إسم الكتاب: دور المسلمين في تشكيل المجنمع الهندي
إسم المؤلف: تي. كيه. حسين
لغةالكتاب: ملايالام – لغة محلية في الهند
عدد الصفحات:400، سنة النشر: 2018
الناشر: دارالنشرالإسلامي،كوزيكود،كيرالا،الهند
الهند فردوس المسلمين المفقود مثل الأندلس، كما وصفها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في أحد كتبه.
حكَم الملوك المسلمون المغول جزءا كبيرا من شمال الهند ثلاثة قرون تقريبا (1857 – 1526 ) يتخذون عاصمتهم “آجرا” (1648 – 1598؛1571- 1555؛1540 – 1526 ) و”فتح بور سيكري” (1585 – 1571 ) و”لاهور” (1598 – 1586 ) و”دلهي شاه جهان باد” (1857 – 1648).
وفي عام 1690 كانت مساحتها 1500400000 ميل مربع، وكانت هناك سلطنات غير مغولية في مختلف أنحاء الهند. فمثلا كانت “البنغال” يحكمها الخِلجِيّون التابعون لسلطنة المملوكيين، و”بيجابور” نجد فيها “سلطنة بيجابور”، كما نجد في “حيدر آباد” سلطنة نظام. أما “ميسور” في جنوب الهند فكان يحكمها السلطان حيدر علي وورثه ابنه السلطان تيبو الذي تحالف مع فرنسا ضد الاستعمار البريطاني. حتى في محافظة “كانور” في كيرالا (شمال مليبار آن ذك)، كانت هناك سلطنة صغيرة باسم “اراكال آدي راجا“. كانت رئاسة “بهوبال” خلال عام 1926 – 1819 تحت السلطنة النسوية المعروفة بـ“البيغمات” مثل قُدسِيَة بيغام وسِكندرة جهان بيغام، ومن بين الملكات اسم السلطانة رضية أيضا مشهور.
ومؤسسو هذه السلطنات أو الدويلات وإن كان بعضهم جاؤوا إلى الهند غزاة لم يتحولوا إلى قوى استعمارية ينهبون ثروات هذا البلد وينقلونها إلى بلدهم الأصلي، ولم يرجعوا إلى بلدهم بعد بل استقروا في هذا الوطن وعاشوا وماتوا فيه جيلا بعد جيل. وكان من بينهم أيضا دُعاة وتجار. وكلهم ساهموا في بناء حضارة راقية في الهند وآثارها التاريخية لا تزال موجودة هنا بعد قرون مثل “تاج محل” في “آجرا” أحد العجائب السبعة في العالم، و”القلعة الحمراء” و”قطب مينار” في دلهي، و”حدائق المغول” في كشمير، و”قلعة جولجوندا” و”متحف سالارجنغ” في حيدرآباد، و”القصر الخشبي” لتيبو سلطان في “سري رانكا باتانام” وغيرها كثير. هذه هي الميزة التي يتميز بها حكم المسلمين في الهند عن الحكم البريطاني. لم يكن المسلمون أبدا قوة استعمارية خلافا للاستعمار البريطاني الذي قدم الهند أوّلا يلبس قميص تاجر يتمثل في “شركة الهند الشرقية”، ثم بسط قبضته تدريجيا على سدة الحكم. وميزة الإستعمار هي أنه يتصف بطابعه التخريبي، وفي تحليل دقيق عن السلطنات المسلمة في الهند القديمة تتضح لنا أنها كانت خالية من هذا الطابع التدميري، بله نراها كانت بارزة بعبقرية البناء التي أضافت إلى ثراث هذا البلد العريق بإنجازاتها العظيمة المادية منها والروحانية.
