يخيل لمن يتابع بعض الفضائيات العربية، والجزيرة في مقدمتها، أن حرب إبادة تشن ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد. من لم يشاهد التقرير الإخباري من بدايته، قد يعتقد أن اسرائيل هي التي تقصف المخيم وتستهدف المدنيين. ويبقى هنا على الهامش، وجود تنظيم مسلح يقوم بأعمال عنفية ضد اللبنانيين وعلى الأراضي اللبنانية، وهو لم يستهدف عناصر الجيش اللبناني فقط، إنما يستخدم المدنيين كدروع بشرية، ويمنع قوافل الإغاثة من دخول المخيم، ويحاول منع اللاجئين من مغادرته.
يدخل الدفاع عن حق المدنيين في الحماية هنا، في إطار مزاودات سياسية غير بريئة. ولا يؤدي إلا إلى شحن عاطفي يعبئ القلوب ضد الجيش والدولة في لبنان، مراكما لعنف مضاد كامن، لا ندري إلى متى.
وليس سرا، أن قناة تلفزيونية مثل الجزيرة، تحظى بنسبة المشاهدة الأكبر بين الجماهير العربية. لأنها قد تشكل بالنسبة لها مسرحا تنفيسيا يوميا وتحت الطلب. وتستوي في ذلك تعليقات المعلقين وكتابات المحللين، التي تتبع النسق نفسه.
من الطبيعي أن يشعر المدنيون بالذعر والخوف، وأن يبكوا جرحاهم أو قتلاهم، وأن يندبوا نزوحهم المتكرر والإجباري حتى عن مناطق لجوئهم “المؤقتة”. ومن الطبيعي أن يَسلط الضوء على هذه المعاناة الإنسانية، وأن تكون حماية المدنيين وإغاثتهم مطلبا لا يمكن التغاضي عنه. ولطالما قلنا، أن الحرب على الإرهاب لا يجوز أن تكون حربا على حقوق الإنسان الأساسية وفي مقدمتها هنا الحق في الحياة. ولكن من غير الطبيعي أن يتم تركيز الصورة على هذه اللوحة الحزينة، وقصقصة أبعادها الأخرى المتمثلة، في المدنيين اللبنانيين الذين عانوا طوال الأسبوع الماضي من التفجيرات الإرهابية هنا وهناك، وفي عشرات الجنود اللبنانيين الذين قضوا غدرا على يد جماعة فتح الإسلام، وفي وضع مأزوم يشمل لبنان كله، ويستهدف استقراره وسيادته وبشره وحجره. ومن المؤسف واللاأخلاقي، أن تتم المزاودة على حماية حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد بهذا الشكل.
الخطاب التحريضي الذي يتلطى وراء رقة المشاعر ورهافتها تجاه ما يتعرض له اللاجئون، هو أحد وسائل صناعة أشكال مختلفة ومتنوعة من فتح الإسلام. خاصة في بيئة تعاني ما تعاني من فقر وقهر وتهميش، إذا لم نذكر جرحا مفتوحا اسمه اللجوء، لا يبدو أن شفاء قريبا له يلوح في الأفق، وسلاحا لا يزال منتشرا خارج سلطة الدولة والقانون، ومد سلفي يجد في طريقه الكثيرين من أنصاره أو المتعاطفين معه.
هل يمكن ترجمة ذلك الغضب بأشكال أخرى تدفع بالمشاعر السلبية إلى التجلي بأشكال إيجابية منتجة؟ هذا ما لا يتعرض له إعلامنا من قريب أو بعيد. تشجيع وسائل مختلفة للتضامن والتفاعل، والتركيز على دور للمجتمع المدني في مثل هذه الأزمات، وإيجاد نوع من قنوات التواصل بين الضحية والمشاهد، عبر جمع تبرعات وغيرها. التركيز على الروابط الإنسانية التي تتجاوز الحساسيات الطائفية والسياسية، هو ما لا يدخل ضمن مهام ذلك الإعلام. حسنا، إن لم يكن، فعلى الأقل أن ينأى بنفسه عن تنمية جميع المشاعر المعاكسة لما سبق.
razanw77@gmail.com
* محامية وكاتبة سورية مقيمة في دمشق