا أهل قدرة، وأصحاب منعة، لدرجة أن بإمكاننا العودة بالبلاد إلى زمن العبودية والظلمات، ولا يبقى من ترداد تلك الأقوال سوى ترك أثرها الجارح في النفس الإسلامية وإشعار الشعوب الإسلامية بالدونية بين الأمم، ومع التأجيج المستمر فى إعلامنا لمشاعر العداء الإسلامي لغير المسلمين، لا يبقى للنفس كي تطمئن سوى أن تقتل وتُقتل، لا يبقى بيدنا سوى الإرهاب سلاح الضعيف والمشلول القدرات.
إنهم يغشون شعبنا وهم يتحدثون عن وهم اسمه دولة دينية إسلامية سننتصر بها ونسود العالمين، ويستخرجون لها الأدوات والقرارات والشروط، بينما تاريخ الإسلام كله لم يعرف شيئاً اسمه الدولة الدينية أو الإسلامية سوى زمن الرسول وحده، وكانت في ذلك الوقت عبارة عن تجمع قبلي يدين بالولاء لسيد واحد من قبيلة بعينها أصبحت فيما بعد هي السيد المطلق، ولم تكن بالمرة دولة بالمعنى العلمي السياسى المفهوم، حتى أن اسم الدولة أو الحكومة بما نفهمه منه اليوم، غاب بالمرة وبالمطلق عن كل التاريخ الإسلامي منذ جاء جبريل بإقرأ وحتى اليوم. لأن رب الإسلام لوكان يريد دولة لدينه، لخلق لها الجماعة التي تضع ذلك وتدرسه وتطبقه وتضع له مواصفاته وشروطه ومؤسساته التي تشرف على تنفيذه وتحميه، وهو كله الكلام الذي لم يكن معلوماً زمن الصحابة ولزمن بعيد بعده، حتى ظهور ابن تيمية وسياسته الشرعية وإبن القيم وأعلام الموقعين وحسن البنا والإسلام هو الحل. لوأردها الله دولة إسلامية لخلق هؤلاء زمن الدعوة ليجلسوا حول الرسول ويشيرون عليه بما يقولونه لنا اليوم، ويعظونه به كما يعظوننا ولقامت الدولة مواكبة لقيام الدين، ولكانت قد جعلت العالم كله ديار إسلام منذ قرون مضت، وكان الله قادراً ان يخلق الدكتور فوزي خليل زمن الدعوة مع فريق من الإخوان والأزاهرة ليعلموا النبى و الصحابة معنى الدولة وشروطها، بدلاً من أن يظل الإسلام والنبى والصحابة غير عارفين بها ولا بطريقة اتخاذ القرار السياسي حسب الشريعة، ويظل إسلامنا طوال تلك القرون ينتظر الدكتور فوزي خليل ليكتشف الدولة وشروطها في الشريعة الإسلامية، لكن بعد أكثر من أربعة عشر قرناً. ولكان وجود فلاسفة الدولة الإسلامية مع نظريتهم في المساواة والعدل والحريات والحقوق زمن النبي، كفيلاً بقيام هذه الدولة المتحصنة بالشريعة ولما ظهر في تاريخنا الحجاج بن يوسف الثقفي، ولا يزيد بن معاوية، ولا هتك المسلمون أعراض بنات مدينة رسول الله، ولما أبادوا آل بيت الرسول، ولما حدثت الفتنة الكبرى لأنها كانت ستكون دولة حاكمة ذات مرجعية قانونية واحدة للجميع, تطبق على الجميع ، لا أن يدعى كل فريق أنه الإسلام الصحيح ليقتل بصجيحة الفريق الأخرفى حروب إبادة صفرية.
