مرة جديدة تسقط «14 آذار» اللبنانية في فخ يحيلها الى جماعة أهلية، بدل ان تكون جماعة وطنية. أول من أمس اجتمعت عوامل كثيرة تدفع الى هذا الاعتقاد. فقد كان يوماً دامياً في بيروت، وشهد لحظات من انكشاف النيات، ومثلت الانفعالات الأولى فيه خيطاً يجمع بين الكثير من المؤشرات الخطيرة.
في البداية لا شيء يلغي ايمان المرء بأن تحركات الفتية في منطقة مار مخايل لم تكن عفوية، ومن الصعب الاعتقاد في ظل حال الاحتقان الحاد ان تكون قوى «8 آذار» بريئة من دفع الشبان الى الشارع، والقول ان هؤلاء كانوا يحتجون على انقطاع التيار الكهربائي في وقت لم يكن التيار الكهربائي مقطوعاً قول لا يقنع أحداً في لبنان. لقد كان تحرك الشبان جزءاً من خطة المعارضة وهي بذلك تتحمل مسؤولية عن ما جرى في الشارع.
لكننا هنا في صدد نقاش مع قوى «14 آذار»، مع أمانتها العامة ومع نوابها ووزرائها وإعلامها. فما يمكن ان يخلص اليه المرء بعد يوم من المتابعة والرصد لكيفية استقبال قوى الغالبية النيابية لوقائع اليوم الدامي في منطقة مار مخايل يؤشر الى ما لا يسر في طبيعة هذه القوى وفي تركيبتها وطموحاتها.
حصلت التظاهرة، وكانت جزءاً من سلسلة تحركات بدأت منذ اكثر من أسبوع. وهي فعلاً رقص على حافة الهاوية في ظل حال الاحتقان. وخطاب قوى «14 آذار» كان إلى حين وقائع الأحد الدامي في موقع المشكك في عفوية هذه التحركات شأنه شأن معظم اللبنانيين، لكنه انزلق يوم أول من أمس إلى اكثر مما يفترض بجماعة وطنية تطرح نفسها على معظم اللبنانيين بصفتها خياراً جامعاً. فجأة جلست هذه القوى خلف متراس أهلي. البيان الذي أصدرته بعد الأحداث يشي بذلك وان لم يعلنه. كلام وزرائها ونوابها المتسرع على شاشات التلفزيون أيضاً لم يكن اقل فداحة. الوزير أحمد فتفت تساءل قبل ان يدقق في المعطيات التي كانت بين يديه عن سر وجود المسؤول في «حركة أمل» أحمد حمزة الذي قتل بين المتظاهرين! في حين تنفي الحركة مشاركتها في التظاهرة، الى ان جاء بيان الجيش اللبناني ليعلن ان حمزة كان يتولى التنسيق مع الجيش ومفاوضة المتظاهرين، وانه حين قتل كان يقف بين عناصر من الجيش اللبناني. خطأ من هذا النوع في لحظة انفجار الاحتقان لا يعتبر تفصيلاً، فهو يضمر حقيقة ان «14 آذار» وفور انفجار الوضع أخرجت جماعة بأكملها من عباءة خطابها. وفي الوقت الذي من المفترض بجماعة وطنية ان تسعى الى منافسة قوى «المحور السوري – الإيراني» على مشاعر هؤلاء الفتية وان تنشط لإقناعهم بأن من يدفعهم الى الشارع لا يمثل مصالحهم، لمح بيان هذه القوى الى حرصه على ان لا يدفع سكان منطقة عين الرمانة المسيحية المجاورة ثمن ما جرى، وفي هذا شبه إخراج لجماعة كاملة من «الجنة الـ14 آذارية» في مقابل تبنٍ قد لا يثمر نتائج مضمونة لجماعة أخرى هم أهل عين الرمانة. وأعاد هذا البيان الذاكرة رمي «الحركة الوطنية» «العزل» على حزب الكتائب في العام 1975 من دون سؤال عن مصير شريحة كبيرة دفعها العزل الى احضان ذلك الحزب.
الحكمة في حال كانت غاية التعاطي الـ «14 آذاري» مع وقائع الأحد الدامي تقتضي طبعاً غير ذلك. إذ ان جهداً لم يبذل لمحاولة الفصل بين الموقف من قوى المعارضة وبين سكان ومناطق أهلية تدين بالولاء الى هذه القوى. ثمة خلط مخيف في المواقف، وهو مترافق مع سعي «14 آذاري» حثيث لكسب جمهور معارض في مناطق أخرى. المشهد يوم الأحد الدامي كان مليئاً بإشارات من هذا النوع. فلماذا لا تشمل منافسة ميشال عون على جمهوره، طموحات بمنافسة حزب الله وأمل على جمهورهما، وان كانت المنافسة الثانية مكلفة اكثر.
الإعلام الـ «14 آذاري» سقط بدوره في هذا الفخ. تحدث هذا الإعلام خلال تغطيته يوم الشغب في منطقة مار مخايل عن متظاهرين مسلحين أطلقوا النار باتجاه الجيش اللبناني، لنكتشف لاحقاً ان القتلى جميعهم سقطوا في الجهة التي من المفترض ان تكون هي من يطلق الرصاص بحسب هذا الأعلام. وقف هذا الإعلام في الجهة المقابلة لمثيري الشغب وحولهم أهدافاً لكاميراته. فرز هذا الإعلام السكان، فحول بعضهم الى جناة وبعضهم الآخر الى ضحايا. والمشكلة ان الوقائع لم تسعف هذا الإعلام، اذ انكشفت عن قتلى بين من كان صوّرهم جناة، وجاء جهده الآخر في السعي وراء مصابين إصابات طفيفة في الجهة «الحليفة» أشبه ببحث عن ضحايا في مقلب الأصحاء والمعافين. الأرجح ان يكون ثمة سلاح ظهر في لحظة الاحتقان، ولكن نتائج الاشتباكات أظهرت ان هذا السلاح لم يُستعمل، باستثناء تلك القنبلة اليدوية التي انفجرت بعد سقوط القتلى.
