حسن فحص – “الشفاف”
الزيارة المفاجئة للرئيس السوري إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية دفعت الكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بانها تشكل تحولا في العلاقات السورية – السعودية بما تمثله من انعكاسات على الوضع اللبناني في ظل تعثر تشكيل الحكومة المرتقبة برئاسة الرئيس سعد الحريري في تكليفه الثاني، بعد اعتذاره عن التكليف الاول الذي طال لأكثر من 90 يوما.
ليس مستبعدا ان تنعكس هذه الزيارة غير المرتقبة ايجابياً على الوضع اللبناني بشكل نسبي يسمح بتمرير الاستحقاق الوزاري بأقل الأضرار للطرفين في المعارضة والموالاة. لكن السؤال يبقى: ما الدافع وراء هذه الزيارة وما أبعادها في هذه اللحظة التي قد تُعتبر مفصلية في تاريخ المنطقة وتطوراتها؟
قد تكون القيادة السورية دخلت في مرحلة إعادة النظر في التطورات الدولية والاقليمية بعد السابع عشر من شهر آب / اغسطس الماضي، بعد فشل المحادثات مع الولايات المتحدة الامريكية في دمشق التي قادها عن الجانب الامريكي (هيوث) مساعد “جورج ميتشل”، مسؤول ملف الشرق الاوسط في ادارة اوباما، بمشاركة مساعد قائد قيادة المنطقة الوسطى في القوات الامريكية الجنرال مولير. وقد تناولت، إضافة للملف العراقي، كلا من الملفين اللبناني والفلسطيني، والعلاقات السورية الايرانية، ودور سوريا في عملية السلام في الشرق الاوسط .
الفشل او الطريق المسدود لم يكن مقتصرا على المحادثات السورية الامريكية. بل تعدها ليفرض نفسه على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اليوم التالي (18 اغسطس) إلى دمشق والتقى خلالها الرئيس السوري، والتي كان من المفترض ان تشهد التوقيع على مسودة اتفاقية تعاون استراتيجي بين البلدين. الا ان ما تسرب عن أجواء اللقاء بين الطرفين، ومطالبة المالكي الجانبَ السوري بضبط العناصر البعثية التي تعيش في سوريا عن استخدام اراضيها للقيام بعمليات تزعزع الامن في العراق، ورد الرئيس السوري عن استعداده للقيام بوساطة بين المالكي واحد قادة اجنحة البعث “مشعان الجبوري” لفتح الطريق امام عودة البعثيين للمشاركة في السلطة، كل ذلك شكّل سدّاً امام امكانية التعاون بين الطرفين وتوطيد العلاقات بينهما.
تفجيرات الاربعاء الدامي في بغداد (19 اغسطس) كانت رصاصة الرحمة على ما تبقى من امكانية لحوار بين الطرفين. خصوصا بعد الاتهام المباشر الذي اطلقته الحكومة العراقية مجتمعة لسوريا بتسهيل عمل الارهابيين على اراضيها لزعزعة وضرب الاستقرار في العراق. وقد ذهب المالكي إلى حد المطالبة بتشكيل محكمة دولية لتحقيق في الاتهامات التي وجهتها الحكومة العراقية ضد سوريا.
بعيدا عن التوظيف الداخلي لهذه التفجيرات والاتهامات في اللعبة الانتخابية العراقية، الا ان هذه التطورات ترافقت مع صمت وامتناع امريكي عن التدخل او محاولة تهدئة الامور، في حين ان هذه التطورات دفعت الجانبين الإيراني والتركي للتحرك السريع. الجانب الإيراني تحرك انطلاقا من الإحراج الذي سببته الاتهامات لسوريا من حرجٍ له بحكم العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين طهران ودمشق وما تشكله الساحة العراقية من ورقة اساسية في تفاوضه مع المجتمع الدولي خصوصا واشنطن. بالمقابل، استغل الجانب التركي الأمر ليدخل كطرف قوي في محاولة التهدئة واعادة فرض نفسه شريكا في الحدث العراقي والاقليمي. وعندما حاولت اطراف عربية الدفع باتجاه تعريب الازمة من خلال وضعها تحت رعاية الجامعة العربية بمشاركة تركية، فقد تحركت اطراف عراقية بايحاءات ايرانية لقطع الطريق على هذا المسار رافضة بشكل قاطع هذا التعريب الذي قد يسمح لأطراف عربية الدخول بقوة على خط الورقة العراقية، ومعيدة التوازن بين المطالبة بمحكمة دولية وبين الذهاب باتهام سوريا إلى النهاية من خلال الموقف الذي صدر عن مجلس الرئاسة والذي رفض توجه الحكومة التي صعدت الموقف لاعتبارات داخلية.
