(مداخلة قدمت إلى مؤتمر جبهة الخلاص الوطني السورية في برلين, وهي تحمل هواجس عن سوريا الديمقراطية, وأعتقد الآن ومن خلال معايشتي الشخصية وما سمعته ولمسته شخصياً خلال المؤتمر أن الكثير من المخاوف لا أساس لها, إن المؤتمر الذي يجمع هذا الخليط الفكري والسياسي والإثني المتعدد على قواسم مشتركة لا بدّ أن نسميه ناجحاً لأن الوطن وهمومه كان الأكبر وكان فوق كل شيء!)
أحييكم وأشكركم على الدعوة لحضور مؤتمركم هذا والذي أتمنى له النجاح!
ما نريد لفت النظر إليه هو: أيّ وطنٌ نبحث عنه؟ أية سوريا نبحث عنها؟ وما هي الطرق المؤدية إلى هذا الوطن!
الانتقال من نظام الحزب الواحد والفساد والقمع إلى التعددية السياسية ودولة القانون, يتطلب حكمة فائقة وحنكة سياسية عالية, ويتطلب قبل كل شيء, خلق الظروف المسرّعة لنجاح وتخطيّ هذه المرحلة بأقلّ الخسائر وبأسرع وقت ممكن!
وطالما أنّ كل فصائل الحركة الوطنية السورية المعارضة متفقة على ضرورة الخلاص من الديكتاتورية, يجب عليها الاتفاق على ما بعد مرحلة الديكتاتورية, اتفاق مبدأي وعام يؤكّد على الالتزام بعدم إلغاء الآخر, لأن هذا الآخر لا يريد إلغاء أحد, وبمعنى آخر ولكوني لا أقبل أن يلغيني أحد عليّ الالتزام بعدم إلغاء أحد.
علينا أولاً أن نتعلم الحوار الديمقراطي وتقبل الرأي الآخر, وإعطاء الحق للآخر ليس فقط في إبداء رأيه بل ربما يكون معه حق وعلى صواب أكثر, وعلى الآخر أن يعطينا الحق نفسه وربما نحن على صواب أكثر. وصواب هذا أو ذاك لا تحدده قوة هذا وضعف ذالك, تحدده الحجج والمنطق واستخدام العقل والتفكير.
علينا فهم أنفسنا وفهم بعضنا, علينا فهم منافسينا وأعداؤنا, وعلينا فهم ومعرفة وطننا, وليس آخراً علينا فهم العالم الذي يحيط بنا.
صراع سلمي للأفكار, علينا الاعتراف أنّ كل واحد مناّ يختلف عن الآخر, ولسنا صورة ونسخة عن القائد وتفكيره ـأي قائد كان ـ
أعتقد أنه من أولى المهمات يجب تحديد الواقع الذي يعيشه الشعب السوري بدون تجميل, وإيلاء الجانب الاقتصادي والمعاشي أهمية كبيرة, كذلك تحديد عناصر قوة وضعف فصائل الحركة الوطنية المعارضة بكل مصداقية.
من المهم أيضاً تحديد الواقع الدولي وانعكاساته على سياسة النظام, وما هي إمكانيات استخدام الحراك الخارجي خدمة لسياسة الحركة الوطنية.
ونعتقد أيضاً أنه من أولى مهمات العمل المشترك أنه يجب تشخيص نقاط الخلاف ونقاط اللقاء بين أطراف فصائل المعارضة بكل صراحة وبكل شجاعة, وأن يتحدث الجميع بلغة واضحة وبدون ألغاز, وهذا ضمانة برأيي كي نسير جميعاً في طريق التغيير وليس بجانبه, ولكنه يجب علينا أن نقوم بتأهيل أنفسنا كمعارضة كي نستطيع التأثير لتأهيل المجتمع للقيام بدوره.
علينا تحديد مجموعة عديدة من خطوط الانكسار(القطيعة) وبدقة كاملة بين النظام والشعب, وفي صفوف الأسرة الحاكمة, وبين النظام والأسرة الحاكمة, بين المعارضة والنظام, بين عمل المعارضة في الداخل والخارج, وبين النظام والعالم ….
