لعل أهم الشروط الإبتدائية لصياغة دستور أن تكون عباراته ومفرداته جلية واضحة للكافة بنفس المعنى، ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، و ألا تكون عباراته مطاطة تحتمل النقيضين، و ألا يكون فيه تناقض بين مادة و أخرى. لأن أي إلتباس في المعاني سيكون عند التطبيق صراعات و ماّسي، فيتحول الدستور عن كونه “الفاكسين” المانع لمرض المجتمع والمحصن للدولة إلى مرض قتّال. هذا من حيث الشكل. ومن حيث المضامين، لا يصح أن يكون في مواده ما يستحيل تنفيذه أو يصعب تنفيذه أو أن يكون طلباَ لمفسدة، أو ما يؤدي إلى الإضرار بالسِلم الإجتماعي، أو عجز الوطن عن حركة العالم الحضارية، أو إهدار حقوق طائفة من المواطنين لصالح طائفة أُخرى، أو تغول سلطة على بقية السلطات.
بل أن السلامة الشكلية وسلامة المحتوى ليست كافية لعدم عواره، فقد يستوفي شروط السلامة من وجهة نظرنا لكنه يُسئ لسُمعة مصر في المحافل الدولية، و أزعمُ أن مسودة الدستور المصري المطروحة علينا هي نموذج لكل ألوان العوار السالف عرضها، ولهذه الأسباب فأني أدعو إلى عرض الدستور على المحكمة الدستورية للفرز والتأكد من سلامته وعدم عواره قبل عرضه للإستفتاء، لأن الشعب غير مختص بالفحص والفرز لـ250 مادة، إنما هو مختص بالموافقة بالإيجاب أو الرفض، بنعم أو لا.
مواد تحوطها الشبهات:
هنك عبارة عجيبة الشأن وردت بالمادة 144 لم يقف معها أحد تقول: ” ولا تُعفي أوامر الرئيس الشفهية العاملين بالقصر لجمهوري أو المسئولين عن خدمته الشخصية من المسئولية” أي أن الرئيس سيصدر أوامر شفهية لمن حوله وعليهم النفيذ مع تحملهم المسئولية عن نتائج هذا التنفيذ، فالأمر الشفهي لن يعفيهم من المساءلة ، لذلك سيحرص
المنفذ حتى لا يقع في المسئولية على سرية التنفيذ.
هل هناك سوء بلاغة و تشوه في العبارة أكثر من تلك مع إرتباكها وغباوتها البلاغية؟ هو الأمر الناتج عن الإصرار على تنفيذ الأمر الشفوي للرئيس، والذي لا يٌعفي المنفذ من المسئولية، لكن الرئيس الاّمر ليس عليه أي مسئولية
وبإمكانه إنكار الشفوية إذا إنكشف الأمر فيُعاقِب المنفذ دون الرئيس.
إن هذه المادة وُضعت لتمرير المؤامرات، وتُبيح للمؤسسة الرئاسية التاّمر بأوامر شفهية وتنفيذات سرية، لأن عدم العلنية والسرية لا يكون إلا لمؤامرة. مثلاً سيهمس الرئيس في أُذن رئيس الياوران إضرب وزير الداخلية رصاصتين ثم يهمس في أّذن وزير الداخلية أن يُلفق قضية تخابر لوزير الإقتصاد ثم يهمس في أذن رئيس المخابرات أن يفضح رئيس الياوران بفضيحة جنسية، ثم يأمر وزير دفاعه بإلقاء نائبه من غرفة نومه بالفندق بوسط لندن (رحم الله سعاد حسني).
كل هذا السيناريو التخيلي يمكن أن يتم في ظل تلك المادة التي تشرع سرية الأمر والتنفيذ ، علما أن الشفوي يعني مخالفة الأخلاق فالعمل الشريف يُعلن عن نفسه بفخر أما السري فهو مشين لذلك هو شفوي سري.
مثلها في العوار و سوء فهم المعنى الديمقراطي المادة 112 التي تقول قولها المُدهش “يجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من المجلس الذي ينتمي إليه العضو (الذي فقد الثقة و الإعتبار) بأغلبية ثلثي الأعضاء”.
