هذا هو الحوار الكامل الذي أجرته وكالة (آكي) الإيطالية مع الكاتب، بعد أن نشرت أجزاء منه يوم 3/3 / 2010 ….
س: على أي أساس برأيكم يقوم التحالف الايراني مع دمشق وهل يمكن أن يتعرض للانهيار؟
ج: يقوم التحالف بين النظامين وفق الخطاب المعلن، كونهما متوحدين حول أولوية القضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب (سوريا ) والمسلمين (ايران) ،وضد القوة العظمى الداعمة لها:(الامبريالية) وفق الخطاب البعثي عربيا و(الشيطان الأكبر) وفق خطاب ولي الفقيه الايراني .
هذا هو الخطاب (الظاهر ) الرسمي المعلن والمسوق إعلاميا وايديولوجيا للنظامين (البعثي السوري والثيوقراطي الايراني )، حيث نظام الخطاب لكلا النظامين متجاوران ويتقاطعان وظيفيا من حيث الأداء والهدف، وإن كانا يبدوان متغايرين فكريا ومعرفيا ،حيث الأول (الإيراني ديني ثيوقراطي )، والثاني ( السوري: يفترض أنه قومي علماني ) ..
إن آلية التقاطع الوظيفي بين الخطابين تتبدى في كون التناقض الوحيد المعترف به وطنيا واجتماعيا وقوميا هو مع الخارج، والخارج هنا هو الامبريالية والغرب الاستعماري (الاستكباري) ،حيث يتوافق النظامين شموليا على كبت وقمع أي تناقض معارض اجتماعي سياسي ثقافي داخلي بوصفه عمالة للأجنبي وخيانة وطنية وقومية ،باسم قيادة العروبة بعثيا ،ومعاداة الله ورسوله باسم قيادة الإسلام ايرانيا ..
إذن فإن المحصلة الموحدة لكلا الأطروحتين هو نشر ثقافة الكراهية للآخر الديموقراطي والليبرالي باسم معاداة الغرب الداعم لإسرائيل .
هذا على مستوى ظاهر نص الخطاب، أما على مستوى باطن نص الخطاب وظيفيا، فهو توظيف المقدس: الديني (ايرانيا ) والقومي (بعثيا سوريا) في خدمة أغراض السلطة وشؤون مصالح المدنس الأرضي… حيث يصل الإستخدام الذرائعي إلى حد توظيف الدم الفلسطيني (غزة –حماس ) والدم اللبناني (الجنوب – حزب الله ) في خدمة مصلحة بقاء واستمرارية الطغم المتسلطة لدى النظامين الشموليين التي لا تتوانى عن القتل والحكم بالإعدام الذي ينفذ اليوم على نطاق واسع في ايران، والذي لا يزال هذا الحكم ساري المفعول قانون (49) ضد كل من ينتسب لجماعة الأخوان المسلمين …رغم أن الأخوان المسلمين علقوا معارضتهم للنظام …
نقول: لقد تم توظيف الدماء في خدمة مآرب النظامين باسم المقدس ،كما حدث بالنسبة للشعبين اللبناني –الفلسطيني خلال المواجهة الإسرائيلية ،حيث لم يتدخل أحد من طرف النظامين لجانب دعم الشعبين اللذين افتديا بدماء أبنائهم وأهلهم وتدمير بيوتهم ومنازلهم مصالح قادة الحرب (الكلامية) الذين اجتمعوا في دمشق ،ليهددوا اسرائيل بالزوال إن اعتدت على لبنان أو غزة…!!
