في مثل هذه الايّام، قبل خمس سنوات، وضع الحوثيون (انصار الله) يدهم على صنعاء. وضع هؤلاء نهاية، وان موقتا، لاي محاولة تستهدف تحسين وضع العاصمة اليمنية، خصوصا انّهم لا يملتكون أي مشروع سياسي او اقتصادي او تربوي او حضاري قابل للحياة. كلّ ما يمتلكونه هو تحويل قسم من الشمال اليمني الى قاعدة إيرانية من جهة وتغيير طبيعة المجتمع الذي يوجدون فيه نحو مزيد من التخلّف والتزمت والانغلاق من جهة أخرى.
في مثل هذه الايّام، لا يسع سوى التفكير باهل صنعاء وما يعانونه بعدما اصبحوا اسرى مجموعة اقل ما يمكن ان توصف به ان ليس لديها سوى ما يسمّى “الصرخة” (الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود) التي تعني القتال من اجل القتال او من اجل ان يعلو صوت ايران اكثر في المنطقة. صاروا صوت ايران في شبه الجزيرة العربية التي يعتبر اليمن جزءا لا يتجزّأ منها.
قبل خمس سنوات، لدى دخولهم صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول – سبتمبر 2014، اعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي قيام نظام جديد قضى على ما قبله، أي على النظام الجمهوري في اليمن. لم يكن ينقصه سوى الاعلان عن ان صنعاء والمنطقة المحيطة بها أصبحتا ولاية إيرانية. ينطلق جزء من الحرب التي تشنها ايران على المملكة العربية السعودية من الأراضي اليمنية. ولولا “عاصفة الحزم” التي اطلقها التحالف العربي في آذار – مارس 2015، لكان اليمن كلّه وقع تحت سيطرة ايران، بما في ذلك عدن وميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، المدخل الاجباري الى البحر الأحمر والى قناة السويس.
هل وضع الحوثيين افضل عليه الآن مما كان عليه قبل خمس سنوات؟ الجواب نعم ولا في الوقت ذاته. نعم، لان الحوثيين يفاوضون الآن عن طريق طرح وقف اطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في اتجاه الأراضي السعودية في مقابل وقف الغارات على مواقعهم. فضلا عن ذلك، لا مفرّ من الاعتراف بان الحوثيين ما زالوا يسيطرون على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر بعد افشالهم، بمساعدة مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، كل المحاولات لاخراجهم من المدينة والميناء. الاهمّ من ذلك كلّه ان الامم المتحدة صارت تضع الحوثيين في مرتبة “الشرعية” اليمنية وذلك منذ اليوم الاوّل لسيطرتهم الكاملة على العاصمة اليمنية قبل خمس سنوات. وهذا امر تكرّس مع توقيع اتفاق ستوكهولم في أواخر العام 2018، وهو اتفاق استبعد، باستثناء الحوثيين، كلّ من لديه وزن سياسي او عسكري خارج “الشرعية” التي يمثلّها رئيس انتقالي، لا قاعدة له، هو عبد ربّه منصور هادي.
لا، ليس وضع الحوثيين افضل نظرا الى انّهم لم يتمكنوا من السيطرة على كلّ اليمن كما كانوا يتوقعون. اضطروا الى الحدّ من طموحاتهم في مرحلة كانوا يقيمون فيها تحالفات من تحت الطاولة مع جماعات متطرفة تقيم في حاضنة الاخوان المسلمين في وسط اليمن وجنوبه وأخرى لديها ارتباطات خاصة بهم، من بينها الرابط الهاشمي، في محافظة حضرموت بالذات.
كان الحوثيون مع الانفصال وضدّه في الوقت ذاته. حاولوا استرضاء بعض الجماعات الانفصالية في حضرموت. لكن مشروعهم الكبير فشل نسبيا بعد استعادة قوى عربية ويمنية المكلا من “القاعدة” وعدن والمخا، منهم بالذات، واقتراب هذه القوى من الحديدة وصولا الى تهديدها فعليا في ايّار – مايو من العام 2018.