إن هذا التمسك الشديد بالعضو الذي فقد الثقة والإعتبار حتى أن إسقاط عضويته يستدعي أصوات ثُلثي أعضاء المجلس، يعني عند صاحب الهاجس في كتابة هذه المادة أن لديه من سيكون بالمجلس وأن من بينهم من يعلم يقيناً و سلفاً أنه فاقد للثقة والإعتبار حتماً مما يحتمل إنكشافه في أي وقت، لذلك وجب تحصينه سلفا ًبحصانة مرجعها عصبية حزبية و ليس الشرف و الأمانة. فيمارس العضو فجوره وفساده لأنه دخل البرلمان بنسبة 50+ 1% لكنه لن يخرج إلا بنسبة 70% فنترك الفاجر الفاسد فاقد الثقة والإعتبار مُحصناً، ليُشرع لنا القوانين ذات المرجعية الإسلامية.
أما المادة النكاية التي تمهد لدستورية وقانونية وشرعية عمل جماعات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تكريسهم جواسيساً على المواطنين، و منفذين لأوامر الله. هي مادة تنزع فهم الدين و تصديقه عن كل المؤسسات لتضعها بيد سباك أو سمكري ليُفسر و يُشرع و يتجسس و يُوقع العقوبة حبساً أو جلداً أو قطعاً. هذه المادة هي المادة السابعة التي تقول دون أي تجمل “يقوم الجتمع المصري على …التضامن بين أفراده في حماية الأنفس والأعراض والأموال”. إن المادة السابعة ثكلها أمها تتحدث عن نُظم حماية الأعراض والأنفس و الأموال، لم تنُص أن تلك الحماية يلزم أن تتم من خلال قانون يُصدره المجلس النيابي و يكلف الدولة و أجهزتها التنفيذية إنما كلفت (أفراد المجتمع) للقيام بهذه المهمة، و دون أن تحدد لنا هل سيتم ذلك طبقاً للقاليد و العادات البدوية التي جاءتنا تركب الإسلام فصارت إسلاماً؟ أم تقاليد و عادات المصريين في الريف و الحضر، و ما هو الأسلوب الذي سيستخدمه المجتمع لذلك إن لم يكن فتح الباب للسلفيين للتسلط على أرواح الناس بالردع المقدس. و السؤال كيف ستتم محاسبة المجتمع لو أخطأ في حق المواطنين؟ المُخطئ الحقيقي هو جماعة الأمر بالمعروف لكنهم يلبسون المسئولية للمجتمع الذي لا يمكن معاقبته كله على خطأ الجماعة التي تتتبادل الأدوار في تلك المادة مع المجتمع .
الأساس المشروخ:
إن الأساس الأسمنتي للدساتير يأتي في صدرها و هو ما تمثله المواد الثلاث الأولى في الدستور التي يجب أن تكون شديدة الدقة و الهندسة و الوضوح و الجلاء و عدم التناقض، مع الشفافية التامة مع الذات و مع الغير.
تقول المادة الأولى أن “جمهورية مصر العربية…نظامها ديمقراطي” و هو ما يعني أن الشعب سيحكم نفسه بنفسه عبر مجلس و رئيس منتخب، و أن كلمة الشعب هي العُليا بالمُطلق و أن ما سيصدر من تشريعات يكون بإسم الشعب و هو ما يعني أن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً لا تعلوه سلطة أخرى.
هنا تقول المادة الثانية قولاً لا يلتئم و لا يلتقي بما جاء في المادة الأولى بل هو يهدمه هدماً هو”الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية و مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”.
إن معنى هذا أن جميع الإسلاميين في التأسيسية لم يلتزموا بقواعد الفقه الإسلامي و الشريعة التي طلبوها، لأنه لا يوجد في كليهما شئ إسمه دستور و لا في كتب الفقه، ترى ماذا كتب أهل الفقه المعتبر بشأن الدستور؟ هل قالوا سيأتي يوماً يحكم فيه مصر رجل إسمه مرسي فعليكم أن تضعوا دستورا؟
إن الدستور يضعه بشر لا علاقة لهم بالسماء وأن الدستور في بدايته التاريخية من وضع كفار روما الوثنييين وتطور بتطور المجتمع البشري حتى وصل كمال نضجه في بلاد الطاغوت.
