لقد تغيرت ايران بين يوم وليلة بسبب حركة الاحتجاج وما كشفته عن المعارضة في المجتمع الايراني. فالتغير الذي نراه في الشارع الايراني تراكم منذ سنوات طوال، فهو تعبير عن معارضة سياسية واجتماعية وسط مجتمع اغلبية سكانه ولدوا بعد ثورة ١٩٧٩. لقد بدأ الجيل الايراني الجديد يكتشف ان نظامه السياسي اصبح في السنوات القليلة الماضية اكثر مركزية و اميل للانغلاق والتصادم مع الخارج. الايرانيون اكتشفوا ان الحرية هي القيمة الاهم التي لا يمكن لنظام سياسي مهما كان غطاؤه ان ينجح في تطوير نفسه والحفاظ على امنه ان حاربها وان تصدى لها. هذا اساس مشكلة الانقسام في ايران اليوم. وهذا يفسر لماذا لم ترفع اي من المظاهرات الكبرى التي جابت شوارع طهران صور المرشد او اي من الشعارات الاسلامية التي ولدت مع الثورة او حتى صور الامام الخميني. هناك تغير في ايران، وهذه بداية في طريق طويل.
مع وقوع الازمة في ايران سألت أصدقائي الايرانيين القاطنين في ايران، والمغادرين بين الحين والاخر لحضور لقاءات علمية واكاديمية عن الذي يقع وافاقه. سمعت منهم ما يؤكد صراع الاتجاهات في ايران، وعن ضيق الشباب من القيود على الحريات والقيود على الحياة والقيود على الاختلاط واللباس والرأي وحقوق الانسان . اسمع منهم كلاما: ” نحن مثل مصر قبل حرب ١٩٦٧، نبدو اقوياء في الخارج منغمسين في تطوير قدراتنا العسكرية ولكننا ضعفاء في الداخل ومفككين نعيش تحت حكم المخابرات والميليشيات”.
اسأل محدثيي عن ولاية الفقيه وعن المرشد. فتأتي الاجابة دون تردد: “انها صلاحيات تتجاوز القانون، مدعمة بالمخابرات وسلطة الحرس الثوري وتعكس نفسها في الكثير من التدخل في حريات المواطنين، فالمرشد من مكتبه سيطر على كل شيئ، و حول رئيس الجمهورية الى فاقد لكل الصلاحيات. نحن في صراع داخلي لن يحسم الا بتراجع صلاحيات الفقيه الذي لا يأتي من ارادة شعبية وانتخابات. فنحن نبحث عن ديمقراطية حقه مصدرها الشعب من خلال انتخاب رئيس للجمهورية لديه الصلاحيات، ونبحث ايضا عن برلمان يمتلك هو الاخر صلاحيات، ونبحث عن حريات وحقوق مصانة، اذ لا تناقض بين الاسلام والديمقراطية والحقوق والحريات.”
ويتعمق الحوار مع الايرانيين الذين هرعت اليهم لافهم المزيد والتعرف على ما هو اعمق. فيكمل احد محدثيي: “ الكثير من الايرانيين على الصعيد الشعبي وبسبب اخطاء للنظام في السنوات الاربع الماضية وبسبب فشل محاولات خاتمي قبل ذلك تحقيق ادنى الاصلاحات( بسبب تحكم المرشد بالقرار) اصبحوا اقل التزاما بالايديولوجية السياسية الاسلامية الراهنة والسائدة في النظام بشكله الراهن..”
وقد فاجأني احد هؤلاء الاصدقاء اثناء نقاشنا منذ ايام: “ستبرز اول جمهورية اسلامية علمانية ديمقراطية في الشرق كله من ايران، لن يقع هذا الان سيأخذ الامر سنوات من العمل. ستكون تلك الجمهورية اكثر عمقا في علمانيتها واسلاميتها من الديمقراطية في تركيا، لان هذه العلمانية الاسلامية الديمقراطية ستأتي بعد تجربة مريرة مع نظام اسلامي انغلق على نفسه وتدخل في حقوق الناس بالقعم بحجة تطبيق الشريعة. ستكون القناعة بالشيئ الجديد اكثر تباتا من اي مكان في الشرق. اذ سيكون الاساس هو التنمية والاقتصاد والانفتاح معا.”
ثم اردف:” انتم في العالم الاسلامي وخاصة العربي تسيرون في موجة الاسلام السياسي وفق منظور متشدد ومعاد للتجديد والتأويل ويركز على الفرض والاستخدام السياسي للدين، اما في ايران فنكتشف كل يوم النتائج السلبية لهذا علينا. نحن في بداية خروجنا من هذه الموجه بينما انتم لا زلتم فيها.”
فأقول لصديقي: “ ولكنكم بدأتم قبلنا، من الطبيعي ان تخرجوا من النفق قبلنا، انتم السابقون ونحن اللاحقون. ”
فيوضح لي: “ هذا صحيح، نحن في اول المواجهة من اجل التجديد والتغير. لكن الذي تغير في مظاهرات الاسبوع الماضي ان حاجز الخوف انكسر بين شباننا وشاباتنا. لم يعد الاحتجاج ممنوعا، لم يعد التعبير كفرا، لم يعد النقد هدما، اصبحنا قادرين على مواجهة الة القمع واحداث انجازات اعلامية وشعبية، وهذا هو اول الطريق في نيلنا لحريتنا وتحصيل حقوقنا”
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
shafgha@hotmail.com