إن النواة الأساسية لهذا التحالف إنما تكمن في صلابة وحدة المقدس اللاهوتي الديني الطائفي الملي الايراني، والمقدس البلاغي القومي البعثي الطائفي للرفاقية البعثية، هذه الرفاقية التي اختزلت إلى مجرد “قناع قومي للتمويه الطائفي” الذي تمارسه أقلوية متسلطة على سوريا، راحت تعتبر إيران موئلا مرجعيا روحيا وعقليا وثقافيا وطائفيا للأسد الصغير الوريث الذي تحول التشيع والتشييع في مرحلته إلى ظاهرة اختراق للثقافة الوطنية السورية، بعد أن بات يوحده مع ملالي ايران وحدة الكراهية للمحيط العربي الأكثري (السني )، وليس كما يتوهم بعض الباحثين الأوربيين والأمريكيين الذين يتحدثون عن (ايران الشيعية) و(سوريا السنية)، مفترضين وكأن الأكثرية السكانية السورية تمثل الهوية السياسية لسوريا، جاهلين أو متجاهلين أن موضوع التشييع قد بلغ مداه في زمن الابن الوريث، حتى لم يعد مدعاة للسرية إطلاق بيانات تتكهن بتشييع نصف سوريا حتى سنة 2050 ، سيما وأن الأسد الوريث أمين لرغبات أبيه في أبدية الاستيلاء والتغلب عل ىسوريا، ولذا فهو يصدر للسوريين صورة ابنه الطفل الحفيد (حافظ ) كخطيب مفوه لخطب الجمعة إذ تخرجه جوامع حلب (سيف الدولة الإثني عشري)، لكي يطمئن المواطن السوري على مستقبله الآمن في ظل السلالة الأسدية، مكرها طفولته البريئة على التكيف مع عُصاب أبيه المهووس بانبعاثات بطولات (الأكشن) الجهادية الثأرية (الحسينية : يا لثارات الحسين) المعززة ببركات آل البيت وإلهامات الولي الفقيه ووكيله الجهادي في لبنان بالتزامن والتناظر مع وكيل الولي الفقيه الثاني في العراق الموكل بصداقة الشيطان الأكبر هناك، ضد البعث الصدامي الكافر المختلف عن البعث الحليف الأسدي (المؤمن) …
وهذا ما يفسر لنا تلك التمثيليات الدرامية الهابطة السيئة الإخراج والإنتاج والتأليف عن حكايات وسرديات تفوح منها رائحة أضرحة الماضي الوسيط … هي وجه آخر للدلالة الرمزية الهابطة اعلاميا عن صلاة نجاد في جامع سني في دمشق، بهدف إحياء فولكلور عامي آبد، كان إشعاع الثقافة الوطنية المدنية السورية قد خلفها على مزابل نفايات التاريخ، هذه النفايات التي يريد آل (البيت الأسدي- النجادي) أن يعيدوا لها مجد الطوائف وبهاءها من خلال تحويلها إلى منابر لديوك مهجورة : بدءا من التكريس الرسولي لمارونية الجنرال عون في ضواحي حلب (مار مارون)، بتنصيبه مطرانا (قوميا –جهاديا )… ومن ثم التخصيب الجهادي الإلهي من خلال تكريس تحالف الهي لأل البيت الشيعي (نجاد -نصر الله) مع آل بيت البعث (العلمانو-طائفي).
وعلى هذا فإن التحالف بين النظامين (الإيراني –السوري) لا تتحكم فيه وحدة الاستراتيجيات الشمولية والشعبوية (النضالوية) القائمة على فبركة صناعة الهوية بدلالة التناقض مع الخارج (العروبي-الاسلامي) الذي يتآمر على الرسالة الإلهية في شوارع إيران، والرسالة القومية الخالدة في بهو الذاكرة التي تريد من هذا التحالف أن يستولد نموذجا مضادا لرمزية دمشق عاصمة الأمويين العرب إلى عاصمة ترمز لـ(الثأر الحسيني) الفارسي …
نقول :إن هذا التحالف لا يقوم على وحدة البنية الشمولية لكلا النظامين فحسب، بل على الوحدة الداخلية المستندة إلى هذه الإلفة النفسية التي ينتجها نظام القرابة الطائفية المستريحة في مخادع الذاكرة المشحونة بالثأر، تجعل من التحالف حاجة نفسية متبادلة بين الإثنين يتبادلان فيها رفع المعنويات والعزائم والهمم الكفاحية بحضور ميليشياتهم الجهادية الذين يرفعون مسألة المظلومية الوطنية والقومية لتكون مأساة كونية، توحدهم ضد العالم المجمع على وضع حد للتهريج (النجادي) الإيديولوجي الميلودرامي الذي يستعلن نفسه دولة تتنافس مع (الابن لادنية) على قيادة العالم، لأنه من الصعب أن تميز بين الرسالتين (الإلهيتين: الولايتية والقاعدية)، التي هي في المآل ليست سوى تكفير العالم ومن ثم الاقتتال على من يحكمه: تحت ظل ولاية الفقيه أو ظل ولاية أهل الحل والعقد المجمعين حول القيادة الأسدية-النجادية للصمود والتصدي وتحرير فلسطين…!