إن الإعتراف بالديمقراطية و الدستور مع وضع قواعد تحدد مساحة لعملهما و توقف نموهما لا علاقة له بالديمقراطية لا مبنى و لا معنى. و القول أن دين الدولة هو الإسلام يعني أن كل الرعية مسلمين و هو غير حقيقي ، أم أن المادة تستشرف أسلمة الدولة بأكملها لتنطبق عليها العبارة بدقة مستقبلا . هذا كلام ينسف الدمقراطية نسفاً فيضع لعملها شروطاً تنتقص منها و تحدد مجالها بمبادئ الشريعة، فتم نسخ المادة الأولى بالمادة الثانية قبل أن نفعل أي شئ.
حتى يستقيم الوضع نقول أنه بعد نجاح الإخوان و السلفيين تحول تعريف الديمقراطية من حكم الشعب نفسه بنفسه إلى حكم الشعب نفسه بالشريعة ،و للتمييز بين الديمقراطيتين يجب هنا إضافة صغيرة للمادة الأولى بأن “نظامها ديمقراطي ديني سماوي” ، حتى يفهم الناس أن الديمقراطية بمفهوم العالم كله لا علاقة لها بديمقراطية الدستور المصري، إنهم يعبثون في أساس الأُسس ، في مفهوم الديمقراطية نفسه.
ولمزيد من الكوارث تستثني المادة الثالثة من الديمقراطية التشريعات المنظمة لأحوال المسيحين واليهود الشخصية وكل ما يتعلق بشئونهم الدينية، تقول المادة 3 “مبادئ شرائع المصريين المسيحيين و اليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية و شئونهم الدينية و إختيار قياداتهم الروحية” وهكذا اُضيف مصدر سماوي اَخر إى الشريعة الإسلامية هو الشريعة المسيحية و الشريعة اليهودية و كلها رئيسية و لا يبقى سوى قليل الشأن الغير رئيسي و هو ما تٌقره المجالس النيابية.
إذن هناك ديمقراطية وضعت شروطها و آلياتها قوانين حركة المجتمع و تطوره في بلاد الغرب المتقدم، و لدينا ديمقراطية تسمح بقيام الأحزاب المتطرفة دينيا و إنخراط أصحاب الأيديولوجيا الدينية بالعمل السياسي و ليس تجريم ذلك ومنعه من أي مشاركة ديمقراطية ، ديمقراطية الإسلاميين كالذهب القشرة مظهره غير محتواه ، ديمقرطية مزيفة.
الملفت في أمر الـتأسيسية هو عقدها مواداً للشرح و التوضيح لمصطلحات وردت بالدستور، و إهمال شرح و تفسير مصطلحات أخرى عن قصد و نية و غرض , فقدمت شرحا لعبارة مبادئ الشريعة في المادة 220 التي تقول : ” مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية و قواعدها الأصولية والفقهية و مصادرها المعتبرة في مذهب أهل السنة و الجماعة ” ، و لم تحاول تعريف ديمقراطيتها أو ما تفهمه من كلمة ديمقراطية ، و هل كان اصحاب الإصطلاح ( الإغريق ) يقصدون بكلمة ديمقراطية الإختيار بين أحكام الفقه الإسلامي المعتبر على مذهب أهل السنه والجماعة.
