من المحزن أن تكون زيارة رئيس الوزراء لطهران خلال الاحتفال بالذكرى الثامنة والثمانيين لتأسيس الجيش العراقي، وحسب الدستور هو القائد العام للقوات المسلحة. وكان نوري المالكي قد أعلن في كلمة له في الاحتفال باستلام المنطقة الخضراء عن خطط الحكومة إخراج المعارضة الإيرانية من العراق حمل كلا الحدثين معاني عديدة فسرها المهتمين بالشأن العراقي بأنه كان القصد منها هدية تمناها نظام طهران كثيرا، يقابلها ضغط طهران على الجماعات الموالية لها في السلطة العراقية لإيقاف محاولاتها الإطاحة بحكومته. قادة النظام في طهران كعادتهم يلقون الدروس في التهذيب والوطنية على أسماع قادة العراق الجديد. فعلي خامنئي، مرشد الثورة الإسلامية في إيران اعتبر أن الاحتلال هو سبب عدم استقرار العراق وهو السبب فيما يشهده من مشاكل. وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن خامنئي قال خلال لقائه رئيس الوزراء نوري المالكي: “اليوم إن الشعب العراقي لن يهنأ بحياة سعيدة وعيش رغيد ما دام المحتل الأميركي جاثماً على أرضه”، مشيرا إلى أن الوجود العسكري الأميركي والبريطاني هو السبب وراء المشاكل الراهنة في العراق بما فيها الإرهاب. وقال خامنئي: “إن مساعي الإدارة الأميركية التغلغل وتعزيز نفوذها وسلب موارد البلدان الأخرى”. واعتبر: “أن تعزيز علاقات الحكومة العراقية مع جميع القوميات والطوائف في العراق، وتنمية وتعزيز العلاقات مع الجيران، يعد من العوامل الحقيقية لقوة وبقاء العراق، وان على الحكومة العراقية أن تستند إلى هذه العوامل من اجل تحقيق أهدافها”.
لسوء الحظ لم نسمع رد السيد نوري المالكي على درس خامنئي الذي بقى متناسيا ما يقوم به نظام طهران من تدخل فج في الشأن العراقي، ابتداء من تمويل وتدريب وتسليح قوات خاصة ومليشيات سقط ضحاياها من العراقيين أكثر بكثير من الذين سقطوا على يد” قوات الاحتلال”. ناهيك أنه لولا قوات”الاحتلال” تلك لما وصل المرتهنون بأوامره والتابعون لأجهزته المختلفة لقيادة العراق والتحكم بمقدراته.
أما تعزيز العلاقات مع جميع القوميات والطوائف، حسب درس المرشد ، فان العراقيين كانوا متآخين بكل قومياتهم ودياناتهم لولا التدخل الإيراني وإرسال الألوف من أتباعه الطائفيين إلى الساحة العراقية منذ سقوط النظام الصدامي لحد الآن، مما روع العراقيين بالنزاع الطائفي أولا، وثانيا كان الأولى به أن يقدم النصح لحكومة طهران التي هو مرشدها الروحي في التعامل مع القوميات الأخرى غير الفارسية بروح التآخي الذي يدعو له الإسلام ، خاصة في “جمهورية إسلامية”.
فيما يخص مساعي الدول التي ساهمت في إسقاط النظام الصدامي في استغلال خيرات الآخرين، فان النظام الإيراني قد بز اعرق الأنظمة الاستعمارية في استغلالها للفراغ الإداري في العراق. فإثناء زيارة المالكي لطهران قال نائب الرئيس الإيراني ان حجم التبادل التجاري مع العراق سيصل إلى 10 مليار دولار. أي أكثر من 16.6% من الدخل العراقي الذي أعلنت عنه وزارة النفط بتاريخ الثامن من كانون الثاني الحالي والبالغ 60 مليار دولار. نشر أحد الكتاب العراقيين عن استغلال النظام الإيراني واستنزافه للاقتصاد العراقي مقالا جاء فيه : “كل أنواع البضائع والسلع وعلى نطاق واسع بدءً من المنتجات الزراعية والصناعية وانتهاءً بالمنتجات الحرفية وقد بلغت حد الإشباع والتخمة وبغض النظر عن حاجة الشعب العراقي إليها”. وقدم الكاتب صورة عن ذلك موضحا حجم الاختراق الإيراني للاقتصاد العراقي بأن الدولة العراقية تستورد طابوق البناء من إيران. ناهيك عن تفاصيل أخرى يصعب الخوض فيها ويستحيل وربما يكفي القول: “إن الأمر وصل إلى حد استيراد الباقلاء المطبوخة. وضمن برنامج التخريب الإيراني، كان الإيرانيون يصرون خلال العامين الذين أعقبا الإطاحة بالنظام السابق على تبادل ما لديهم من بضائع بالمعدات الثقيلة المهربة من العراق وبالمعادن مثل النحاس والرصاص والألمنيوم وغيرها، ثم تحولوا فيما بعد إلى تبادل بضائعهم بالنفط الخام ومشتقاته المهربة أيضا.
أدى تواصل هذا الحال على مدى السنوات التالية إلى خسارة العراق لكل ما يملكه من احتياطات وإغلاق المعامل الصناعية بعد تدمير قدرة المنتج الوطني العراقي وإبعاده عن حلبة المنافسة على الأسواق العراقية”.
نيابة عن رئيس الوزراء على درس المرشد في الوطنية، بادر ثلاث نواب شددوا على ضرورة الضغط على طهران للحد من تدخلها في الشأن العراقي. حيث قال النائب المستقل عز الدين الدولة : “نحن نريد من حكومة المالكي العمل على تفعيل الجوانب الإيجابية، وعكسها على تحريك الجانب الإيراني، للحد من تدخله في الشأن العراقي”. ودعا النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان رئيس الحكومة نوري المالكي إلى اطلاع المسئولين في طهران على مظاهر التدخل الإيراني في العراق، قائلا: “يجب أن يشرح المالكي للمسئولين في طهران ملف التدخل الإيراني، وهو واضح وصريح، لكي يكفوا عن ذلك”. أما النائب رشيد العزاوي قال: “لاشك في إن إدخال أسلحة من إيران إلى العراق فضلا عن تصاعد وتيرة أعمال تهريب النفط، وبعض العراقيين يقفون وراء تسهيل هذه الأعمال”.
شيء مؤثر أن يتباكى الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد على النساء والأطفال والشبان والرجال المؤمنين والعزل في غزه الذين يقصفون ويذبحون من قبل إسرائيل، والسبب كما سماه: ” قادة الاستكبار والقوى الفاسدة والمتغطرسة والجائرة والتابعين لهم”.
ولسوء حظ العراقيين وعار على الجماعات المرتهنة بنظام نجاد بأنه ليس فقط لم يبكِ على ضحايا الشعب العراقي من الأطفال ،النساء والرجال ولا حتى أبدى أسفه على الذين سقطوا بنار أسلحة المليشيات المدعومة والموجهة من نظامه، بالقنابل اللاصقة، الاغتيالات الفردية والتفجيرات المنظمة التي تنفذها المجموعات الخاصة.
فالتلميذ نجاد لا يختلف قط عن مرشده علي خامنئي.
ralamir@hotmail.com
* كاتب عراقي