الدكتور خليل بموضوعه هذا يعلن أنه في موقف المعارضة، والمعارضة الإسلامية والمتششددة تحديداً، ولكن بما أنه موظف في جهاز حكومي وإداري كبير، فإنه لا يذهب لإظهار دوافعه الحقيقية من أجل استيلاء جماعته ومن هم مثله على السلطة، إنما هو يقدم دافع ظاهرى هو مصلحة الناس، فيقدم للناس “جلب المصلحة ودفع المفسدة”، يقدم لهم صالحهم كهدف أساسي يسعى إليه وكواجهة يختبئ وراءها بمشروعه الحقيقي، وقد تمرس هذا التيار الإسلامي بفن التخفي والتنكربمئات الأقنغة، وبإشراك الناس نظرياً في مشروعه، فيقدمون للناس حلولاً يبدوالناس مشاركين فيها وطرف من أطرافها، وعبر شعار هو الإسلام هو الحل، يمكن تقسيم المصلحة والمفسدة، فيستفيد أهل الدين كراسي الحكم، ويستفيد الناس حل مشاكلهم، مصحوباً ذلك الحل بالرضى الإلهي مما يعني أنه مضمون النجاح مئة بالمائة. وإن لم يتم حل المشاكل ولوواحد بالمائة، فيكفيهم الله خير ضامن لأجرهم في الآخرة.
والحكاية كلها وهم في وهم فلا الله أعلن عن ضمانه هذا المشروع للناس، ولا هو أعطى توكيلا للإخوان نيابة عنه في الأرض، ولا توجد مشاركة حقيقية للناس، ومن ثم لن يبقى من كل ما قيل سوى زيادة المفسدة والمزيد من ضياع المصلحة.
والناس أو المسلمين عند هؤلاء هم فقط أعضاء جماعة الأخوان المسلمين وفروعها على مختلف التسمبات ، وإن أراد المسلم مكاسب حقيقية ملموسة واقعية عينيه، أن يلتحق بعصابتهم للمشاركة في الثورة على الظلم الحكومي القائم، والتمرد عليه لاستعادة عدلنا الإسلامي المفقود. ويتم ذلك بالتشويه الإعلامي المستمر لسمعة الحكومة بحسبانها أُس كل فساد، بل وأنها النموذج لأسوأ فساد ممكن، لأنه نوع خاص من الفساد، إنه النوع الذى أدى إلى سوء علاقة الرب برعيتة، وأبرز الأدلة على ذلك هو امتناع السماء عن الاستجابة لدعاء الرعية على الحكومة، لأنه كان يكفي في أصل الشريعة أن ندعوا عليها دعوة رجل واحد بدعاء المظلومين، آناء الليل وأطراف النهار لتسقط شذراً مدراً، لكننا ندعوونتفنن فى مطاليبنا الدعوية وهي لا تسقط، إذن ثمة خلل في علاقتنا بربنا حتى أنه لم يعد يستجب لدعائنا وبكائنا وتضرعنا إليه، ولا يبقى من حل سوى إزاحة الحكومات الكافرة، هنا سيعلم الله ويفهم أننا قد أصلحنا ما بأنفسنا وقومنا الخلل ومحقنا الكفر، ومن ثم يصالحنا ويستجيب لدعواتنا في تدمير إسرائيل وإزالة أمريكا، عندما نصل بأهل الإسلام إلى السلطة ليطبقوا علينا شرع الله كعلامة خضوع كامل له كخطوة أولى على الطريق الصحيح.
لقد علم المشتغلون علينا بالدين أنه لابد من إشراك الناس في مشروعهم ولووهماً، بجعل الناس أصحاب المصلحة التي سيحلها لهم المتأسلمون عندما يحكموننا عن طريق الرب، وليس عن مشاريع واضحة معلنة تحيطنا علما بها كبديل صالح لما تراه فاسداً، وحتى هذه اللحظة لم نقرأ برنامجاً علمياً واضحاً لحل مشاكل الوطن تقدم به أي فريق من تلك الفرق المتأسلمة.