هل هذا النص يعني أن كافة القوانين المصرية واجبة الإلغاء لتحل محلها قواعد و قوانين جديدة من الأصول الفقهية و مصادرها المعتبرة . و هل هذه الديمقراطية الخاصة تعني أن يقوم المواطن بالإختيار و المفاضلة بين عدة آراء فقهية مثل أن يصوم شهرين متتابعين أو يفك رقبة أو يجلد عشرا ؟ معنى ذلك ان هناك اختيار حر بين بدائل كل منها تمثل رأيا فقهيا ، في ديمقراطيتنا لديك حرية الإختيار لمن الذي سيلزقك على قفاك من الفقهاء ؟ و ما هي الدولة الدينية إن لم تكن تلك؟
و يفترض أن ينبني على هذه المادة أن قوانين الدولة المصرية لن يضعها المجلس النيابي لأنها كالمعدومة لأنها غير رئيسية كمبادئ الشرائع في الأديان الثلاثة ، لسبب بسيط هو أن تلك القوانين موجودة و محفوظة منذ ما يزيد عن الألف عام من زمن الفقه المعتبر . لو كانت التأسيسية واضحة مع نفسها و مع الناس و حافظة لماء وجهها لحذفت كلمة ديمقراطية من الدستور ، لأن الجمع بين الأشتات هو كذب يعيب أصحابه بشدة ، هو تدليس يعطيك جميزة معفنه و يقولك : خد دوق التفاحة دي ؟ بل أنه يصبح من لزوم مايلزم إلغاء المجلس التشريعي نفسه حتى لا يكون شريكا لله في التشريع ، و تكفينا الشرائع الدينية ففيها الكفاية و الغنى خاصة و أن الشرائع الثلاث لا تعرف شيئا بالمطلق عن معنى الدولة أو الدستور أو المجلس التشريعي . أين الله و القرآن و السنه في هذا التعريف للشريعة الإسلامية , لقد أحالونا للفقه المعتبر عند اهل السنة و الجماعة و نسوا القرآن و الله والنبي , لأن هاجسهم بسلطان جماعتهم و معتنقهم فيها أنساهم أن الشريعة بالأصل في القرآن و السنة قبل قواعدها الأصولية و الفقهية المعتبرة على مذهب السنة و الجماعة . مع تأكيد السنية الحنبلية التيمية الوهابية ردا مسبقا و منعا لأي خلاف مذهبي بداية و قبل كل قول , فلا شريعة خارج مذهب أهل السنة و الجماعة , رغم ان هذا المذهب مثل بقية المذاهب لا يحمل اي صفة سماوية , فالمذاهب تحمل أسماء أصحابها الذين اجتهدوا في تأسيسها , و تحمل راي كل منهم المخالف للأخر بأثر البيئة و الزمن و نظم المجتمع , فتحمل موقفهم من الواقع زمنهم و في مجتمعهم فهي وضعية بامتياز و من الدرجة الأولى , فالشريعة التي يريدونها بتعريفهم هي نتاج جهد بشري و ليست في منزلة الوحي الذي لا يعرف التعددية و الإختلاف.
المشكلة تظهر عندما تسأل عن التفاصيل بعد التسليم لمذهب السنة و استبعاد المذهب الشيعي، فيبقى أربعة مذاهب سنية هي المالكي و الحنفي و الشافعي و الحنبلي التي تختلف في تطبيق أحكام الشرع , مثلا حد القطع يختلف بين الأربعة هل يكون ببتر الأصابع أم الكف أم قطع الساعد من الكوع أم نزع اليد كلها نزعا من الكتف , بأي حكم سنأخذ و لا نكون آثمين .
و قد وصلت الاختلافات المذهبية حول الحدود المعروفة التي تعد على أصابع اليد الواحدة إلى 12000 و 13000 مسألة , حتى قال الإمام السيوطي أن لكل آية ستون ألف فهم ، فأي فهم من ال 60000 سيطبقون علينا , و هل ستطبق جريمة القطع لسارق الحرز مع عدم تطبيقها على سارق السائبة و هو ما يوجب براءة سارق السيارة لأنها سائبة في الشارع و قطع يد سارق جهاز الكاسيت الذي في داخلها لأنه في حرز مغلق ؟؟!!
تساؤلات مثلها ألوف تخلق كوارث عند التطبيق و هم يعرفون ذلك جيدا .
يبقى تعليق على المادة الثانية سريع يقوم على مبدأ أرسته المادة الثالثة , فقد ارست المادة الثالثة مبدأ حق المسيحيين و اليهود في التحاكم لمبادئ شرائعهم و منعته عن مواطنين مسلمين كالشيعة أصحاب المذهب الجعفري , و منعته عن البهائيين الذين يعترفون بالإسلام دينا و بمحمد نبيا ضمن قواعد إيمانهم رغم أنهم مواطنون مصريون أبا عن جد بينما لاتجد هذا الاعتراف في اليهودية أو المسيحية . ليس هذا فقط بل أعدمت المساواة بالكامل بين المسلم و المسيحي لصالح المسيحي ، عندما قصرت تفعيل الشريعتين المسيحية و اليهودية على ما تعلق بالدين و العبادات و اختيار القيادات الدينية و ما تعلق بالأحوال الشخصية , بينما يلقون بالمسلم في تهلكة خلافات لا تنتهي و يتركونه فريسة للمشايخ عل اختلاف فتاواهم ، بينما العدل يقضي إضافة تلك الميزة الموجودة في المادة الثالثة إلى المسلمين في المادة الثانية فيصبح النص ” و مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في أحوالهم الشخصية و شئونهم الدينية و اختيار قياداتهم الروحية ” حتى تتحق المساواة . هذا ناهيك عن كون المادة الثالثة لم تترك أي أمل للمسيحي المصري في أن يصبح يوما مثل أخية في المسيحية في الدول المتقدمة الذي يتمتع بحرية فردانية صححت منه العقل و النفس و البدن و ارتقت به انسانيا عن أي مسيحي شرقي وارثوذوكسي بالذات.