إن كان الجيل الأول من المسلمين جاؤوا إلى الهند من الخارج فقوم “آريا” من الهندوس وقوم“درافيدا” أيضا كانوا ممن استوطنوها بعد قدومهم من الخارج. وكلهم أصبحوا فيما بعد أبناء هذه الأرض وظلوا يعيشون فيها متسامحين ومتضامنين بعضهم ببعض. ومن خلال هذا التسامح والتضامن تم تشكيل خريطة دولة الهند وترعرعت قوميتها المشتركة التي يمكن أن تتصف بقوس قزح التعددية. والعنصر الذي يُميز الهند عن كثير من البلدان الأوربية والآسيوية هو وجود هذه الألوان من الشعوب والطوائف المختلفة الراسخة الجذور في هذه التربة وثقافاتهم المتبادلة المتنوعة كما يشير إليه مؤلف كتاب “دور المسلمين في تشكيل المجنمع الهندي” الذي نحن بصدد عرضه.
ويؤكد المؤلف بأن ما حدث في الهند ليس انسجام جميع العقائد والثقافات الوافدة في تيار واحد حتى تتحول إلى عقيدة وثقافة واحدة. إذا لم يكن كذلك فلم يكن يوجد هذا التنوع من الثقافة الذي يتميز به هذه القارة. وفي نفس الوقت، يقول المؤلف، إنه لا يعني أن كل واحد من هؤلاء الأقوام كانوا مغلقين في مقصوراتهم الضيقة الخاصة بهم دون أن يتأثروا بعضهم ببعض. إنها عزلة ثقافية لا تتوافق مع روح التعددية التي تتصف بها الهند.
التعددية ليست هذه العزلة كما أنها ليست الإندماج الخالص في ثقافة واحدة. بل هي تبادل ثقافي وتعايش اجتماعي سلمي مع الضمان ببقاء تنوع هويات الجميع. لذا، يقول المؤلف، إن مسلمي الهند ليسوا نفس الشريحة من المسلمين الذين ينتمون إلى البلدان الأخرى، ولاسيما البلاد العربية رغم التساوي القائم بينهم في العقائد والممارسات الدينية. الأمة الإسلامية في الهند كيان يحتوي خصائص الهند الجغرافية والثقافية. وخصائص المسلم الهندي هذه قد جعلت الحضارة الإسلامية ثرية مثلما جعلت الحضارة الهندية وثقافتها أيضا ثرية. ويقول المؤلف إن التجربة الهندية للإسلام في الحضارة الإسلامية موضوع خارج هذا الكتاب يستحق ان يتناوله في فصل خاص. ليس هذا هو هدف هذا الكتاب، إنما يبحث هذا الكتاب عن موضوع تأثير الإسلام والمسلمين في تشكيل المجتمع الهندي وإساهماتهم في ثقافته التعددية.
ولهذه الدراسة أهمية خاصة في خلفية الدعاية القوية التي تستهدف هدم التعددية آنفة الذكر والمحاولات والمخططات الجارية لتقليص الهند في ثقافة واحدة. وبما أن السلاح الذي بأيدي أصحاب المصالح الذاتية هؤلاء هو التاريخ، فإن سلاح مقاومة هذه المحاولة يجب أن يكون هو أيضا التاريخ نفسه.
ومن هذا المنطلق يقول الكاتب “كيه. تي. حسين” إن قراءة التاريخ “الإثنية” هي التي عتّمت وشوهت دور المسلمين ومشاركتهم في تشكيل المجتمع الهندي في مراحل تاريخ الهند المختلفة. وهذه القراءة التاريخية العنصرية ناتجة من النظام الطبقي الذي لا يزال في الهند حتى الآن. هي قراءة الطبقة العليا التي يقودها وعيهم الاستكباري الطبقي العنصري إلى أنهم هم ورثة هذا البلد الحقيقيين وأن غيرهم يجب أن يكونوا دائما تحت سيادتهم. ومن النتيجة الحتمية لهذه القراءة العنصرية تشكُّل “العدو الآخر“. قرأتْ الكولونولية كما قرأت القومية الهندوسية تاريخ الهند قراءة عنصرية مما ترتبت عليها صناعة “المسلم العدو الآخر“. وتوجد في الكتاب إشارات إلى السياسة الخفية التي عملت وراء هذه القراءة. يقول الكاتب إن المقاومة الصحيحة والعادلة لمقاومة هذه القراءة التاريخية الفاضحة هي الكشف عن دور المسلمين الحقيقي في تشكيل المجتمع الهندي من خلال دراسة تاريخية غير محايدة دون أن تخضع للشعور الإثني ويدّعي أن هذا الكتاب محاولة متواضعة نحو هذا الإتجاه.