إن الموقف من السلطة ـ ديجيتال / رقمي ـ إما واحد أو صفر, أي إما العمل لتغيير النظام أو الدفاع عنه, لا مكان للغزل ولا للتفرج!
وهذا يترابط مع تشخيص حقيقي لواقع سوريا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي … كي لا نقع في إحباطات نتيجة وعود وتطمينات لا تستند إلى أساس واقعي, لأنه لا تكفي الرغبات!
ومن هنا نجد أهمية الصدق والصراحة في التعامل والالتزام بالكلمة, وأهمية وضوح البديل عن النظام الحالي, على المواطن أن يعرف الطريق الذي يخرجه من هذا الفقر والاضطهاد, لأنه في نهاية المطاف هدف التغيير وبناء الديمقراطية هو سعادة للمجتمع ولغالبية أفراده من الناحية الروحية أو المادية.
على الحركة الوطنية السورية أن لا تقوم بممارسة أساليب شبيهة بسياسة النظام, عليها أن تبتكر أساليب جديدة ولغة جديدة, عليها أن تكون واقعية بكل شيء كي لا تكون نتائج التغيير خالية من التغيير وبالتالي يدخل الشعب والوطن في حالة الإحباط واليأس من التغيير!
لتحمينا السماء من أولئك السياسيين أو أشباه السياسيين الذين يعتقدون أنهم رسالة من القدر وأنهم قدرٌ بحدّ ذاته!
العمل السياسي بشكل عام وعمل السياسي الفرد هو مهمة أو وظيفة, ومن يعتقد أنه رسول من القدر وعلى عاتقه تقع مهمة كبيرة مثل بناء سوريا, مثل هذا الشخص خطر وسياسته خطيرة, لأنه يعتبر أي إنسان لا يوافقه الرأي هو عدو وحتى خائن وشيطان, أي أنه يحق له استخدام كل الوسائل ضد منافسيه!
وهذا ما يدعونا كمعارضة وطنية لإقناع بعضنا وإقناع قسم من الشعب بأفضلية هذا البديل, وبعدها نستطيع إقناع العالم, لكن يجب أولاً أن يكون هذا البديل واضحاً ودقيقاً, مثلاً ما هو مصير رموز النظام والعاملين في مؤسسات الدولة وحزب البعث؟ مصير الاتفاقيات الدولية التي وقعّها النظام والالتزامات الأخرى مادية أو غير مادية؟ تحديد المحاسبة السياسية والمحاسبة القانونية للذين يتعاملون مع النظام أو يشكلون صلبه؟ هل يوجد مكان للثأر والتصفية الجسدية والحقد السياسي باسم الديمقراطية….؟.
الشيء الأكيد أن إلحاق الهزيمة بالخصم لا تعني بالتأكيد تحقيق النصر.
أعتقد أن السوريين المقيمين في الخارج وخاصة في دول ديمقراطية كدول أوربا وأمريكا وأستراليا يدركون أهمية التسامح والابتعاد عن ردود الفعل, لأن تجربة البلدان الديمقراطية لا بدّ أن تؤثرّ فينا وفي تفكيرنا وممارساتنا.
على الحركة الوطنية السورية اعتماد الحوار الديمقراطي والنقاش بين الأفكار والحجج للوصول إلى طاولة مستديرة تجمع غالبية التجمعات المعارضة, وعلينا الاقتناع أنه في العمل الديمقراطي من الضروري وجود منافسين وليس أعداء, واعتماد قاعدة الحد الأدنى للعمل السياسي والتعاون, علينا جميعاً تحديد الصفر السوري, الصفر الذي يمكن اعتباره السقف أو القاعدة التي لا يمكن تخطيها!
البعض مازال يناشد النظام لانتهاج سياسة وطنية وإصلاحات وغيرها, أي أنه مازال يعلق آمالاً على غزله للنظام ولا يتجرأ هذا البعض على مغازلة حركات معارضة للنظام, أو ينتقد النظام ويتجاهل رأسه, بعض المعارضة تريد تنظيف الدرج من الأسفل للأعلى!
العمل الوطني ليس ترفاً ولا هواية ولا حكراً على جماعة أو فرد, بل هو رسالة ومهمة, لذا من الضروري توسيع جبهة التغيير الديمقراطي لتشمل تحت مظلتها نقابيين وشخصيات إجتماعية وثقافية وفنية وعلمية محترمة ومعروفة والتركيز على الشباب أكثر.
