الحمار حيوان طيب ومطيع ووديع ويمتلك صبراً لا حدود له وهو رمز للعطاء بلا مقابل تقريباً لذلك يتخذه الحزب الديمقراطى فى أمريكا شعاراً له .بالاضافة الى أنه قنوع ويرضى بالقليل فليس عنده مشكلة أن يأكل أى شيىء أو أن ينام فى أى مكان والأهم من كل هذا أنه لا يعترض على نوعية من يركبه فهو يدرك أنه مركوب مركوب وهو يؤمن إيماناً عميقاً أنه خلق لغرض واحد إلا وهو أن يمتطى وأن يسير حسبما توجهه عصا الراكب فى طاعة أبديه عمياء ، ولهذا كله يتعرض الحمار كثيراً للظلم والامتهان .
رأيت حشداً كبيراً من البشر يتحلقون مجموعة من الأشخاص يتجاذبون فيما بينهم حماراً مسكيناً ويتجادلون فى صخب لا يخلو من عنف على من يركبه وكان الحمار كالعادة مجللا بالصمت ينظر الى الأرض فى إنتظار حسم هذه المعركة حتى ينطلق بالراكب المظفر الى حيثما يشاء .
كان من بين هؤلاء الأشخاص المتعاركين رجل سمين يرتدى ثياباً فاخرة وتبدو عليه أمارات الصحة والسطوة والقوة يرفع صوته الجهورى ويدعى أنه من نفس البلد التى ينتمى اليها الحمار وأنه يعرفه منذ الصغر وأن أباه كان يأخذه على حجره فوق ظهر هذا الحمار ومن ثم فهو أحق الناس به . لقيت إدعاءات الرجل تأييداً من بعض الحشد من أناس تبدو عليهم أيضاً علامات الغنى ويرتدون نظارات سوداء .
رأيت رجلاً آخراً ذا لحية كثيفة ويرتدى جلباباً أبيضاً وتقف وراءه إمرأة ملفعة بالسواد‘ رأيته يصرخ فى وجه الحضور بأنه يحمل رساله من جهة عليا تأمره أن يخلص هذا الحمار المسكين من سطوة هذا الرجل السمين الذى يستغل الحمار أسوأ استغلال ويسىء معاملته وبدأ يتوعد الجميع بأنه لن يبرح المكان الا وهو وزوجته على ظهر هذا الحمار والا فالموت للجميع وشهر سيفه عالياً وعلى الفور إندلعت من أغلبية الحشد أصوات مؤيده ومباركة .
هناك أيضاً رجل أبيض يرتدى ما يشبه ملابس الكاوبوى الأمريكى يحاجى الجميع وهو يربت على ظهر الحمار بحنان مصطنع أنه أتى لتحريره من الظلم والقهر والهوان الذى يتعرض له وسط هذه البيئة المتخلفة التى لا تعى أن للحمير حقوقاً كما هو الحال للبشر ولقى هذا الكلام إستحساناً من البعض وعندها هم الرجل ذو اللحية للاحتكاك به ولكن الرجل الأبيض أخرج بسرعة مسدساً من جيبه فالتزم الرجل الملتحى الصمت .
ظهر أيضاً من بين الحشد رجل يرتدى نظارة طبيه وبدأ فى القاء محاضرة معقدة عن حقوق الحمار التاريخية فى إطار الصراع الحضارى والمذهبى ومعطيات التحليل المكروكوزمى الهيكلي وتداعيات اللبرالية الراديكالية وافرازاتها المخاطية…. الخ . ولكن أحدا لم يفهمه و لم يلق تأييداً ذا بال فتراجع الى الخلف .
ظهر إناس آخرون من مشارب مختلفة كل يدعى أنه أحق بامتطاء الحمار ولكن بدا واضحاً أن الحمار سيكون على الأرجح من نصيب واحد من الثلاثة الأقوياء إما الرجل السمين أو الرجل الملتحى أو الرجل الأبيض .
وفجأة لاحظت من مكانى أن الحمار يبدو متململاً وغير سعيد بما يحدث حوله وما هى إلا لحظات حتى إنطلق بشكل مفاجىء للجميع نحو ترعة غير بعيدة وانطلقنا جميعاً خلفه نحاول اللحاق به ولكنه كان يبرطع بسرعة غير عادية ورأيناه من بعيد يدرك حافة الترعة ويلقى بنفسه فيها ولما وصلنا إلى ذات الموقع لم نعثر له على أثر. البعض قال أنه إنتحر غرقاً والبعض قال أن الحمار يجيد العوم ولابد أنه عبر الترعة الى البر المقابل وانطلق هارباً بعد أن قرر ان ينعم بحريته لأول مرة فى حياته .
اعترتنا جميعاً حالة من الذهول لما حدث فلم يكن أحد يتصور أن يثور الحمار الى هذا الحد ويعرض نفسه للغرق طمعاً فى الحرية والكرامة .
أصيب الرجل السمين بصدمة كبيرة وقرر مغادرة المكان، وعلى الفور تبعه مؤيدوه من أصحاب النظارات السوداء . البعض فسر هذا بأن الرجل السمين يخشى أن يعود الحمار للانتقام منه على ما فعله به فيما مضى ، أما الرجل الأبيض فقد إختفى أيضاً وقيل فى هذا ان مبرر حضوره قد انتهى لأن الحمار أصبح حراً وطليقاً ، أما الرجل الملتحى فقد بدا سعيداً للغاية وقيل فى هذا أنه يعرف ان الحمار سيعود إليه كى يجرب حظه معه .
والله أعلم .
mahmoudyoussef@hotmail.com
*مستشار اقتصادي مصري