ينقسم الكتاب إلى سبعة أقسام.
في القسم الأول يلقي الكاتب الضوء على قدوم المسلمين إلى الهند والتغيرات الناتجة من مداخلاتهم الدينية والسياسية في المجتمع الهندي. ولا نجد فيه التعريف على حكامهم تفصيلا، بل يركز المؤلف على تحليل التغيرات الإيجابية التي أحدثها حكمهم وخاصة دينهم الإسلام في الحياة الاجتماعية والثقافية في هذا البلد مع تعريف حياة هؤلاء الحكام عموما فقط. ويبحث فيه عن مشاكل تأليف التاريخ ومساهمات المسلمين الحضارية ومراحل النهضة الإسلامية في الهند مع تقييم حكم المسلمين بدقة وأمانة.
وفي القسم الثاني يشرح النشاطات الإصلاحية والدعوية والخدمات الاجتماعية والإنسانية الصامتة التي قام بها الدعاة الصوفيون والتي أحدثت تغيرات هائلة في الحياة الاجتماعية في الهند. ويحتوي هذا القسم فصولا عن طابع نشاطات الصوفياء الدعوية وميزتها مع تفصيل حياة كل من “الخواجة معين الدين تشيشتي” و”قطب الدين بختيار كاكي” و”بابا فريد الدين غنج شكر” و”نظام الدين أولياء” الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الثقافة الهندية الشعبية دون أي اختلاف ديني وفرقي.
القسم الثالث هو عن الحركات الإصلاحية ضد الانحرافات العقائدية والخلاعة والميوعة التي طرأت في حياة المسلمين الاجتماعية في العصر الذهبي من حكم المسلمين الذي بلغ من الرقي والازدهار إلى أوجها سياسيا واقتصاديا. ويبحث أيضا في هذا القسم عن النهضة الاجتماعية التي قامت في عهد بدأ فيه السوس يصيب عقيدة البلاط المغولي. ويتناول الكاتب هنا حركة النهضة التي قادها الشيخ أحمد سرهندي ضد “الدين الإلهي“، الدين الجديد الذي تبناه الإمبراطور المغولي أكبر وحاول أن يفرضه على الشعب لمصالحه السياسية الخاصة. كما يتناول “الإصلاحات” التي قام بها الإمبراطور اورنغ زيب تحت تأثير نشاطات الشيخ سرهندي إضافة إلى نشاطات حكيم الهند “شاه ولي الله” الفكرية النهضوية والاجتهادية.
أما القسم الرابع فمحتواه المقاومات المسلحة ضد الاستعمار البريطاني التي برزت في الساحة مستلهمة من النهضة الاجتماعية التي حدثت في عهد افول الحكم المغولي. نقرأ هنا الحروب التي قادها سلطان “ميسور تيبو” في جنوب الهند ضد الاستعمار البريطاني و”حركة المجاهدين المسلحة” ذات الطابع الديني والاجتماعي والسياسي التي قادها أحمد الشهيد و”الحركة الفرائضية ” في “البنغال”، بقيادة “داتو ميان” التي قاومت الإقطاعية والاستعمارية في آن واحد. والحركة المسلحة بقيادة “تيتومير” معاصر داتو ميان، وحركة التمرد التي ظهرت في عام 1857 والتي بدأها الجنود الهنود في الجيش البريطاني ثم اتسعت حلقتها إلى سائر أنحاء البلاد تحت القيادة المشتركة من “لملك الأخير من المغول “بهادور شاه” وملكة جانسي الهندوسية، وهي التي تُعد كأول حركة استقلالية في الهند.
