لاهور- لا تشكّل النشاطات الإرهابية المتزايدة لجماعة “جند الله” الباكستانية المناوئة للشيعة تهديداً للعلاقات الديبلوماسية بين باكستان وإيران فحسب، بل وتمثّل تهديداً لمشروع خط أنابيب الغاز الذي وقّع رئيسا البلدين إتفاقاً بشأنه في طهران في 22 مايو 2009، والذي يصفه الرئيسان بأنه “خط أنابيب السلام”.
وتقول مصادر ديبلوماسية مطلعة في إٍسلام آباد أن طهران قدّمت إلى إسلام آباد إحتجاجاً ديبلوماسياً شديد اللهجة على فشل أجهزة أمن باكستان في تفكيك شبكة “جند الله” الباكستانية التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الإنتحاري الذي تعرّض له جامع “أمير المؤمنين” في “زاهدان” في 28 مايو 2009، وأسفر عن قتل 25 شخصاً وجرح 125 آخرين. وقالت المصادر أن الخارجية الإيرانية استدعت سفير باكستان، “محمد بخش عبّاسي”، إلى مكاتبها في 30 مايو 2009، وأعرب المسؤولون الإيرانيون له عن قلقهم العميق بشأن فشل السلطات الباكستانية في التحرّك ضد شبكة “جند الله” داخل باكستان رغم إعطائها معلومات إستخبارية محدّدة. وقال الإيرانيون لسفير باكستان أنه كان ممكنا الحؤول دون وقوع هجوم “زاهدان” الإنتحاري لو تحرّكت إسلام آباد في الوقت المناسب واستناداً إلى المعلومات الإستخبار ية الإيرانية.
وأبلغت السلطات الإيرانية سفيرَ باكستان أن الإرهابيين الثلاثة (الحاج توتي زاهي، وغلام رسول شاهي زاهي، وذبيح الله ناروج) الذين تم شنقهم علناً في 30 مايو 2009 لدورهم في الإعتداء على المسجد اعترفوا بأنهم نقلوا المتفجّرات من باكستان إلى إيران وقاموا بتسليمها للشخص الرئيسي المتّهم في الهجوم الإنتحاري. وقد اعترف الأشخاص الثلاثة، الذين ينتمون إلى “جند الله” والذين كان قد تمّ اعتقالهم قبل الإنفجار الذي حصل يوم الخميس، بأنهم أمّنوا المتفجرات للهجوم على المسجد في “زاهدان”، وهي عاصمة منطقة “سيستان-بالوشستان” الإيرانية التي تشهد منذ سنوات أعمال تمرّد تقوم بها جماعة “جند الله” التي يرأسها “عبد الملك ريغي”. يُذكّر أن منطقة “زاهدان” تقع على طريق رئيسي لتهريب المخدّرات من أفغانستان وباكستان.
وتفيد مصادر ديبلوماسية في إٍسلام آباد أن قلق إيران من النشاط الإرهابي المتنامي لجماعة “جند الله” التي تتمركز في مناطق باكستانية مجاورة لحدود إيران ظهر في المؤتمر الصحفي الذي عقده سفير إيران “ما شاء الله شاكري” في إسلام آباد في 20 مارس 2009. فقد اتّهم باكستان بأنها تسمح باستخدام أراضيها ضد إيران وطالب بخطوات ملموسة لاحتواء نشاطات “جند الله”. وبعد أن زعم أن شبكة “جند الله” تتمركز داخل مقاطعة “بالوشستان” الباكستانية، فقد طلب “شاكري” من إسلام آباد أن تكبح نشاطات هذه الجماعة عبر القيام بعمل حاسم ضد قيادتها. كما ألمح سفير إيران بقوّة إلى أن الديبلوماسي الإيراني الذي اختفى في “بيشاور” في العام 2008 يمكن أن يكون قد تعرّض للإختطاف على يد جماعة “حند الله”، وهي جماعة إسلامية سنّية معارضة لحكومة طهران الشيعية. وفي اليوم نفسه، علّق ناطق بلسان الخارجية الباكستانية بأن إسلام آباد مصمّمة على عدم السماح لـ”جند الله” باستخدام أراضيها، بأية صورة من الصور، لزعزعة إستقرار الحكومة الإيرانية.