المشكلة ان «14 آذار» ووزراءها وإعلامها، لم يتنبهوا إلا متأخرين الى حقيقة ان ثمة ثمانية قتلى سقطوا في الجهة التي انسحبوا منها، وان هذا الرقم يتطلب تساؤلات تتعدى حقيقة ان ثمة من دفع هؤلاء الفتية الى الشارع. انهم ضحايا، والوقوف الى جانبهم من دون تردد هو الخيار الطبيعي في لحظة كهذه. بدت الأمور في ساعات المحنة وكأنها سباق تأخرت فيه «14 آذار» كثيراً عن استيعاب ما يجري. والمعضلة ان مرد هذا التأخر هو إخراج هذه القوى الجماعة التي خرج منها المتظاهرون من دائرة شعورها. البديهي بالنسبة للوزير ان يكون قتيل «حركة أمل» من بين المتظاهرين، والبديهي ان يكون بين المتظاهرين مسلحون، والبديهي ان نقف في عين الرمانة لمعاينة ما يجري.
مباشرة أعمال الشغب في هذه المنطقة وهذه الفترة، وعلى وقع الاجتماع الوزاري العربي أمر مريب من دون شك، لكن قوى سياسية تطرح نفسها على اللبنانيين «كل اللبنانيين» بصفتها خيارهم لدولة مستقلة وعادلة وحديثة، من غير المسموح لها ان تضع جماعة لبنانية بأكملها خارج منطقة مشروعها، وان تدخلها الى وعيها السلبي ففي ذلك نفي لما تدعيه. لا تبرر لها ريبتها بالقوى الخارجة من هذه الجماعة، تجاوزها ثابتة انها تطمح إلى تمثيل الجميع.
أخطاء «تقنية» كثيرة سقطت فيها «14 آذار» في ذلك اليوم الدامي، لكنها أخطاء تتطلب الأمانة التوقف عندها. انها من نوع الأخطاء التي توحي بما هو جوهري اكثر، وان العدة صارت جاهزة لنوع من الخيارات التي طردت كثيرين من طموحاتها.
يستجيب هذا السقوط لشروط اللعبة السياسية كما تشتهيها الخيارات المقابلة، . وربما كان الهدف من دفع الفتية الى التظاهر تظهير المشهد على النحو الذي ظهر فيه. لكن السرعة في الاستجابة تؤشر الى هشاشة في الخيارات لم يتسبب الخصم بها فقط.
ثمة ثمانية قتلى الآن على الطريق. هل يمكن لقوى «14 آذار» أن تكون الى جانبهم؟ ان تجعل من قضية التحقيق بمقتلهم قضية من قضاياها؟ يبدو الأمر بالغ الصعوبة لأسباب تتعدى نياتها، فالانقسام والاحتقان ما عادا يتيحان للنيات الحسنة أي مكان. لكن ذلك لا يلغي ضرورة إشعار تلك البيئة أن هذه القوى ليست في المنطقة المقابلة. فمن هذه الحقيقة تتغذى المعارضة، وهي ما تحاول استثماره في معركتها مع الغالبية. ثم ان ذلك سيكون بدءاً للالتفاف على خطأ مؤسس، تمثل في شعور جماعة كبيرة بأن 14 (آذار الحدث وليس الجماعة) حصل من دون ان يكترث لها ومن دون ان يخاطبها. في حال كانت ثمة إرادة للمحاولة، فإن ذلك لن يكون سهلاً، ولكنها الخيار الوحيد أمام «14 آذار» للخروج من عين الرمانة.
الحياة
خيار «14 آذار» للخروج من عين الرمانة
Prime Minister Fouad Sanioura did say the victims were a loss to Lebanon. He did not accuse the fallen demonstartors and he did mounrn them as victims for all of Lebanon. Snioura is one of the top people in 14 March. Beri and Nazrala did distance themselves from the demonstartors at first but then they started insulting the army and Prime Minsiter Sanioura
خيار «14 آذار» للخروج من عين الرمانةحتى ولو بلغ حسن النوايا، او الحس السياسي التواصلي، قمماً لا قمم فوقها، لما استطاع تغيير شيء في المشهد. فإزاء العالم العقلي الشمولي، الذي بنته أو غذته سوريا وايران الحجر بعد الحجر منذ اجيال عند الشرائح “اللبنانية” التابعة لهما، أو المهيئة طائفياً أو مجتمعياً لأن تكون أرضية متقبّلة لهما، الحل الوحيد هو المواجهة. ولا حاجة إلى تكرار التحسر على الضحايا. فالقضية هي قضية حرب هنا، معلنة، جارية، يشنها النظام- العصابة في الشام، على دولة سيدة، تطمح إلى استعادة هويتها الديمقراطية، بعد عقود من الإحتلال والتشويه لهذه الهوية. ولا حرب تواجَه دون ضحايا، للأسف، قد… قراءة المزيد ..