في الذكرى الخامسة لاقامة الحوثيين امارتهم في صنعاء التي انتقلوا اليها من كهوف صعدة، ثمّة حاجة الى مواجهة الحقيقة بدل الاختباء منها ومحاولة اخفائها. معنى ذلك بكل بساطة الاعتراف بانّ السبب الرئيس لتمكن “انصار الله” من اجتياح صنعاء يعود الى “الشرعية”. كانت “الشرعية” يقيادة عبد ربّه منصور هادي تمتلك وقتذاك ما يكفي من القوات العسكرية كي تتصدّى للحوثيين في جبال عمران قبل وصولهم الى أبواب العاصمة. لكنّ الرئيس الانتقالي فضّل تجاهل الرسائل المختلفة التي وجّهها اليه الرئيس السابق علي عبدالله صالح رافضا التصدّي للحوثيين في عمران فاتحا لهم أبواب صنعاء على مصراعيها. اكثر من ذلك، انتظر عبد ربّه الحوثيين في صنعاء ووقّع معهم ما يسمّى “اتفاق السلم والشراكة” باشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في حينه وكان يدعى جمال بنعمر.
ما لبث الحوثيون ان انقلبوا على “الشرعية” ووضعوا الرئيس الانتقالي في الإقامة الجبرية بعدما اجبروه على الاستقالة، وهي استقالة ما لبث ان عاد عنها بعدما وجد من يخرجه من صنعاء.
خلاصة الامر بعد خمس سنوات من مأساة صنعاء، وهي سنوات تخلّلها ارتكاب الحوثيين جريمة اغتيال علي عبدالله صالح بدم بارد في منزله في العاصمة اليمنية، انّ ليس ما يشير الى ان خروجهم من العاصمة سيكون قريبا. ما يزيد من صعوبة ذلك ان “الشرعية” لم تستطع في ايّ يوم تحقيق أي تقدّم من أي نوع على ايّ جبهة عسكرية. خرجت هذه “الشرعية” من عدن بعد خروجها من صنعاء، فيما ليس معروفا تماما ما الذي فعلته وما زالت تفعله في تعز.
يترافق تراجع “الشرعية” التي لم تستوعب معنى التنسيق مع اهل عدن والمناطق المحيطة بها، خصوصا اهل لحج والضالع مع أسئلة مرتبطة بما الذي يريده بالفعل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وما الذي تريده الولايات المتحدة وبريطانيا في المدى الطويل من اليمن؟
كلّ ما يمكن قوله بعد خمس سنوات على استيلاء ايران، بواسطة الحوثيين، على صنعاء ان ليس في الإمكان مواجهة “انصار الله” بـ”الشرعية” القائمة وبشخص يعتقد انّ في استطاعته ان يكون علي عبدالله صالح آخر. فعلي عبدالله صالح بحسناته وسيئاته لن يتكرّر واليمن الذي عرفناه، كيمنين مسقل كلّ منهما عن الآخر او كيمن موحّد، صار جزءا من الماضي البعيد، بل البعيد جدّا. كل ما هناك ان الأسئلة المتعلّقة بالمستقبل كثيرة. من بينها على سبيل المثال وليس الحصر الى متى تبقى ايران في اليمن وماهي حدود الكيان الذي تسعى الى اقامته… والى اي مدى يظلّ رهانها على “شرعية” غير فعّالة تصلح لكل شيء باستثناء خوض الحروب والمواجهات مع ايران… وتستعيض عنها بحروب داخلية خاسرة حتما؟
مع “شرعية” من هذا النوع، لا حاجة لدى الحوثيين الى أعداء. هناك من يقوم بالعمل المطلوب منهم ويسهّل لهم مهمّة البقاء في صنعاء في المدى المنظور والعمل في العمق من اجل نشر الظلم والجهل والتخلّف على كلّ صعيد في مدينة لا تستأهل ما حلّ بها وباهلها.