مع ذلك، فالمصادر الديبلوماسية في إسلام آباد تقول أن طهران حذّرت سفير باكستان، في يوم 20 مايو 2009، بأن عدم تحرّك أجهزة الأمن ضد “جند الله” في “بالوشتستان” باكستان يمكن، كذلك، أن يعرّض للخطر مشروع خط أنابيب الغاز بين البلدن. وأشار الإيرانيون إلى أنه لم يتم التوقيع على الإتفاقية الأولية سوى بعد 14 عاماً من المفاوضات، وإلى أنه لم يتم بعد التوقيع على إتفاقية مبيعات ومشتريات الغاز وهي إتفاقية أساسية. ومن جهة أخرى، لا تستبعد سلطات باكستان إمكانية أن يكون هنالك طرف ثالث معني بدعم نشاطات “جند الله” ضد إيران بهدف الإساءة للعلاقات الباكستانية-الإيرانية وضرب مشروع “خط أنابيب السلام”.
من جهة أخرى، تقول مصادر موثوقة في وزارة داخلية باكستان أن أجهزة الأمن تقوم بكل ما يمكن من أجل تفكيك شبكة “جند الله”، ولكنها تضيف أن الجماعة عزّزت نشاطاتها ضد إيران منذ 15 يونيو 2008، حينما قامت باكستان بتسليم “‘عبد الحميد ريغي”، وهو شقيق زعيم “جند الله”، إلى إيران. وتجري الآن محاكمة “ريغي” في إيران بتهمة الإرهاب.
إن مدى إلتزام الأشقاء “ريغي” بقضية “جند الله” يبدو من واقعة أن واحداً منهم- وهو “عبد الغفور ريغي”- نفّذ بنفسه عملية إنتحارية بسيارة في 28 ديسمبر 2008 ضد مقرّ وحدة مشتركة للشرطة وجهاز مكافحة المخدرات في مدينة “سارافان” الإيرانية. وكانت العملية الإنتحارية مختلفة كثيراً عن عمليات “جند الله” السابقة، وكان القصد منها أن تشكّل نموذجاً يمكن أن يحتذيه مناضلو الحركة الوطنية البالوشية، سواءً داخل إيران أم خارجها.
ولدى السؤال عن أصل جماعة “جند الله”، تقول مصادر الإستخبارات في باكستان أن المنظمة تمثّل القومية البالوشية داخل إيران، وأنها معارضة لحكومة طهران. وتضيف أن “عبد الحميد ريغي” قال في الإستجواب الذي خضع له أنه تمّ تأسيس الجماعة للدفاع عن حقوق البلوش في مقاطعة “بالوشستان-سيستان” الإيرانية. ولكن مصادر الإستخبارات الباكستانية تقرّ بوجود “جند الله” باكستانية، وأنها تمثّل واحدة من الجماعات الصغيرة، ولكن المنظمة تنظيماً جيداً جدا، التي برزت في مختلف أنحاء باكستان بعد عملية 11 سبتمبر 2001.
وتضيف المعلومات أن فرع باكستان من “جند الله”، الذي كان يشرف عليه أحد قادة الطالبان “نيك محمد” قبل مقتله، يجنّد عناصره من الجماعات الجهادية والطائفية المناوئة للشيعة مثل جماعة “لشكر جنغوي” التي باتت تقوم بعمليات ضد باكستان بعد منعها من التسلّل إلى أفغانستان وإلى “جامو كشمير”. وكان اللفتنانت جنرال “إحسان سليم حيات”، القائد السابق لفيلق كراتشي، بين الشخصيات المهمة التي سعى “جند الله” لاغتيالها في عملية وقعت قرب “كليفتون بريدج” في 10 يونيو 2004 وتسبّبت بمقتل 11 شخصاً بينهم 7 جنود.
وتشدّد لمصادر الداخلية الباكستانية على ما تقوم به من أجل إطلاق سراح الديبلوماسي الإيراني، وتقول أن الشرطة قامت، في 31 يناير 2008، بمداهمة في مدينة “شاه عبد اللطيف” بمنطقة كراتشي، في محاولة لاستعادة الديبلوماسي حيّاً. وأسفرت المداهمة عن إشتباك سقط فيه شرطيان و5 من عناصر “جند الله”، في حين تم اعتقال 35 إرهابياً ينتمون إلى “جند الله” و”عسكر جنغوي” و”تحريك طالبان باكستان”. ولكن الشرطة لم تعثر على الديبلوماسي. وكان أحد أبرز الذين تم اعتقالهم في العملية “قاسم توري” (27 سنة)، وهو شرطي سابق وأحد أهم قادة “جند الله”. ويُعتبر مسؤولاً عن محاولة إغتيال قائد فيلق كراتشي في 2004. وكانت السلطات خصّصت جائزة بقية 1 مليون روبيه لمن يدلي بمعلومات تسمح بإلقاء القبض عليه.