هذه المنحنيات الباطنية لا يستطيع العقل الوضعي المنطقي الأوربي والأمريكي أن يجتليها ليفسر سر هذه العلاقة العضوية بين من يفترض نقيضين (الثيوقراطي الولايتي والعلماني البعثي !) دون الغوص إلى الأعماق للعثور على الصندوق الأسود للوحدة المذهبية التي يهجس بها العقل الأقلوي للطرفين الطائفيين (ايرانيا وسوريا) تجاه المحيط الإسلامي والعربي الأكثري …
بل إن العلاقة مع تركيا رغم أنها فرضت حضورها بالقوة العارية التهديدية للأسد الأب، ورغم أنها بدت انصياعا وتخاذلا أسديا متصاغرا : أمام الصلف العسكري التركي، لكنها تم توظيفها ايديولوجيا وسياسيا كمعادل للإيحاء بالتوازن الطائفي مع إيران، لإظهار عدم التبعية والإلحاقية الطائفية للمرجعية الشيعية الإيرانية، وهذا الأمر ليس تأويلا للاوعي الثقافي للتشيع السياسي الحركي الذي بعثته الخمينية لتجديد الرسالة الفارسية القومية المؤيدة: سوريا/بعثيا/أسديا…إلخ
بل إن ما يفسر ويبرهن على هذا الإستلحاق الطائفي، هو دعوة مؤسس السلالة الأسدية الأب للشيخ زايد بن سلطان كي يتنازل عن الجزر الإماراتية لإيران، كما ويفسر الحملات الإيديولوجية والسياسية التي تطلقها الأجهزة الأمنية الأسدية للدفاع عن الحق الإيراني في هذه الجز، بل الدفاع عن مشروعية التعصب والتصلب والإصرار الإيراني نحو مسألة التسمية الخلافية للخليج : الخليج الفارسي أو العربي…. حتى أن الخطاب الأمني يتحدث عن سطو عربي بدوي على تسمية الخليج…
بل إن الخطاب الأمني الطائفي يحاول أن يرهب الخطاب العروبي (البعثي) عن طريق تصوير العروبة بوصفها معادلا لـ(السنية)، والسنية بوصفها معادلا للبداوة، وأن العروبة- والأمر كذلك- ليست سوى المعادل للبداوة والمذهب السني…. هذا ما يتداوله ويسوّقه اليوم الخطاب الأمني الطائفي في سوريا. إذن ثمة تناسج لعوامل أكثر من عامل المصالح مع إيران إنه عامل التواشج العصبي والعصبوي، وإلا فإن مصلحة سوريا الطبيعية هي مع محيطها العربي، ومن ثم المحيط العربي الخليجي الذي هو أكثر مردودية ربحية ليس لسوريا الوطن فحسب ، بل ولطغم اللصوص المتسلطة والمقاولة بالعروبة والقومية والقضية الفلسطينية من قبل العصابات الحاكمة نفسها ذائعة الصيت بالرشوة والفساد كما هو معروف حتى لأهل الخليج شعوبا وحكاما ، ومع ذلك فهم يدفعون إتاوات (الخوّة والبلطجة) للخطاب القومي البعثي الصدامي والأسدي سابقا…
فسرُّ هذا الترابط إذن هو ترابط وشائجي عصبوي ثقافي طائفي كامن وراء التغاير والتنافر القومي (فارسي/عربي) والاختلاف الفكري والسياسي (دولة دينية/ دولة علمانية مفترضة)، حيث (الباطنية أسديا طائفيا/ والتقيّة الشيعية ايرانيا) تشكل العقدة في سلسلة الأمان النفسي لنظامين مذعورين من عزلتهما الأقلوية في محيطهما الإقليمي والعالمي… بل إن هذا الرابط الباطني (الحبل السري) يدفع بالحميمية الأهلية العصبوية لأن تسقط الأصول البروتوكولية والدبلوماسية للعلاقات التمثيلية للدول، إذ يحضر الشريك الطائفي اللبناني الزعيم الميليشاوي (حسن نصر الله) لقاء رسميا بين من يفترض أنهما رئيسا دولتين.، حيث الإثنان (نجاد –أسد) -والأمر كذلك- لا يعترفان بالكيان السيادي للبنان إلا ما يتراءى لهما فيه من ساحة للمواجهة مع العالم والمجتمع الدولي .
