* صرح عدد من الإخوة في قطر بأن تراب قطر لم يلوث بقدم جورج بوش لأن الرئيس الأمريكي لم يزر قطر خلال زيارته الأخيرة للمنطقة العربية. وهو كلام يمكن أن يضحك حتي الجماد. فعلي أرض قطر قلاع شامخة تمثل معظم الاتجاهات: هناك قلعة قناة الجزيرة التي تمثل ضفيرة الإسلامو – قومجية, وهناك قلعة السفارة الإسرائيلية التي تسمي في قطر مكتب التمثيل الإسرائيلي, وهناك مكاتب حماس والإخوان المسلمين ممثلين في القرضاوي الذي يطل علينا بأطروحات تعكس زواج القطبية للوهابية, وهناك مكتب مقر مؤسسة راند RAND الوحيد في الشرق الأوسط وهو أكبر مركز بحوث أمريكي وكاتب هذه السطور عضو في مجلس إدارته, وهناك أيضا أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم خارج تراب الولايات المتحدة الأمريكية. إذا هناك أكثر من مائة ألف قدم أمريكية وليس فقط قدم جورج بوش علي تراب قطر, ومع ذلك فإن فلول القومجية المتدثرين برداء الدين لا يفتحون أفواههم ولا ينطقون بكلمة ولا يكتبون حرفا لا عن مكتب التمثيل الإسرائيلي في الدوحة. ولا عن مؤسسة راند البحثية والأهم هو صمتهم واضح الدلالة علي أكثر من مائة ألف قدم عسكرية أمريكية علي تراب قطر من خلال القاعدة الأمريكية الرابضة هناك. ما معني هذا؟ معناه أننا لسنا في القرن الواحد والعشرين, وأننا لسنا أمام أفكار, وأننا لسنا في حالة حوار وإنما نحن في القرن السابع أو الثامن أو التاسع, ونحن إزاء غرائز قبيلية تقدم نفسها كأفكار سياسية, ونحن أمام حالة رياء وازدواجية وتناقض وماضوية جعلت من كثير منا مضحكة العالم – والعالم في هذا محق.
*إخواننا المتشنجون في الساحة الثقافية المصرية لا يعجبهم الطريقة التي تعاملت بها مصر الرسمية مع فوضي الغوغاء عند معبر رفح, لم يجرحهم أن حدودهم اقتحمت, ولم يجرحهم أن جنودهم ألقيت عليهم الحجارة, ولم يجرحهم منظر الغوغاء وهم يتدفقون – بالقسر – داخل مصر دون إذنها وعلي غير موافقة مع نظمها وإجراءاتها. وعندما كظمت مصر الرسمية الغضب وسمحت للبخار بالخروج من القمقم ثم أعادت الأمور لمنطق العصر والقانون غضب غرائزيون مصريون ولا أقول: مثقفون مصريون – فهم ليسوا كذلك. وكأنهم أرادوا لوطنهم الوطن هو مصر أن يكون مداسا بلا ضابط. ولم نسمع صوتا واحدا من جانب هؤلاء الغرائزيين يقول كما يقول ويكرر ويعيد ويزيد أبومازن إن وقف الصواريخ العبثية التي تطلقها حماس هو الآن أمر لازم لمصلحة الفلسطينيين ولمصلحة الكل باستثناء اليمين الإسرائيلي.
* كان طه حسين – عميد الأدب العربي ونجم جيل التنويريين – يردد أن من كانت في زماننا هذا مصادر معرفته عربية فقط من المستحيل أن يكون مثقفا عصريا. وحقيقة وجهة النظر الصائبة هذه أن من كان تكوينه الثقافي اليوم بالعربية فإنه يكون كمن أحاط بأقل بكثير بجزء واحد من مائة جزء من مصادر المعرفة الكونية المعاصرة سواء في العلوم التطبيقية أو في العلوم الاجتماعية والإنسانيات, ويزيد من منطقية الفكرة أن تكون المجتمعات العربية كما هي الآن من أقل شعوب العالم إنتاجية في ميدان الترجمة من اللغات الأخري, وأسمح لنفسي بأن أضيف لفكرة طه حسين التي أؤمن بها إيمانا راسخا أن المثقف الذي لم يكن في طور تكوينه الثقافي الأساسي أي من سن المراهقة وحتي نهاية العقد الثالث من عمره قد أوغل في نواحي المعرفة الإنسانية أي ألم بكل أو جل أو بعض ثمار الإبداع الإنساني التي تنتمي لكل مناطق الإنسانية فإنه لا يمكن أن يكون صاحب أفق ذهني رحب وإنساني وعصري. وكما أن هذا التوصيف ينطبق علي من نطلق عليهم في واقعنا صفة المثقفين وبعضهم لا علاقة له بالثقافة بالمعني الذي أقصده فإنه ينطبق بشكل بالغ الخطورة علي رجال الدين الإسلامي في واقعنا. فلو تصورنا أن رجل دين إسلامي من قادة الرأي قد طالع كل ما كتبه المسلمون في علوم القرآن والسنة والفقه الإسلامي وأصول الدين والعقيدة والتاريخ الإسلامي والفلسفة الإسلامية ولكنه لم يطالع ثمار الإنسانية المتعددة في الفلسفة والآداب وعلم الاجتماع وعلم النفس والفكر السياسي والفنون فإنه سيكون بالضرورة ضيق الأفق كما سيكون قابلا للتعصب. ولنقارن بين شيخ للأزهر توفرت له كل المعطيات المعرفية الإنسانية الرحبة مثل الشيخ مصطفي عبدالرازق وبين آخرين لا أحب أن أسميهم – ولنحكم علي الكل من زاوية ضيق واتساع العقل والذهن والفكر. إن جل المثقفين العرب المعاصرين ومن بينهم من يتصدون للكتابة والحوار العام قد تكون مصادرهم بمثابة قناة صغيرة لا تعادل واحد في المائة من سائر قنوات المعرفة – فكيف لهم أن يخرجوا علي الناس بآراء صائبة تناسب العصر ومعطياته؟ وأجزم أن نفس التوصيف ينطبق علي المؤسسات التعليمية المعاصرة لدينا واضعوا الفلسفة التعليمية, وقادة المؤسسة التعليمية, وواضعوا الكتب المدرسية والمدرسين.