امام هذه التطورات والشعور السوري بأن الامور مع واشنطن وصلت نقطة اللامبالاة، وان واشنطن ليست على استعداد لأن تقدم أي تنازلات لدمشق مقابل ما تلوّح به الاخيرة من امكانية ان تكون عاملا مساعداً في الكثير من الملفات الاقليمية شرط الاعتراف بدورها في هذه الملفات والحصول على الثمن الذي تريده، جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الاسد إلى العاصمة التركية والمحادثات التي اجراها مع القيادة التركية. إن امتناع بغداد عن حضور الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية (التركي-السوري-العراقي) لمعالجة ذيول التوتر بين دمشق وبغداد حمل رسالة مزدوجة شكلت نقطة التقاء بين خصمين لدودين هما طهران وواشنطن. الجانب الاول انه من غير المسموح الدخول إلى العراق من البوابة التركية. اما الجانب الثاني للرسالة فهو ان موقف واشنطن من دمشق لا يمكن ان تؤثر فيه تدخلات حتى ولو كانت من أطراف تُعتَبَر حليفة ولعبت دورا محوريا في المفاوضات السرية المباشرة وغير المباشرة بين دمشق وتل ابيب. وفشل الاجتماع الثلاثي أكّد بما لا يدع مجالا للشك ان المرحلة ليست مرحلة تخفيف الضغط عن دمشق، وان على حلفاء سوريا في المنطقة استيعاب المرحلة الجديدة من السياسة الامريكية في المنطقة والتي تقول بان مرحلة التراخي والاستماع قد انتهت، وان الفرصة باتت ضيقة امام هذه الاطراف للعب على الاوراق الاقليمية وتوظيفها في ملفات داخلية، وان واشنطن اذا كانت مضطرة او مجبرة على تقديم تنازلات للحصول او تحقيق تقدم في الشرق الاوسط، فانها غير مضطرة ان تقدمها لاطراف اقليمية. بل بامكانها تقديم هذه التنازلات في مناطق اخرى لتحصل على مرافقة او مساعدة في معالجة ازمة الشرق الاوسط بكل تعقيداتها.
تقارب أميركي-روسي.. على حساب إيران
وانطلاقا من هذه المعطيات يمكن قراءة الموقف الامريكي باستعداده لاعادة النظر في منظومة الدرع الصاروخي في اوروبا الشرقية وعلى الخاصرة الروسية، والذي انتج تقاربا في الموقف بين موسكو وواشنطن من قضية فرض مجموعة جديدة من العقوبات ضد إيران في المرحلة القادمة في حال فشل او امتناع إيران عن اعادة النظر في برنامجها النووي ووقف هذه الانشطة بناء على قرارات مجلس الامن الدولي في الاجتماع المرتقب أوائل الشهر القادم اكتوبر في جنيف بين طهران والدول الستة الكبار.
وهنا، فان المشاركة الامريكية الجدية في مجموعة الستة الكبار او ( 5+1) مع طهران لن يكون سهلا على الجانب الإيراني الذي يأمل ان يفرض شروطه على هذا الاجتماع من خلال التلويح بتقديم المساعدة للجانب الامريكي في ملفات الشرق الاوسط. في حين ان واشنطن ستعطي طهران الفرصة للاستماع المباشر لما تطرحه الاخيرة من دون التخلي عن شرط التزام طهران بالمطالب الدولية وعدم الاستعداد لتقديم أي تنازل لطهران بذريعة الملفات الاقليمية. وهذا الموقف الامريكي من طهران ينسحب على تعاطي واشنطن مع دمشق وعلاقتها بهذه الملفات ايضا.