الإنتماء العربي والإسلامي والإنساني
مفترض ألا تكون البلاغة الدستورية إنشائية تقول كلاما بلا معنى و لا مدلول و تطرح أوهاما بحسبانها حقائق بينما دستورنا حسب هذا الشرط هو لون من الخبال يصمنا أمام الدنيا بالعته المنغولي , و نموذجا لذلك قول المادة واحد ” أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية و الإسلامية ” و هذه عبارة لا يترتب عليها في الواقع أية نتائج لصالح المجتمع فهي كلام بلا معنى ، لأنه حتى يكون له معنى يجب أن نجيب على أسئلة ضرورية : هل هذا إقرار بانتماء يقابله انتماء مماثل يفيد قبول الدول العربية و الإسلامية به ؟ و هل ستعامل السعوديه ضيفها المصري معاملة انسانية ؟ و هل ستتوقف إهانة المصري و تجريحة و وصفه بالفرعون و التآمر لجلده في المطارات السعودية ؟ الواضح أن العرب قد رفضوا انتماءك لأنك ضمن نادي الدول الفقيرة بين العرب , أنت جائع لذلك هي لا تحترمك ؟ عار وهي تحرم العري ،أخوك العربي و المسلم يهملك لأنك فقير ؟ هل تراه حسب الشريعة الإسلامية سارع بتحويل ريالاته إلى البنوك المصرية من زكاة الركاز على البترول و المعادن التي تصل إلى حوالي 40% ، كما سارعت مصر بارسال غوثها عام الرمادة لمدينة رسول الله , إن زكاة الركاز المستحقه للمسلمين مثلنا متأخرة في الوصول منذ اكتشاف البترول ، و هي نسبة كافية لتسديد ديون مصر و تحقيق حلم الوفرة دون من أو أذى لأنه حق شرعي و فرض إسلامي تعبدي دونه الكفر , لقد اختار أشقاؤكم العرب الكفر على إعطاء الفقير المسلم حقا قد يساويهم به.
ثم ما هي الواجبات التي يفرضها هذا الالتزام تجاه الأمتين و ما هي تبعاته , و هل حتى يكون الانتماء العربي الاسلامي شيئا واقعيا ملموسا أن تلتزم الدول العربية و الإسلامية بتبادل الأخلاق و السلوك و العادات و التقاليد لتتماثل المجتمعات في انتمائها الواحد ؟ أم سيكون التزاما بحمايتهم عسكريا كما اعتادوا طول الوقت ؟ و كما سبق و فعلنا كمصريين مع الجزائر و اليمن و الكويت و فلسطين ؟ و هل عاد من وراء ذلك الفعل الأخوي الكريم أية عوائد و لو معنوية للأمة المصرية ؟و هل فرض الالتزام يتم على طرف واحد طول الوقت ؟ بهذا يلزم علينا مساعدة دول الخليج اقتصاديا ! ثم هل الالتزام تجاه الأمة العربية سيجعلنا ننحاز للبحرين ؟ أم سنختار الالتزام بالأمه الاسلاميه و ننحاز لإيران ؟ و إذا كان يعتقد اهل التأسيسة بالتزام مصري تجاه الأمة الإسلامية فلماذا يحرمون مذهب معتبر اسمه الجعفري / الشيعي ، و لماذا تحرم إقامة الحسينيات على أرضنا ؟ إذا هو التزام بلا شروط و بلا نتائج تترتب عليه ! هو شعر تجملي لا علاقة له بالدساتير ، هو شعر حزين على وهم ضائع في انتماء شكلي في عبارة لامعنى لها و لا لزوم لقولها ، فلا هو و انتماء اقتصادي و لا ثقافي و لا عادات و لا تقاليد ، هو مادة شكلية تجسد وهم و أماني لم تتحقق يوما تشير إلى أن لدينا مشكلة في الصدق مع الذات و مع الناس و مع الواقع ، و أننا نخلط بين الحلم و اليقظه و وهو مايسميه أطباء النفس بالهلاوس .
