ما زال الجنوبيون يذكرون مواقف إيران الرسمية أثناء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، التي كانت مقتصرة على توزيع عبارات التنديد والشجب يمينا وشمالا اعتراضاً على ما يحصل من مجازر في الجنوب. وحين اقتربت الطائرات الإسرائيلية قليلا من الحدود السورية، استنفرت الجمهورية الإسلامية وحذرت بلهجة متوعدة أنها سوف تتدخل على الفور إذا تعرضت سوريا لأية غارة إسرائيلية.
لم يكن موقف إيران مستغرباً، وإن عدّه البعض صادما ومخيبا للآمال. فدأب الدول المتحالفة حماية تحالفاتها، كما أن العلاقة بين سوريا وإيران هي علاقة نظام بنظام ودولة بدولة. المصالح الإقتصادية والسياسية والأمنية وقود هذه العلاقة، كما أن الأبعاد الإستراتيجية رافعتها، كل جهة منهما لها الحق كما القدرة على إصدار القرارات ولا أحد يمنعها من ذلك ما دامت هذه القرارات صادرة بالإجماع عن قادة النظام ومؤسسات الدولة. أما العلاقة مع حزب الله، سواءً من قبل إيران أو سوريا، فهي علاقة المالك بالمستأجر، حالما تنتهي مدة العقد الموقع بينهما يذهب كل واحد منهما في حال سبيله.
فحزب الله رغم السلطة التي يترجمها تسلّطاً على الأراضي اللبنانية، وصلاحياته التي لا ينعم بها أي حزب في العالم، وسلاحه الذي يرهب به من ليس معه ويُخضع بواسطته من معه، هو في النهاية ليس أكثر من ميليشيا مسلحة في حسابات الدول والأنظمة.
هذا الكلام مضى عليه الزمن. وكما وقفت إيران موقف المتفرج من أحداث تموز، هي اليوم تعيد صياغة هذا الموقف مع ما يحدث في سوريا.
فلم يصدر عن المرشد أو الرئيس تصريح واحد خلال الأزمة السورية يكشف نية إيران التدخل في الأزمة الداخلية في سوريا أو القتال دفاعاً عن النظام السوري، وإن ظهر في بعض وسائل الإعلام خبر إرسال عناصر من الحرس الثوري إلى دمشق للمساعدة في قمع المتظاهرين. فإيران، منذ اندلاع الإضطرابات في المدن السورية، ما زالت منضبطة نوعا ما في تفسيرها لتداعيات هذه الإضطرابات، وتظهر إزاء ذلك الكثير من البرودة.
عين نجاد على واشنطن وليس على دمشق..
فعلى ما يبدو أن السياسة الإيرانية أصيبت بالإرهاق من دفع فواتير الحليف السوري البعيد جغرافيا، وتبحث عن إبرام تحالفات قريبة أكثر فعالية وأقل كلفة. فقد تسمح لها الإستفادة من جغرافيتها الطبيعية بالفوز بمعادلات سياسية وأمنية أضخم وأجدى نتيجةً. كإمكانية إستغلال حدودها البرية الطويلة مع باكستان وأفغانستان من جهة وقربها الطبيعي من روسيا والعراق وتركيا من جهة أخرى، والأهم حدودها المائية مع دول الخليج، ما يحولها إلى لاعب ومتلاعب أساسي في كل هذه المناطق.
كما أن قدوم رجال الحرس الثوري المحدود إلى دمشق لمساندة النظام السوري لا يعبّر بالضرورة عن موقف إيران الرسمي في ظل الإنقسام السلطوي في الجمهورية الإسلامية! فالكل يعرف أن هناك سلطتين في الجمهورية الإسلامية، تطلقان المواقف وتصدران الأوامر: سلطة المرشد وسلطة الرئيس، وتتعارضان في كثير من الأوقات. وفيما كشفت التطورات الأخيرة أن المرشد يخضع للرئيس وليس العكس، تجنح السلطة السياسية في إيران المتمثلة برئيس الجمهورية إلى نسج علاقات جديدة ليس لها أبعاد أيديولوجية أو إستفزازية.
فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي استطاع أن ينتزع مرة جديدة من المرشد إعترافا آخر بمصداقيته رغم كل الإتهامات التي طاولته هو وفريقه في الآونة الأخيرة، يجنح سرا إلى فتح قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية، وهو حريص منذ وصوله إلى سدة الرئاسة على زيارة مقر الأمم المتحدة في نيويورك لحضور مؤتمرها السنوي، كونها تشكل له الفرصة الوحيدة كل عام للقاء المسؤولين الأمريكيين والتقرب منهم. وقد جاءت إقالة وزير الإستخبارات حيدر مصلحي رداً على استجوابه واتهامه لمستشار الرئيس الأول، إسفنديار رحيم مشائي، بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية موفدا من قبل الرئيس لإجراء محادثات سرية مع مسؤولين أمريكيين. ومشائي معروف عنه أنه يغازل الإسرائيليين من وقت إلى آخر وهو الذي صرح يوما أن إيران صديقة الشعب الإسرائيلي. كما أن “عرّاف” الرئيس الشهير، “عباس غفاري”، متورط بعلاقات علنية مع إسرائيل، وهذا كله لا يشكل إحراجا للرئيس الإيراني الذي تقيم حكومته علاقات تجارية مع شركات نقل إسرائيلية!
