الخبر السوري سيكون مصدره الإعلام السوري. هذا نص كلام قاله الدكتور محسن بلال في حواره مع الصحفيين السوريين في أيار/ مايو 2006 مع بداية تسلمه منصب الإعلام. ومن ثمّ ففي هذا الإطار نكتب عن مقتل أو اغتيال، نحر أو انتحار العميد محمد سـليمان مساء الجمعة الماضية في يوم الجيش في 1 آب/أغسطس.
تعددت مناصب الفقيد وصفاته إلى الحد الذي جعل من الصعب معرفة وضعه وصفته ومنصبه الحقيقي حتى على السيدة بثينة شعبان الوزيرة سابقاً، والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري لاحقاً الذي أوجزته بعبارة مختصرة جداً بعد خمسة أيام من خبرٍ أذاعته كل وسائل الإعلام العالمية إلا السورية مكتفيةً بالقول: إن سليمان ضابط بالجيش، وقتل في حادث جريمة اغتيال، والتحقيق ما زال جاريا حتى الآن.
بدا قولها موجهاً وكأنه كلمة ورد غطاها إلى كل الفضوليين الغلاظ ووسائل الإعلام ثقيلة الظلّ غير السورية ولاسيما منهم ذوي النوايا العاطلة والعياذ بالله على النظام السوري ممن يتدخلون على طريقته فيما لايعنيهم من شؤونه الداخلية للنيل من صموده ومقاومته وتعطيل مفاوضاته علماً أن تأخر التصريح الرسمي غير المبرر في هكذا قضية يكون سبباً رئيساً لكثرة الروايات والشائعات الطالح منها والصالح وهو من بدهيات العمل الإعلامي. ومن ثمّ فإن تأخر الإعلام السوري الرسمي منه والرسمي لأكثر من مئة ساعة في إعلان النبأ والتعليق عليه ولو من الدكتور الشعيبي أو الشيخ محمد حبش على الأقل، وطريقته المختصرة والمقتضبة والمحسوبة حرفاً وكلمة التي أعلن فيها يوم أعلن، وإظهار تجاهله وعدم الاكتراث بما كان إظهاراً للتماسك والقوة في مواجهة الحدث بما كان من استمرار الرئيس السوري في زيارته لإيران رغم أن الفقيد هو أحد أعمدة الهيكل فيما هو معلوم وغير معلوم، بل أكثر من ذلك فقد تابع في زيارة ترفيهية سياحية خاصة إلى تركيا وكأن شيئاً لم يكن، وإن كانت حقيقة الأمر من دون شكٍ هي غير ذلك، وكذلك كثرة ماقيل عن مقتل العميد محمد سـليمان المذهل تحليلاً وتعليقاً وتنبوءاً من الخارج السوري، يشير جلياً إلى حالة إرتباك واضحة رغم كل محاولات الجهات الرسمية إظهار غير ذلك تمويهاً وتغطية. أما لماذا الارتباك، فلأهمية الفقيد وكثرة الأقاويل والاتهامات في جو انعدام الشفافية، والشكوك المتجهة نحو أصدقاء السلطة في الخارج من إيران نفسها إلى حزب الله أو في الداخل من رجالات السلطة صراعاً وتصفية فيما بينهم أو نحو الأعداء في الخارج من أمريكا وإسرائيل أو في الداخل من الأعداد المليونية لمواطنين جائعين ومحرومين ومضطهدين ومسحوقين من قوارين المال وفراعنة السلطة.
أشارت السيدة شعبان في طلّتها الإعلامية إلى تحقيقات جارية ليس أكثر، وتركت الأمور مفتوحة دونما موعد، ولكن وهو المهم، هل يعلن النظام السوري نتائج التحقيقات على غير عادته ليفصل بين ماقيل ويقال في الروايات والتفاسير لهذه العملية الغامضة، أم أن الأمر لن يكون أحسن حالاً بأكثر مما كان فيما قيل في حينه عن تحقيقات في مقتل عماد مغنية التي لم يسمع عن نتائجها أحد بعدُ مضي مايقرب من ستة أشهر عليها، ورغم تأكيد السلطات الرسمية السورية في حينها على لسان وزير الخارجية وليد المعلم أن أجهزة الأمن السورية تواصل التحقيق بجريمة الاغتيال، ووَعدَنا بأن نسمع قريباً هذا الجهد الجبار وأن الدولة السورية ستثبت بالدليل القاطع الجهة التي تقف خلف الجريمة.