ولمزيد من التجييش يقدمون الأدلة للمسلمين على كفر الحكومة، بالبنوك الربوية، ووجود الخمارات في البلاد، والصلح مع إسرائيل، والفن الخليع الهابط، وهوما يجعل الحكومة الحالية عائقاً أمام تعاون الرب معنا واستجابته لدعواتنا.
هؤلاء عندما يفعلون ذلك هم صادقون مع تاريخهم، فقد كان تداول السلطة عندأسلافهم يتم بدعاية تقوم بها المعارضة مع دعوة لإشراك الناس في ثورتهم، ثم الإنقلاب من بعدها على الناس. معاوية فعلها مع علي ومع المسلمين من بعد، أبوالعباس السفاح أعلن عدم شرعية الأمويين حسب المواصفات القياسية الإسلامية الشرعية، وإنه إنما قام يطالب بحقوق الله وهي حكم الهاشميين وبني العباس تحديداً من آل البيت، وبهم سيقيم دولة البر والتقوى والعدل والإحسان والدين، فأقام دولة القتل والذبح والطغيان.
إدخال الدين في موضوع الدولة والحكومة، يسوغ لكلٍ فريق أن يرى ما يراه من تفسير لمقصود الشرع، ولإثبات خروج الحكومة على الشرع، وهوما أدى إلى سوء العلاقة بالله، والحل بالعودة للشرع.
كلهم بلا استثناء لا يريدون تغيير الحكومات القائمة لأنها أدت إلى تخلف شعوبها، ولا لأنها أهملت الزراعة، أو لأنها فرطت في حقوق عامة للمواطنين كالمسكن والعلاج والعمل، أو أنها قصرت في حفظ الأمن والمرور وسيادة القانون، أو أنها قصرت فى مواجهة الكوارث، فكل هذا لا يخطر لهم، لأنهم لا يرون الحكم أبعد من كونه نزاعاً على ميراث، ولمن يؤول هذا الميراث؟ نفس النزاع كان هو المؤسس لحكم الراشدين وفتنهم العديدة، كان نزاعاً حول من هو الصاحب الشرعي للميراث، والرعية والأوطان هي التركة. في كل إنقلاب قامت به فرقة للاستيلاء على الحكم لتنزيل الشريعة وصالح الدين والديان، لم تخفض الجباية عن الناس بل ضاعفتها، ولم تقلل من الضرائب بل اعتصرت الناس اعتصاراً، ولم تلغ العبودية بل زادت من عدد العبيد. كان التغيير المطلوب ومازال هو إجابة على السؤال: من يحق له امتلاك الأرضين بما فوقها من رعية؟ بإرضاء رب الدين بتفعيل شريعته، وهي الشريعة التي استخدمها كل الفرقاء لإثبات فساد شريعة و شرعية بقية الفرقاء. فكان أن أصبح كل المسلمين كافرين في نظر كل المسلمين.
يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور فوزى خليل: إن المنفعة العامة (جلب المصلحة ودفع المفسدة) ستكون بالفتوى وبالاجتهاد، ويسميه الاجتهاد السياسي الإسلامي. وهوأمر يركن إلى تعريف للمصلحة العامة قياساً إلي شريعة الله الذي هو أعلم بمصالحنا منا. لا يرى هؤلاء حولهم في الدنيا أن صالح الناس العام لم يعد بيد من يفتي فيه من أهل العلم الدينى والتقوى العارفين بالشريعة، ولا بيد من يريد الاجتهاد ليستنسخ لنا من الشريعة القديمة شريعة قديمة برداء محدث. المصلحة العامة هي التي يحددها الرأي العام، من يحددها هم الناس وليس المشايخ والمفتون والمجتهدون، ذلك كان زمان المماليك وأبوالحجاج الثقفي وليالي هارون الرشيد، ويوم نحس الخليفة الذي يعدم فيه أول من يصادفه من رعيتة، ويوم سعده الذي ينعم فيه على أو ل من يصادفه منهم.