س: كيف تقرأون الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني إلى دمشق واجتماعه مع قيادات حزب الله وبممثلي حماس والفصائل الفلسطينية؟
ج: على ضوء وقائع المعطيات الوشائجية الثقافو- طائفية، يمكن فهم زيارة نجاد إلى سوريا ولقائه بأنصاره حماس وحزب الله وباقي الفصائل الفلسطينية… حيث يمكن فهم هذه الزيارة بمثابتها نوعا من اللوذان بأهل البيت الأقربين، لاستشعار الأمان من غدرات الزمان ….إنه نوع من البحث عن الأمان والإستقواء النفسي الإيراني بحلفاء كانت إيران قد استثمرت الكثير من الأموال لديهم لشراء عظمتها القومية… وإلا فإنه من الخرافات الفولكلورية والهراء التمجدي للذات، أن يقدم أطراف لقاء المحور الإيراني في دمشق أنفسهم بوصفهم أركان حرب ليس ضد العالم الغربي الامبريالي- مثلما كان عليه انقسام العالم أيام الحرب الباردة- بل ضد العالم قاطبة الذي لم يبق لهم من مراهنة على الخروج من عنق زجاجته سوى أرجحات الجذع الصيني…
فأركان الحرب الذين التقوا في دمشق، سبق لصدام حسين وجيشه أن هزمهم، وهو الجيش (العراقي) الذي لم يصمد أسبوعين أمام قوات التحالف الغربي…والمضحك المبكي في الأمر أن عنترة العربي (القومي واليساري والإسلامي) أقلع عن التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود ورميها بالبحر منذ نصف قرن، بل إن أبطال الصمود والتصدي – منذ عقود –يتعرضون للطمات الجزمة الإسرائيلية على جباههم، ومع ذلك لا يفعلون سوى الإعلان بأنهم لن يبقوا مكتوفي الأيدي… حيث خلال هذه الفترة لم تستطع اسرائيل أن تجرهم لاستفزازاتها على حسب التعبير البعثي النموذجي…حتى ولو كان اللعب بطيرانهم فوق سطح (بشار الشجاع)، لأنهم هم من يحدد التوقيت…إذن هل قرر عنترة العربي (الناصري والبعثي والجهادي لاحقا) –وفق تعبيرالصياغات المجازية المتهكمة للراحل نزار قباني – أن يوكل مهمة تحديد الوقت لإزالة إسرائيل إلى معاونه( شيبوب) الإيراني نجاد …!؟
فما دام (شيبوب) إيران قادرا على إزالتها، فماذا ينتظر؟ لماذا الوقوف متفرجين على آلام الفلسطينيين ومآسيهم ودمائهم التي كانت تجري في غزة، في حين أن الولي الفقيه (الخامنئي) يصرف الجموع الشعبية الطيبة المتحمسة لحرارة الخطاب للعودة إلى بيوتهم والدعاء لأهل غزة بالنصر…!