الاهتمام بالأقليات القومية والدينية وعدم الخوف والتردد من الحديث والحوار معها وعنها.
نحن بحاجة إلى شجاعة للخروج من الوهم والمشجب الإمبريالي الصهيوني بعيداً عن الديماغوجية, والشجاعة في ابتكار مفردات عصرية دون الخوف من تخوين النظام ـ التعاون مع أمريكا وأوربا والحوار مع إسرائيل.
يجب أن تكون سياستنا ونشاطنا ليست مرتبطة بردود فعل النظام, علينا جرّ النظام إلى معارك سياسية حقيقية ليدافع عن نفسه, علينا أخذ المبادرة!
على المعارضة بكل فصائلها وضع شعارات ونشاطات موحدة ومدروسة مثلاً:
شهر أكتوبر يتم فيه تسليط الضوء على الفساد في الدولة(دراسات وأرقام, مقارنات بين فساد هذا المسؤول أو ذاك والأموال التي جناها وإمكانية بناء عدد من المدارس أو المستشفيات أو إيجاد فرص جديدة للعمل …..فيما لو بقيت هذه الأموال ملك للدولة)
شهر نوفمبر عن الشباب مثلاً(واقعهم وظروفهم المادية والنفسية والثقافية, مستقبلهم ودورهم…..)
كانون الثاني عن مؤسسات الدولة(عملها وفسادها وفشلها ونهبها, إدارتها…..)
الوضع الزراعي … النقابات …. المنظمات الشعبية …. رغم هيمنة النظام عليها لكنه يجب العمل على التأثير فيها, أو على الأقل عدم إهمالها ومتابعة واقعها…
المعتقلين السياسيين(عددهم, أحوالهم, سبب الاعتقال, واقع القضاء السوري وفساده ….)
بكلمة مختصرة وضع برنامج(برامج) للاحتكاك بكل قطاعات المجتمع الرئيسية والعمل للتحالف معها قدر الإمكان أو إشعارها بأنها فصائل مهمة تجمعها مع المعارضة هموم وأهداف كثيرة, أي ابتكار أساليب جديدة وذكية قادرة على التأثير بالشارع السوري سواء حالياً أو بعد التغيير المنشود.
لقد تخطى الزمن النظام السوري وأمثاله, ولا يستطيع تطوير نفسه وتخطى الزمن أيضاً الأساطير التي كان القرن العشرين مليئاً بها, أسطورة السياسيين المؤلهين.. ومما لاشك فيه أن الموقف من الأسكورة وممارساتها يعكس البعد أو القرب عن الواقع! ولم تصل أسطورة بشار الأسد إلى مستوى أسطورة والده, استنفذت أسطورته ووعوده البراقة والفرص, لقد استنفذت الأسدية ذخيرتها وهي تحاول تفريغ آخر طلقاتها, استنفذت فرصها وما عادت تملك ثقة بنفسها ولا بالشعب, ولا تملك إمكانية تحسين مصير الشعب والوطن.
لقد عاش نظام حافظ الأسد مشاكل في فترة التأسيس, ويعيش نظام بشار الأسد فترة تأسيس المشاكل.
عندما يتم تكرار الحديث عن شيء ما فإن ذلك لعدم وجوده, وإذا نظرنا إلى صحف النظام وإعلامه لوجدناها مليئة بتعابير النضال والكفاح والحرية والديمقراطية وغيرها, ويكفي استذكار ألقاب الأسد.
علينا استيعاب قضية, وهي أن العمل السياسي ضد النظام بحاجة إلى طول نفس وقد يستمر سنوات غير قليلة!
لذلك على كل واحد منا التزوّد بما يلزم,
فيا ترى كم وجه يملك واحدنا؟ كم شخصية يتقمص؟ كم أنا موجود فينا؟ وما هو في الحقيقة أنا ؟ ظاهر ومستتر, ذاتي شخصي وخارجي شكلي, له حدٌ أدنى وبلا حدود, حديث عصري وبديل للعصري تراثي, أطرح هذه الأسئلة لأن التجمعات تشكلها أفراد وزعماء المعارضة أفراد! لأن البعض يتخوف من تبدل الأنا بعد التغيير!