اذا لماذا ذهب الاسد إلى السعودية؟
على الرغم من التسريبات التي سادت في الفترة الاخيرة من ان الرياض فضلت الابقاء على الجمود الايجابي على مسار حوارها مع دمشق خلال الحوار الذي كان دائرا بين دمشق وواشنطن بانتظار ما يفضي اليه من نتائج، فان الزيارة السورية غير المرتقبة إلى السعودية تكشف ان ما يمكن ان يطلق عليه “شهر عسل” بين دمشق وواشنطن قد انتهى، وان دمشق تفتش الان عن حضن عربي يساعدها على تجاوز تعقيدات المرحلة القادمة وتطوراتها التي ستكون دراماتيكية وغير متوقعة، وانها على استعداد لتوجيه رسائل إيجابية في الملف اللبناني وتمرير الاستحقاق الوزاري الذي يحظى باهتمام سعودي كبير وتنظر دمشق بقلق إلى ما قد يسفر عنه الاجتماع المرتقب بين طهران والدول الستة الكبار من نتائج قد تنعكس على كل المنطقة في حال كانت إيجابية او سلبية، أي في حال ابدت طهران استعدادها للتعاون الايجابي ما يعني ان طهران باتت على استعداد لتقديم تنازلات في الملفات الاقليمية مقابل تمرير ملفها النووي، او سلبية ما يعني ادخال المنطقة في أتون مرحلة قد تطال ارتداداتها الجميع وقد تغير وجه المنطقة. خصوصا وان دمشق، بلا شك، تراقب التحولات التي تطرأ على مواقف القادة الاسرائيليين من إيران والحرب ضدها، وبالتحديد مواقف رئيس الوزراء الاسبق ايهود باراك الذي اعتبر ان النظام الإيراني لا يشكل تهديدا وجوديا لاسرائيل، مما يعني ان هنالك نارا تحت الرماد يحاول البعض إبعادها عن انظار الاخرين بانتظار التطورات القادمة.
الحضن السعودي دافئ شرط .
ألا يكون همّ من يجلس به النظر إلى أحضان الآخرين وتحيّن الفرص للإنتقال أو للتخلّي عنه.
hassanfahs@hotmail.com
دمشق تفتش عن حضن عربي بعد نهاية شهر العسل مع واشنطن Ramez, why don’t you tell this to your hero of the “loubnaniyi” March 14, Walid BEIK Joumblat? And you quote Jacques Chirac, of all people, who bombastically lectured the “loubnaniyi” parliamentarians that the Syrians of the “loss saghir, blah, blah, blah” are to remain in Lebanon until the resolution of the Palestinian-Israeli conflict, while his friend Rafic Hariri was at his peak! Do you know what amnesia is? Do you know what being a man of principal means? Do you not get it, like most of those who suddenly… قراءة المزيد ..
دمشق تفتش عن حضن عربي بعد نهاية شهر العسل مع واشنطن تباً لهكذا لبنان ولهكذا “وضع لبناني” قابعَين في الهامش مسمّرَين بانتظار تكرّم طاغية صغير مجرم ولص بالتنازل بالقبول بالبدء بالإيحاء بأنه سيرفع يده القذرة ويسخى على لبنان وعلى السعودية (مع التقدير لها) بتشكيل حكومة لبنان. ولعنة على هكذا حكومة “لبنانية” ولو ذرّة من بيت رحمها اسمه الأسد. مأساة لبنان في العقدة “الباثولوجية” المزمنة السورية. لكن ما يغذي مأساة لبنان تشرّب اللبنانيين هذه العقدة المرَضية السورية ولبننتها في أدمغتهم، اللبنانية. وهذا ينطبق بالتساوي على لبنانيي 14 آذار كما، بالطبع الطبيع المطبّع وطبعاً، على “””لبنانيي””” 8 آذار. من استنتاجات جاك شيراك… قراءة المزيد ..
دمشق تفتش عن حضن عربي بعد نهاية شهر العسل مع واشنطن
تحليل هذه المقالة صح مئة في المئة.