اليوم من يقرر الصالح العام هم الناس، اليوم يصبح هذا الاجتهاد عملا ضد السلام العام للمجتمع المدني المحلي، وضد أمن وسلام المجتمع الدولي. لأن استدعاء ذلك الزمان بما فيه من الجهاد والسبي والفيئ واحتلال العالم لإدخاله في نور الله، كفيل بتهديد الأمن الوطنى والعالمي كله.
لكن لكي يكون الرأي العام معبراً عن الصالح العام لمجتمعه حقاً، فلابد أن يتم ذلك في مناخ من الحرية في التفكير وفي القول وفي الاعتقاد، وفي اعتياد وجود آراء مخالفة يمكن أن تنتصر هي في السجال وتعمم نفسها على الرأي العام لثبوت نجاحها. الشرط الأساسي لرأي عام سليم هو أن يكون المجتمع قد ألف واعتاد التعددية في الرؤى، لأن رأياً واحداً سائداً يشكل عقلاً مجتمعياً كاملاً وفق قواعده وشروطه، حتى يصبح الناس كلهم طبعة واحدة، هو رأي عام مزيف، ملعوب فيه، وفي عقل المجتمع كله، ليصبح ضد نفسه، ويتحول إلى مجرد صدى للفتاوي. في هذه الحال يصبح الرأي العام غير معبر عن الصالح العام، إنما عن صالح فئوي تتحقق فيه الفوائد لرجال الدين وحلفهم، ولو قمنا بعمل قياس للرأي العام في بلادنا ستندهش أن تجده هو رأي رجال الدين الإسلامي بالتمام في كل شئ وفي كل شأن. وهورأي صنعه لدى الناس رجل الدين وليس الدين، بعدما أصبح رجل الدين رقيباً على الرأي والفكرة، رقيباً على الآراء الأخرى حتى لا توجد بالمرة ولا يبقى في السوق سوى رأي واحد للجميع ويسلك الجميع ذات السلوك فيصبحون مجرد حشرات.
رجل الدين الذي يبحث عن المصلحة ويدفع المفسدة يراقب المصنفات والمطبوعات، يهرع وراء كل مخالف في أي شأن بتهمة التكفير فلا يبقى حراً في المجتمع سوى رجال الدين كالعرب السادة القدماء، لهم وحدهم الحق في القول في كل شئ والتدخل في كل علم وفن بالفتوى والتفسير، ولهم كل وسائل التعليم والإعلام وتوجيه الرأي العام، حتى تم استئناس الرأي العام وتدجينه في حظيرة العباد الصالحين، هو النجاح الذي لابد أن نعترف به لتيار الدكتور فوزي، بتحالف تحتي تمكنوا فيه من الاستيلاء على أجهزة توجيه الرأي العام في الدولة هم وحدهم ودون أي رأي آخر غير رأيهم. إن الاجتهاد الذي يطلبه الدكتور فوزي لا يعبر عن الصالح العام ولا الرأي العام، فهورأي لا يقدمه المجتمع ولا يصنعة، بل هو رأى فئة وطائفة اختارت نفسها لمهمة الشياخة والفتوى، ومن ثم هيئوا الواقع كله ليبصم على قراراتهم وفتاواهم وهومغمض العينين، فأصبح رأيهم الخاص رأياً عاماً، بينما هو رأي خاص لجماعة خاصة، لتحقيق مصلحة خاصة، لهذه الجماعة بخاصة، وما أبعد ذلك عن الصالح العام للوطن والمواطنبن.
elqemany@yahoo.com
* القاهرة
يتلقى الكاتب المكالمات التليفونية من الخامسة مساء إلى السابعة مساء بتوقيت القاهرة على تليفون رقم 0020189914505 عدا يومي الخميس والجمعة
دولة الحداثة الفقهية (1 من 2)
سيدي الكريم تشدني كل كلمه تكتبها لك علي حق الشكر فقد كنت من وجه عقلي بالاتجاه الصحيح والبحث والتقصي عن تاريخنا لأكتشف كم كنت مخدوعا … تحية لك من القلب