أحلام الرئيس الإيراني صارت بعد التجربة، والحضور الراسخ في السلطة، أكبر من نظامٍ يتداعى وحزبٍ يكلف ميزانية دولة، وأصبح العمل على إيجاد حلفاء آخرين خارج هذه الثنائية، حلماً يحاول الرئيس الإيراني تحويله إلى واقع.
بالنسبة للنظام السوري، كما حزب الله، تشكل إيران الرئة الوحيدة التي يتنفسان منها. وعدا عن مكتسبات التحالف السياسي والأمني لكليهما، هناك مكتسبات إقتصادية ليست أقل شأنا. فقد عوّض المال الإيراني الذي يجنيه النظام السوري ثمنَ تهريب السلاح إلى معسكرات حزب الله في لبنان، أزماته الإقتصادية مع الخارج وسدَّ عجز خزائنه في الداخل، كما جعل حزبَ الله دولة قائمة بذاتها، في حين كانت مكاسب الإيرانيين من هذه التجارة محدودة جداً قياسا على حجم المصاريف المرتفعة جداً.
حزب الله اليوم في ورطة! فسقوط النظام السوري بالنسبة إليه هو انكفاء الساعد الذي يحميه، وخسارة القناة الوحيدة التي تربطه بطهران.
لكن طهران ليست متخوفة إلى هذا الحد من سقوط نظام دمشق. فلديها سيناريوهات تحالفيّة أخرى تستطيع إخراج المناسب منها تبعا للظروف المستجدة. وطالما شكلت سياسة التدخل السوري في لبنان ووصايته الأبوية على الحزب اللبناني إحراجا كبيرا لها، وقطعت عليها بعض الطرق التي توصلها إلى قلب المجتمع الدولي أو إرضاء الأمريكيين الذين تفاوضهم سرا. وفي عزّ تحالفها مع دمشق، لم تكفّ طهران يوما عن البحث عن بديل من الرديف المتطلب والحليف المحرج، واستبداله بآخر أو آخرين أكثر تجانسا وأثقل وزنا.
سوريا، في ورطتها، تشبه حزب الله في ورطته، وكلاهما مهدد بالإنهيار.
فسقوط الأول سيؤدي تلقائيا إلى سقوط الثاني، لكن إيران خارج منظومة الإنهيار هذه، لأن تحالفها معهما لا يشكل عماد تحالفاتها في المنطقة، ليس بمعنى أنها لا تهتم بما يجري في سوريا وما يمكن أن يحصل في لبنان، وقد يكون تحالفها مع سوريا وحزب الله ليس أولوية بالنسبة إليها أو ربما ليس الرقم واحد في سلم أولوياتها، وهي تستطيع أن تحصد في مكان آخر أكثر مما تحصد في هذا المكان بكلفة أقل ماديا وسياسيا.
منذ حرب تموز لم تطلق “المقاومة”، التي تستمد حصانتها من “قضية تحرير الأرض”، رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، ولم تنفذ أي نوع من العمليات ضد العدو. وحتى الآن، ما زالت الوعود الكبيرة بالإنتقام من قتلة قائدها العسكري عماد مغنية خطبة حماسية من على منبر سياسي. وهي منصرفة كليا إلى الشأن السياسي الداخلي وما يتخلله من مماحكات وسجالات يومية.
لا حكومة في بيروت ولا حرب مع إسرائيل!
وكما تبدي إيران استرخاءها حيال الوضع الداخلي في سوريا، تبدو أيضا غير مهتمة بتشكيل الحكومة اللبنانية أو عدم تشكيلها من قبل الأكثرية الجديدة، لأن هذا لا يسهم في تعزيز حضورها دوليا بالصورة التي تريدها بل ربما يتسبّب بتراجعه! فما يهمها، راهناً، هو بقاء الحدود اللبنانية مع إسرائيل باردة، لأن في ذلك استرضاءً للولايات المتحدة، وهذا ما تهتم له إيران فعليا.
ولو أن إيران تعتبر قرار الحرب ضد إسرائيل مثمرا لها في هذه الفترة، لما شهدنا تحرّشا بقوات “اليونيفيل” واستخداما للمدنيين الفلسطينيين على الحدود في ذكرى النكبة، بل كنا رأينا عملية نوعية على غرار عملية خطف الجنود الإسرائيليين في تموز 2006.
دعم فاتر للأسد: أحلام نجاد أكبر من “نظام” يتداعى و”حزب” يكلّف ميزانية دولة!
محور المقاومه سينتصر
دعم فاتر للأسد: أحلام نجاد أكبر من نظامٍ يتداعى وحزبٍ يكلّف ميزانية دولة!
قال وزير خارجية إيران “مانو شهر متقي” عام 2006 أثناء حرب تموز على لبنان ” إذا قصف رصيفٌ في دمشق سوف ندخل الحرب”. أما رصيف لبنان وبالأخص جنوبه ليس له أية أهمية عند إيران. إيران لا يهمها لا حزب الله ولا شيعة الجنوب فقط مصلحتها. يا ليتهم شيعة لبنان تعلموا وفهموا جملة وزير خارجية إيران في العام 2006.