* منذ يومين كانت سيدة أعمال سعودية ورجل أعمال سعودي في اجتماع عمل ثم قررا استكمال الاجتماع علي مقعدين وحول طاولة بمحل من محلات ستاربكس المنتشرة في شتي بقاع العالم, وهي جيل جديد وعصري ومتحضر من المقاهي. أثناء الاجتماع هبط علي سيدة الأعمال ورجل الأعمال السعوديين رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعندما تأكدا أن الرجل ليس زوج سيدة الأعمال السعودية, قاما باختطافها وساقوها لمحبس من محابس هيئتهم التي لا مثيل لها علي وجه الأرض. بعد ساعات من الاعتقال وجه رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تهمة الخلوة غير الشرعية لسيدة الأعمال السعودية. أيحق لأحد بعد ذلك لو مارس العالم الحر أي شكل من أشكال الضغوط علي السعودية لكي تكف عن هذا العدوان علي حقوق الإنسان – أن يعتبر ذلك تدخلا في أمور تخضع للسيادة السعودية؟! سمعت بهذا الخبر وأنا بحضرة عدد من ضيوفي أساتذة جامعة لندن فغمرتني سحب سوداء من سحب الهم والغم والعار!
* لا شك عندي أن الحكومة الحالية في تركيا ستكمل مسيرتها في القضاء المبرم علي أية فرصة لتركيا لكي تكون مقبولة أوربيا ويسمح لها عند التباهي مع المتطلبات الدقيقة بالالتحاق بالاتحاد الأوربي. إن الحكومة الحالية في تركيا تخلق سورا من التضاد الثقافي مع أوربا.. ولاشك أن أوربا ليست بحاجة إلي تركيا وأن تركيا هي التي كانت سترتقي بمجتمعها إذا سمح لها بالانضمام بالاتحاد الأوربي.
* الأحكام القضائية الأخيرة بخصوص البهائيين والأشخاص الذين كانوا مسيحيين ثم أسلموا ثم عادوا للمسيحية تفتح باب الأمل في أن نصل لمرحلة حضارية تلغي فيها أية إشارة لدين الإنسان في الأوراق الرسمية.
* أفلج صدري أن يتجه الرأي العام في مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية لاستهجان المظاهرة المنظمة التي قامت بها حركة حماس مستعملة البلدوزر وحاشدة مئات الآلاف لكسر وعبور حدود مصر. وراق لي كثيرا تصريح أحد المسئولين بأن من سيفكر في تكرار ذلك ستقطع يده.. وراق لي كثيرا أن صبية إيران والإخوان المسلمين كانوا وحدهم في فسطاط التعاطف مع من اقتحموا بلدهم ورشقوا بالحجارة جنودهم, فهو موقف يثبت أن السادة أميميون أكثر من كونهم مصريين.
tarekheggy@gmail.com
* كاتب مصري
دانات
أتابع دانات المفكر الكبير طارق حجي بإعجاب وتقدير شديدين ؛ وقد وجدتها (هذه المرة) أكثر من رائعة . إن دفاع طارق حجي المستميت عن الأقليات (منتهكة الحقوق ) فى المجتمعات العربية هو دليل واضح على نزعته الإنسانية شبه النعدمة فى الثقافة العربية المعاصرة (ولدي المثقفين العرب المعاصريين) … مع تحياتي للأستاذ الكبير بيير عقل الذى أوجد واحدة من أكبر واحات الحرية للقاريء العربي أى “موقع شفاف” …
دانات
يارب اكثر من امثالك العقلاء الذين يوزنون الامور بالعقل والمنطق وليس بالشعارات الجوفاء والصريخ والوعيد حتى ترجع مصر دوله متحضره يسودها الامن والامان ويعيس ابناءها مرفوعى الرأس فى جميع المحافل الدوليه ويتباهوا ببلدهم وتعود مصر قويه كما كانت دائما
دانات
مقال رائع يذكرنا بكتابات جيل التنويريين العظام …. تهنئتي ؛ نبيل أباظة
دانات A Sad Moslem
This is the kind of writing we should be guided by to get out of
the tunnel which is impairing our vision in the islamic world
Good on you Mr. Heggy
دانات
السلام عليكم سعيد بعودتكم .احب كتاناتكم و ما تتميز به من عمق.
دانات
This is exactly what needs to be said and fully understood. Thank you Mr. Heggy for a wonderful article.
Samir Ragheb