ويعرف الكثير منا أن صناديق الاقتراع لا تكفي, بل يجب تعلم ممارسة الديمقراطية بشكل فعلي, والديمقراطية ليست فقط أغلبية وأقلية, يجب ممارستها كي لا تصبح ديكتاتورية الأكثرية بدل ديكتاتورية الأقلية!
منذ القرن التاسع عشر بدأ انفصال النظام السياسي عن النظام الاقتصادي في أوربا, بينما في سوريا يزداد تداخل الإثنين معاً
لا شك أنه في كثير من دول العالم نجد أن صاحب الثروة يريد أن يلعب دوراً سياسياً ما معتمداً على ثروته ونفوذه المادي, وأن السياسي يريد أن يحصل على شيء من الثروة بناءً على موقعه السياسي, هذه الظاهرة موجودة ولا يمكن تجاهلها لكنها في سوريا الأسد مشوهّة جداً وهي بوابة الفساد الأولى, آمل أن تكون هذه الظاهرة أقل تشوهاً عند المعارضة الوطنية السورية.
وأحس أحياناً ـ وآمل أن أكون مخطئاً ـ أن بدلات وبناطلين وربطات عنق بعض “زعماء” المعارضة غير قادرة على العمل المطلوب, وغير قادرة على إخراج عقلية حافظ الأسد وسلوكه من رأسها.
يقول مونتسكيو ما معناه: يسير عالم السياسة ويتطور للأمام على أساس قوانين وقواعد وأعراف, ولكي نتعرف ونتفهم هذا أو ذاك الموقف السياسي أو الجزء منه علينا معرفة الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا الجزء بالمقارنة لكامل العمل السياسي, أي العلاقة بين الجزء والكل.
بعض الملاحظات التي أراها مهمة لكل معارضي النظام السوري ولكل المهتمين بإقامة البديل الديمقراطي:
+ الصدق والوضوح في التعامل بين أعضاء كل فصيل وبين الفصائل والتنظيمات مع بعضها.
+ التحلي بالروح الرياضية والنقاش الهادئ الديمقراطي حول أية مسألة قيد الطرح, وكما يقال “أصوات أجراس الكنائس ليست متطابقة”
الإنسان الذكي, دائماً يستمع للذين استمعوا إليه.
+ترجمة الشعارات إلى خطوات ملموسة.
+من أراد أن يكون كبيراً عليه إنجاز الأعمال والمهمات الصغيرة وبشكل كبير.
+الخروج من التنظير إلى التدبير, والتوجه للشعب وقطاعاته الواسعة,
+التوجه إلى أعضاء حزب البعث ألذي يحكمون باسمه, لأن التغيير هو مصلحة الجميع,
الارتقاء إلى درجة المسؤولية التاريخية في كل عمل وتصريح,
+الموقف الإيجابي ليس بالتأكيد يجلب النجاح, لكن الموقف السلبي بالتأكيد يجلب الفشل,
+لا تستطيع القوى الوطنية تغيير النظام باستخدامها أساليب وممارسات النظام في تعاملها مع بعضها,
+ التنسيق الجيد بين الداخل والخارج وتقسيم المهام والعمل.
إن مسؤولية المعارضة الوطنية أمام الشعب والوطن أكبر من مسؤولية ومهمة استلام السلطة!
وأخيراً ألفت النظر إلى ملاحظة أعرف أن الكثير لا يفكر بها, ولكن قد يكون طرحها غير ضارٍ وهي:
على المثقف والسياسي والقائد والثوري والثري … أن لا يكون فوق الناس “أي ما يركب على ظهورنا”
إنني أعتبر الإحساس بأنه من ليس ضدنا فهو معنا هو الموقف الإيجابي لجمع الشمل, وما قمتم به أيها السيدات والسادة أعضاء الجبهة مهمٌ, لكن الأكثر أهمية ما لم تقومون به!
وكما يقول موليير “لسنا فقط مسؤولون عن الأعمال التي نقوم بها, بل عن الأعمال التي لا نقوم بها!”
مع التحيات مرة ثانية والتمنيات بالنجاح للأعمال التي ستقومون بها!
fadel.k@freemail.hu