طريقة تعاطي الإعلام السوري مع مقتل العميد سليمان في كل أحواله انعداماً للشفافية وإخباراً متأخراً وانتقاداً لإعلام الخارج لأنه ليس منضبطاً حسب الطلب، يؤكد قناعة راسخة واعتقاداً لدى مسؤوليه أن الناس مازالت تعيش فترة بدايات البث المرئي في العالم لايرون فيها إلا التلفزيون السـوري ولايسمعون حصراً إلا إذاعة النظام حرصاً منهم فيها على سرعة الخبر وحياديته وتحليله والأهم الصدقية، ومن ثمّ فهم يعاملون ناسهم بهذه الطريقة، وماعلموا أن الدنيا باتت غير الدنيا والأرض غير الأرض والأحداث ماعادت تحتمل انتظار عودة السيدة بثينة شعبان من رحلتها لتقرأ على الناس ماقرأت من أن ضابطاً في الجيش اغتيل وأن التحقيقات جارية. كلام السيدة شعبان رافقه في نفس اليوم الإعلان عن تشكيل لجنة أمنية تملك صلاحيات مطلقة للحصول على أية معلومات أو مساعدات فنية من أي جهة كانت للتحقيق بمقتل العميد محمد سليمان. إعلان التشكيل بما فيه يعطي إشارات بليغة أن العملية كائنا من كان منفذها انتقاماً لمقتل مغنية حسب بعض الروايات أو تصفيات داخلية بسبب المحكمة الدولية أو صراعاً على السلطة أو شيئاً آخر مما لانعلمه ستكشفه التحقيقات أو لن تكشفه، كانت بالغة التعقيد الى الحدّ الذي أعطى اللجنة صلاحيات مطلقة ليس لها حدود بما فيها الاستعانة بأي جهة من دون تحديد.
ضابط كبير بأهمية الفقيد قُتل مساء الجمعة كما قالوا، ودُفن – حسيما نشر- يوم الأحد وحضر جنازته – فيما قيل- أخو الرئيس السوري، ثم بعد ثلاثة أيام من الذي والتي، أي يوم الأربعاء كانت أول إشارة رسمية عن مقتله وتشكيل لجنة أمنية للتحقيق. واعتماداً على الصناعة السورية للخبر أو أن يكون الإعلام السوري مصدره، فإن ما قالوه يعني ضمناً أن الجثة صارت في القبر بعد أقل من 48 ساعة من العملية وحتى أن أخ الرئيس حضر مراسم القبر، واللجنة تشكلت بعد الدفن بثلاثة أيام وتحقيقاتها جارية، أما ظاهر ماقالوه فهو كلام فايت ببعضه وتبدو فيه اللخبطة، ويحتاج إلى وزن كي يستقيم ويكون مفهوماً ومقبولاً. ومن ثمّ فإن مقتضى الجمع بين مضمون الكلام وظاهره فيما أعلنوه يدفعنا للظنّ بأن جثة الفقيد مازالت موجودة ومتحفظ عليها خارج القبر ريثما ينتهي معظم التحقيق على الأقل وأن أحداً ما لم يدفن وإن زعموا حضور من حضر، أو أنّ مادفن هو شيء آخر وأن هنالك فبركة ما سربلت خبراً مصدره الإعلام السوري وخرج إلى الناس والعالم بصناعته السورية.
الخبر السوري سيكون مصدره الإعلام السوري يبدو بعد أكثر من سنتين كلاماً رصيده مكشوف وفاقد الدسم، وشاهدنا تغطية خبر مقتل أو اغتيال العميد سليمان مثالاً ومن قبله عماد مغنية. سيبقى الخبر هذا حاله طالما أن معتقلاً مثل سمير قنطار حمل السلاح وقتل من قتل يخرج من سجون اليهود بعد 30 عاماً من سجن جماعي على الحال الذي خرج فيه معافى في بدنه، مشرقاً متورداً ممتلئاً في وجهه( مربرب)، ومعتقلاً آخر مثل البروفسور عارف دليلة حمل الكلمة وعبر عن رأي رآه يخرج من سجون الممانعين بعد سبع سنوات عجاف في زنازين انفرادية على الحال الذي خرج فيه معتل البدن والصحة وبقايا رجل شجاع مكتوب على وجهه، خرج للتو من قبور محاكم التفتيش، وسيبقى الخبر هذا حاله طالما أن الحرية رأياً وفكراً وكتابةً ترسف في القيود والأغلال، وطالما أن رجالات الرأي والفكر والناس أجمعين محكومون بقوانين القمع والاستبداد وفي ظل إعلانٍ لحالة الطوارئ قرابة خمسة وأربعين عاماً متواصلة.
خبر القتل أو التصفية أو أي كلام آخر وصل وشاع في أنحاء الأرض خلال ساعات، ولكنه احتاج خمسة أيام ليصل من طرطوس إلى دمشق، وانتظار عودة من يصرح به من بلاد فارس، ثم هم قبل ذلك وبعده يعتبون ويتكلمون بزعمهم عن وكالات مفترية ومحطات حاسدة وقنوات تستهدف التضامن العربي فيما أذاعت ونشرت.
الكلام في هذه الحادثة كثير والتحقيقات جارية، وستبقى نتائجها سراً بيد أصحاب الصلاحيات المطلقة من اللجنة الأمنية العتيدة. ويمكن للناس أن يسمعوا عنها إذا قدّر لهم أن يسمعوا عن نتائج التحقيقات في مقتل مغنية.
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري- كندا
خبر سوري من مصدره الإعلام السوري
المضحك في الموضوع أن جميع وسائل الإعلام الرسمية العربية لديها اعتقاد جازم لا يتسرب إليه الشك أن شعوبها لا تستمع إلا لإعلامها ولهذا فهي تقول ما تريده وهي مرتاحة النفس بينما الشعوب العربية لم تعد تدري أن وسائل إعلامها لا زالت على قيد الحياة وعلى حد قول فيلسوف الأمة العربية في هذا العصر الشيخ (عادل إمام )طيب الله ذكره وأطال في عمره في مقولته الشهيرة.
دا ربنا له حاقات