مادتنا المضحكة المبكية تذكرنا بعمر ضاع في زمن يهتف للأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة حتى صحونا فوجدناها مجرد هجايص .
تضيف المادة مزيدا من الهجايص فتقول “ويشارك بإيجابية في الحضارة الإنسانية” والمقصود بالذي يشارك بإيجابية في الحضارة الإنسانية هو شعبنا! إن الحضارة الإنسانية تشمل دول العالم غير الإسلامية فيها البوذي و الهندوسي والملحد فهل ضمن المشاركة الإيجابية احترام عقائد هؤلاء المخالفين لنا فلا نحرمها ونقر لهم بحرية العبادة باعتبارهم مساهمين في الحضارة الإنسانية؟ هل سنسمح لهم بإقامة معابدهم في بلادنا كما يسمحون لنا بإقامة المساجد في بلادهم ؟ و هل سنحترم القيم التي أقرتها الحضارة الإنسانية في الدول الراقية ؟
كي ننخرط في الحضارة الإنسانية يجب أن نحترم قيمها فنضع قوانين توقف العمل بأحكام آيات الرق و العبودية مع تجريم الاتجار في البشر و عمالة الأطفال و إعطاء المرأة حقوقها كمواطن كامل الأهلية و ألا يكون مصيرها هي و عيالها موقوفا على لفظ الطالق حسب مزاج الزوج ، و ألا تظل بحاجة إلى ولي ذكر يزوجها … هذه هي الحضارة الإنسانية فهل نحن شركاء فيها؟
المسودة والسلام الإجتماعي
و بالدستور تضارب و تناقض صارخ بين مادتين : المادة 39 التي تكرم الإنسان الميت و تنص على حرمة جسده و حظر الاتجار بأعضاءة ، بينما المادة الثانية التي تنص على الشريعة لا تحرم الإتجار في البشرضمنا ، و لم تضع له الشريعة عقوبه ، و هكذا فالمادة الثانية تهين جسد الإنسان كله بإقرارها العبودية بيعا و شراءا و سبيا لنساء الآخرين مع الفئ و الغنيمة ، ناهيك عن أن كل العقوبات في الشريعة الإسلامية هي عقوبات بدنية لا تطال جسد المواطن فقط بل و روحه و كرامته.
و إذا كان السلم الإجتماعي هو الهدف الأول و الأساس لاجتماع ممثلين لمختلف طوائف المجتمع للتوافق على ما يضمن مصالح جميع المواطنين على التساوي في عقد اجتماعي اسمه الدستور ، فلا بد أن تكون المواد الأولى من الدستور مكرسة لهذا الغرض الأسمى فلا تحتوي على ما يؤدي لحدوث فتن مجتمعية , و يقينا شرها بمواد صارمة تمنع وقوعها أصلا ، بينما سياسة الإخوان والسلفيين و دستورهم الذي يريدون فرضه علينا قرر تقسيم المجتمع المصري حسب ديانة المواطنين ، مادة ثانية للشعب المسلم و مادة ثالثة للشعب المسيحي ، إضافة إلى الملاحدة من علمانيي الطرفين . فإن هذه المسودة . لم يكن على بال واضعيها تحقيق السلام الإجتماعي ، فلم تجرم من يعكر صفوه و يكفر المخالفين في الدين أو الطائفة ، لم تجرم شيخ المسجد الذي يستغل المنبر لتكفير بقية المواطنين . و هكذا أثمر الدستور شعبين قبل أن نعمل به.