ويلقي القسم الخامس الضوء على النهضة التي تطورت في ساحة التعليم الديني والمادي التي استوعب المسلمون أهميتها إثر هزيمة الحركة الاستقلالية المسلحة الأولى ضد الاستعمار البريطاني في عام 1857. ويبحث فيه عن “حركة عليكرة” التي قادها “سر سيد أحمد خان” والتي تأسست من نتيجتها “جامعة عليكرة الاسلامية” و”حركة ديوباند” التي قام بتأسيسها “الشيخ قاسم نانوتوي” والتي أتت بـ”جامعة ديوباند” إلى حيز الوجود، و”ندوة العلماء” في “لكهنو” التي ساهم في تاسيسها رئيسيا المؤرخ المشهور “شبلي النعماني”.
ونقرأ في القسم السادس تحليلا شاملا دقيقا عن الصحوات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تتمثل في “حركة الخلافة” التي تبنها حزب المؤتمر بقيادة الغاندي تأييدا للخلافة العثمانية ضد بريطانيا، و”حركة جمعية علماء الهند” و”رابطة المسلمين” و”حركة خدائي خدمتكار”، و”حركة خاكسار” و”جماعة التبليغ” و”الجماعة الاسلامية”. والشخصيات المرموقة الذين قادوا هذه الحركات والأحزاب مثل مولانا محمد علي وأخوه شوكت علي والشيخ محمود الحسن الديوباندي ومولانا عبيد الله السندي الذي اعتنق الاسلام تاركا الديانة السيخية ومولانا أبو الكلام آزاد أحد علماء الهند الكبار وأحد قادة حزب المؤتمر والمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ أبو الأعلى المودودي و”محمد علي الجناح”، مؤسس دولة الباكستان، ومولانا الياس وأبو الحسن علي الحسن الندوي صاحب مؤلفات كثيرة باللغة العربية. وهذا الجزء من الكتاب إذا انضم الى الجزء السابق الذي يليه تتكون لدى القارئ صورة واضحة عن الدور العظيم الذي قام به المسلمون في نضال الحركة الاستقلالية.
وفي يأخذ بنا الالقسم السابع والأخير كاتب إلى مرحلة ما بعد استقلال الهند والشخصيات الإسلامية الهامة التي تولّت تووا قيادة المسلمين في تلك الحقبة أمثال الدكتور ذاكر حسين ثالث رؤساء الهند وأبو الليث الإصلاحي أمير الجماعة الإسلامية الأسبق ومحمد إسماعيل رئيس رابطة المسلمين لعموم الهند وخدماتهم الجليلة. وهكذا تتختم هذه الرحلة التاريخية الطويلة الممتعة والمفيدة بمعلومات جمة التي تجعل آفاق نظر القارئ متسعا.
هناك العديد من الدراسات التاريخية عن حضور المسلمين في تاريخ الهند باللغة الانجليزية وغيرها من اللغات. ولكن لهذه الدراسة ميزة خاصة تُستثنى من تلك الدراسات التي ألفها أصحاب باع طويل في تأليف التاريخ. لأن أولائك الكتاب إنما بذلوا جهودهم في إلقاء الضوء على أخبار المسلمين وحكاياتهم الماضية فقط، أما كيف فكّر عباقرة مسلمي الهند القيادية في مراحل تاريخهم المصيرية فهذه الناحية قلما نجدها في مؤلفات كتاّب تاريخ مسلمي الهند المعاصرين. يحاول هذا الكاتب أن يشرح كيف أن القيادة الاسلامية الهندية فكر في مراحل تاريخهم الخاصة عن الأزمات التي واجهواها في الماضي وإلى أي مدى ساعدتهم مساعيهم لتجاوز هذه الأزمات. ولم يستطع هذا الكاتب أن يجد أي كتاب يتناول هذا الموضوع من هذه الناحية ليس في اللغة المالايالامية فحسب بل في أي لغة محلية هندية أخرى بما فيها اللغة الإنجليزية والأردية. والميزة الثانية التي يجدر ذكرها هي مستوى لغة الكاتب الأكادمية الراقية التي تتناول الموضوع وأسلوبه السلس. يستحق المؤلف أن يفتخر بهذا العطاء القيم الذي يندر مثله في المكتبات في هذا الموضوع.
vabdulkabeer@yahoo.com
*فيلا بوراتو عبد الكبير، مستعرب هندي
هل يوجد رابط للكتاب باللغة العربية؟