وبعد العام 2004، ظلت “جند الله” متمركزة في كراتشي، وقامت بعمليات سطو على المصارف لتمويل عملياتا، كما شنّت هجمات ضد مبنى “المركز الثقافي الأميركي”، و”جمعية الكتاب المقدس”، ومركز شرطة “غولستان- جوهر”. وسقط 5 قتلى أثناء عملية قاموا بها للسطو على “بنك الفلاح” في Quaidabad. وتجدر الإشارة إلى أن بعض مصادر الإستخبارات الباكستانية تزعم أن “خالد شيخ محمد” (مخطّط عملية 11 سبتمبر 2001) هو الذي أسّس “جند الله”. وكان “خالد شيخ محمد” قد اعتقل في روالبندي في 2003 وتم تسليمه إلى الأميركيين، وبعدها مباشرةً قامت “جند الله” بتصعيد هجماتها. فبعد العملية ضد قائد فيلق كراتشي، اعتقلت الشركة مجموعة من إرهابيي “جند الله” كان على رأسها عربي يدعى “مصعب أروشي”، الذي تبيّن أنه إبن شقيقة “خالد شيخ محمد” الذي كانت الولايات المتحدة خصصت جائزة مليون دولار لاعتقاله. وقد تم تسليمه، بدوره، إلى الولايات المتحدة، حيث يوجد إبن شقيقة “خالد شيخ محمد” الآخر، “رمزي يوسف”، بعد الحكم عليه في قضية “مركز التجارة العالمي” الأولى في نيويورك.
جدير بالذكر أن العمليات التي قامت بها “جند الله” في كراتشي إنتقاماً لتسليم “خالد شيخ محمد” كشفت وجود شبكة مساندة كان بين أعضائها جرّاح هو الدكتور “أكمال وحيد” وشقيقه الأصغر، المتخصص بجراحة القلب الدكتور “أرشاد وحيد”. وقد حكم عليهما بالسجن لمدة 18 سنة في العام 2005، بتهمة “التسبّب باختفاء أدلة جرمية وإيواء جماعة جند الله الإرهابية المحظورة وتوفير الدعم الطبي لها”. وقد خرجت مسيرات إحتجاج نظّمها أطباء أصوليون في كراتشي ولاهور بعد صدور الحكم عليهما.
وبعد صدور الحكم، تحدث الطبيبان إلى الصحافة قائلين أنهما كانا يتوقّعان الحكم لأنه “جزء من سياسة إسترضاء الولايات المتحدة”. وقالا أنها سوف يستأنفا الحكم أمام محكمة السند العليا. ولكن المحكمة التي أدانتهما كانت تملك أدلة على نشاطاتهما الإرهابية وقبلت الإثباتات التي قدّمتها النيابة العامة بأن الدكتور أكمال قام بمعالجة إرهابي من “جند الله” كان قد أصيب بجراح بعد إشتباك مع قوات “الراينجرز” الباكستانية، وأن الدكتور أرشاد قام بمعالجة “قاسم توري” الذي أصيب بهجوم أثناء الكمين الذي تعرّض له موكب قائد فيلق كراتشي. والواقع أن الدكتور “أرشاد وحيد” خرج من السجن بكفالة بعد سنة واحدة، ولكنه قُتِل في ضربة صاروخية أميركية في منطقة “وانا” الباكستانية في 16 مارس 2009.
ومن المهم جداً ملاحظة أن الإرهابي الأردني “أبو مصعب الزرقاوي” تلقّى العلاج على يد الطبيبين في العام 2003، حينما تمّ نقله من منطقة القبائل إلى كراتشي بعد إصابته بجروح. وكان أبو مصعب الزرقاوي قد أصيب داخل أفغانستان، ولكنه استفاد من رعاية عضو (عن وزيرستان) في البرلمان الباكستاني ما يزال يلعب دوراً سياسياً حتى الآن بناءً على طلب القائد الطالباني “نيك محمد”. وبعد شفائه، نجح الزرقاوي في التسلّل إلى إيران ومنها إلى العراق. ولكن إيران ارتكبت خطأ إذا كانت قد اعتقدت أنه سوف يساعدها في توجيه ضربات للأميركيين. فقد تحوّل الزرقاوي إلى داعية طائفي وقاتل الشيعة بقدر ما قاتل ضد القوات الأميركية.
amir.mir1969@gmail.com