لفت نظري أن سياسة التفرقه المجتمعية هي سياسة عرفناها مع الإستعمار التقليدي لبلادنا إسمها فرق تسد ، ثم لفت نظري تطابق سياسة الإستعمار الإنجليزي في مصر و سياسة الإخوان و سياسة الحملة الفرنسية بلا فرق في الآلية التي تميز المستعمر، فالمستعمر عندما احتل مصر وضع لها قانونا من عنده و فرضه قسرا، فعل ذلك نابليون فعل ذلك الإنجلير وفعل ذلك عمرو بن العاص، مثلهم الأقلية البضاء عندما كانت احتلالا لجنوب إفريقيا عندما كانت تضع قوانين بالقسر و الإكراه، والآن أصبحت هذه الأقلية في جنوب أفريقيا مواطنين إضافة إلى صفتهم كمحتلين وضعوا القوانين، فمن يضع للمجتمع قوانين قسرية تخالف تناغمه مع بعضه الذي هو صنعة التاريخ في عادات و تقاليد ، هو محتل مستعمر إلى جوار كونه مواطن. والناظر إلى طريقة الإخوان في فهم الشريعة سيكتشف أن قوانينهم تستند أيضا إلى عادات و تقاليد لكنها عادات و تقاليد و ثقافة البدو و القبيلة المخلوطة بالإسلام . إذن الإخواني وهابي مصري مزدوج الجنسية عندما ينزل ميدان التحرير يرفع علم جنسيته الأصلية العلم السعودي أو الأسود الوهابي . إن قوانين الإحتلال هي قوانين الغرباء ثقافة و تاريخا يفرضونها بشوكة السلطة القامعة . و حسب النظرية الإخوانية فإن الإنجليزي لو حكم مصر بالشريعة لا يكون محتلا إنما هو مسلم إنجليزي . رحم الله أيام مهدي عاكف الذي طظظ في مصر و شعبها مفضلا حاكما ماليزيا مسلما على حاكم مصري مسيحي . لذلك كنت دوما و ما زلت أقول ان الإخوان ليسوا فصيلا مصريا وطنيا بالمطلق و قولا واحدا ، لذلك منذ أمسكت القلم و أنا ضد السماح لهم بالدخول بدين الله إلى المعترك السياسي ، و سعيت كل السعي المدعم بالأسانيد الشرعية و القانونية و المصلحة الوطنية لإثبات أن الإخوان ليسوا أهل ديمقراطية و لا وطنية ( بل هي عندهم من المكروهات ) لنسمح لهم الاشتراك في اللعبة الديمقراطية . بل كان رأيي قبل أن تحدث كل تلك الفوضى في مصر هو أن نضع دستوراً أولا و قبل أي فعل سياسي ، يحرم ويجرم العمل بالدين في السياسة ، لأنهم لا يدينون بالولاء لمصر إنما لمصر التي أعيد فتحها بوثيقة الشاطر ،هي الوهابية فرع مصر.
كيف نعرف الحاكم الوطني من الحاكم الكاره للوطن المحتمل خيانته للوطن ؟ الإجابة بالرجوع إلى موقفه من تاريخ الوطن ، الحاكم الوطني هو من كان مؤمنا بمجد وطنه التاريخي الممتد ألوف السنين في كبد التاريخ القديم و يفاخر بتحتمس الثالث كما يفاخر بالزمن القبطي وثوراته التي لم تهدأ ضد الرومان ، و لا يعلي على ثقافة الوطن أي ثقافة أخرى ، و لا يعلي ثقافة الغازي على الثقافة الأصيلة . إن من يؤمن أن تاريخ مصر يبدأ مع عمرو ابن العاص و يتبرأمن تاريخه القديم بحسبانه عار و من يريد هدم الهرم و تغطية تمثال إيزيس هو خائن للوطن ، هو غريب بثقافة غريبة أعاد فتح مصر و احتلها من جديد .
لقد كان صحابة النبي كلهم أولاد كفار و نكرمهم حتى اليوم فإذا سلمنا مع الإسلاميين بكفر أجدادنا فنحن و الصحابه إذا واحد ، سواء بسواء ، و محمد النبي كان يفخر باسم أبيه و جده و رهطه و عشيرته و يتباهى بأنه حفيد هؤلاء الكفرة ، و لم يتبرأ عمر من أبيه الخطاب و لا أبو بكر و لا على و لا عثمان و لا بقية العشرة المبشرين ، و الإخوان يتبرأون من واحد اسمه فرعون حكم مصر في سالف العصر والأوان قال أنا ربكم الأعلى ،رغم أن هذا الفرعون الذي تحدث عنه الإسلام واليهودية والمسيحية كان مضيافا فاتحا بلاده للأنبياء ليدخلوها بسلام آمنين من إبراهيم حتى المسيح ، رغم ان اعتقادهم هذا في أن هناك فرعون واحد غرق و معه المصريون القدامى هو إهانه مقصودة لتاريخ و طنهم صيغت بسذاجة تدل على أنهم لا يعرفون شيئا عن تاريخنا القديم ، لأنهم غير مواطنين ، ببساطة لأنهم إحتلال يحمل ثقافة و أيدولوجيا لا تريد منافسة وطنية من الثقافة الوطنية .
الأزهر في الدستور
تقول المادة الرابعة ” الأزهر هيئة إسلامية مستقلة ” هكذا تكتشف أنهم لا يضعون دستورا إنما تصورات غير حقيقية بل و كاذبة في مادة تصف الأزهر بما ليس فيه ، لأن الإستقلال هو عدم التبعية و هو الاعتماد على الذات و حرية اختيار القرار و تقرير المصير و هو كله مالا نستطيع أن نتهم الأزهر به . فلم يتم السماح يوما للأزهر بأن يقرر شؤنه بنفسه و هو خادم لكل من يقفز إلى السلطة لأن مشيخة الأزهر محدده بقانون و القانون يضعه مجلس الشعب ، كما أنه لا يملك أن يضع بنفسه قواعد اختيار شيخه ، فإن لم يعطى الأزهر استقلالية حقيقية فلا تبأسوا عندما تصحون على قرار جمهوري بعزل الشيخ الطيب و تعيين نجار مسلح سلفى مكانه ، فالشيخ الطيب ليس محصننا تحصين النائب العام وقد عزلوه وعينوا غيره ، و من لا يملك قراره فهو قاصر لذلك وجب توضيح هذه الإستقلالية في نص يؤكد أن الأزهر هو من سيقوم بوضع قوانينه لنفسه و يختار شيخه من بين أعضاءه .
الغريب أنهم في التأسيسية أعطوا الكنيسة حقوقا لم يعطوها للأزهر ، فالكنيسة تضع قوانينها من داخلها ، و تضع
قواعد اختيار قياداتها الروحية دون الرجوع للدولة سوى للتوقيع الرئاسي على الإختيار الكنسي.
يستطرد النص ليكلف الأزهر ويحمله مسؤولية الدعوة داخل مصر وفي العالم. إذن، لماذا تدعو جماعة الإخوان ولماذا يدعو السلفيون وكل من هب ودب؟ حتى يكون لهذه المادة معنى حقيقي لا بد أن يكون الأزهر مسؤلا عن مراقبة ومتابعة ومحاسبة الجمعيات الأهلية التي تمارس وظيفة الأزهر، ناهيك عن كون السماح بوجود جماعة الإخوان أو باقي الفصائل الإسلامية المشكّلة في جماعات هو أمر مخالف للدستور. ولتفعيل هذه المادة بعد أن تم تحديد المهمة و صاحبها بالأزهر وحده، إغلاق مقار الإخوان والسلفيين ومصادرة ممتلكات الجماعة. فوجود الإخوان أو السلفيين كجماعة دعوية يخالف هذه المادة ويتعدى على اختصاصات الأزهر. لذلك يجب أن نضيف إلى تلك المادة “ويحظر على غيره القيام بذلك إلا تحت رقابته والإشراف المباشر حفظا لوحدة الدين”.
إن الشعوب عندما تكتب دساتيرها تترك أوهامها و تعصباتها و أديانها خارج المجلس المؤسس و لا تقول كلاما كاذبا تتجمل به ، و لا تضمر أحكام الشريعة و تفصح عن الديمقراطية فيأتي دستورا مهلهلا كفيلا بسقوط مصر من أعين البشرية ، مع ما يمكن أن يؤدي إليه من انهيار و صراع مجتمعي تسقط فيه مصر من على الجرف الهار الذي تقف عليه .
elqemany@yahoo.com
القاهرة