هذا النص الكامل للمقابلة التي نشرها العدد الاخير من مجلة الوطن العربي – عدد 9 ديسمبر – بعد أن قام الرقيب بحذف بعض المقاطع منها
1—ما هو واقع حال المعارضة السورية.. سمِّ الأمور بأسمائها: جبهة خدام.اخوان البيانوني.. معارضة منتصف الطريق المسماة اعلان دمشق..
-أكرر أنني لست ناطقا باسم المعارضة، بل إنني دائما أعتبر نفسي منشقا أبديا، حيث أن صلتي بالسياسة سلطة ومعارضة تتأتى من موقعي كمنتج للثقافة والفكر الذي لا يمكن له أن يختزل إلى مجرد معارضة للسلطة سياسويا، بل لابد من القطيعة المعرفية والثقافية التي تؤسس رؤية مغايرة للعالم والمجتمع والسياسة، وذلك بالتموضع على الطرف النقيض من المنظور والممارسة الشمولية الفاشية لنظام انحل إلى مستوى العصابة.
وعلى هذا فإن أي معارضة لكي تكون ذات معنى في سوريا يجب أن تكون منقطعة عن السلطة بنيويا: وطنيا وسياسيا وثقافيا وأخلاقيا،أي تتطهر منها تطهيرا… ولعل هذا المنظور هو الذي يجعلني منشقا-أيضا- على المعارضة التي لم تتمكن من التأسيس لهكذا منظور وهكذا ممارسة، إذ أن هناك قطاعات واسعة داخل هذه المعارضة بما فيها قطاعات موجودة في (إعلان دمشق) لم تحسم أمورها في فهم المسألة الوطنية والقومية، حيث لا زالت تعتقد أن الموقف الوطني أو القومي إنما يتحقق بدلالة التناقض مع الآخر الخارجي، رغم أن هذا التناقض نفسه لا يتجاوز منطق الخطابة والطبلة والربابة، وعلى هذا يغدو شأن الحريات في سوريا منوط بما يتحقق أو يتقرر على الأرض في بغداد وغزة أو في شبعا…!
وذلك كما ترغب طغم عصابات النظام أن تصدر أكاذيبها الوطنية والقومية من الجولان إلى لبنان….حيث لم تستطع المعارضة أن تبلور مفهوم: إن المعركة من أجل المستقبل الوطني والسيادة والديموقراطية في سوريا يبدأ من تحرير دمشق التي هي أولوية الأوليات لأي معارضة سورية وطنية ديموقراطية نزيهة بحق!
وعلى هذا فإن جبهة الخلاص التي تتفكك-بدورها أيضا- بتياريها القومي (خدام) والإسلامي(البيانوني) لم تستطع أن أن ترتقي لمستوى هذه الأسئلة، التي كانت تتطلب نقد التجربة الذاتية لدى خدام بل والنقد الذاتي لكل التيار القومي في سوريا بفرعيه البعثي والناصري، حيث لم يقم بأية مراجعة تتعدى الحدود السياسية (اللفظية الشعارية)، حيث تبدو مفردة الديموقراطية وكأنها لصقة خارجية على نظام خطابهم السياسي، وذلك للإبحار المعرفي باتجاه فلسفة الأعماق للكشف عن جذر الهزائم الكامنة المتمثلة في الاستبداد، ولو أن الأمور بلغت الحدود النظرية المعرفية الأولى لما حدثت تلك القفزة في الفراغ لدى الأخوان من حرب الدم مع النظام إلى تصديقه بأنه نظام ممانع ومقاوم همام… إن الرؤية الجذرية التي تتجاوز خطاب السطح السياسي كانت تتطلب مزيدا من الحفر التنويري عن إسلام نهضوي كانت ولا زالت تتبرعم مؤشراته من خلال النموذج التركي وليس الإسلام الثيوقراطي القوماني المذهبي لملالي ايران…إننا طالما كنا نراهن على الدور الإخواني في الكشف عن الطائفية والمذهبية العتيقة والمقيتة التي كان يسوقها النظام الإيراني في خدمة مشروعه الإقليمي القومي داخليا وخارجيا، لكنهم مع الأسف سجلوا تراجعا فكريا وسياسيا من خلال العودة إلى المصادقة اللفظية القوموية الشعارية للمحور البعثي(الطائفي السوري)- المتحالف طائفيا مع التهييج المذهبي الملتي الإيراني الهذياني الذي أعاد ويعيد المنطقة إلى حروب الألف وأربعمئة عام بين المذاهب والملل والنحل، حيث كان يفترض بالإخوان الذين راهنا على دخولهم المعركة الأساسية للحريات الديموقراطية في سوريا ضد الطائفية التسلطية والاستبداد، أن لا يخذلوا الحراك الديموقراطي بهذه القفزة التحالفية مع النظام في الفراغ، والذي لا يمكن أن يكون إلا فراغا ما دام ثمة مراهنة على وطنية النظام وممانعته (يتمنعن وهن الراغبات)، رغم العلنية الإسرائيلية في الدفاع عنه وتبنيه….
2–هل قضي على المعارضة ان تكون هامشية لا تأثير لها؟
إن درجة حضور المعارضة أو هامشيتها، مرتبط بدرجة حضور المجتمع السوري وغيابه في العملية السياسية السورية، حيث تمكن النظام الأمني الطائفي باسم المعركة مع حفنة من المقاتلين من الطليعة الاسلامية المقاتلة، أن يثأر بل ويدحر المجتمع السوري الذي قدم من الضحايا (30 ألف قتيل) و17 ألف مفقود، وعشرات آلاف المعتقلين والمسجونين لعشرات السنين، مما يدعو للدهشة إعجابا بهذا الشعب العظيم القادر على إنجاب نساء (د. فداء حوراني)، تجبرهم شجاعتها على ارتكاب حماقة اعتقالها الذي فضح وعرى كذبة سطوتهم…حيث لم يتمكنوا من هزيمة المجتمع إذ يكفي أن تتراءى أمامهم ذكريات أزمنة الحرية التي عاشتها سوريا حتى زمن انقلابهم على الحرية، ليستثار عصابهم الهستيري الجماعي والرغبة في قتل الأب، قتل الأب الرمز من خلال حبس ابنته، ابنة من حررهم من قنانتهم العبودية : أكرم الحوراني الذي دفعته حميته الوطنية أن يتجاهل ارث القنانة والعبودية عندما عتقهم من ماضيهم، فيتجاهل حكمة المتنبي القائلة : لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد أنجاس مناكيد
ويتجاهل حكمة أزمنة القهر والوضاعة التي لم يكن أحد ليتخيل أن سوريا يمكن أن تحكم من قبل أوباش يستعيدون حكمة أزمنة الوضاعة بكل هذه السفاهة، ليأتي أناس متسلطون يبرهنون على صدقية حكمة اللؤم: “اتق شر من أحسنت إليه”..
3– هل النظام السوري بتركيبته الطائفية هش أم قوي..؟
– إنه قوي على شعبه الأعزل بحكم ثلاثية التحالف: بين الجيش والمخابرات وايديولوجيا عصبوية تحقق دمجا طائفيا، ونقصد بالطائفية : الطائفية السياسية وليس الطائفية الدينية…، في حين أنه كان من المراهن على البعث أن يحقق الدمج (الوطني والمواطنوي)…
–
– بينما هو نظام رعديد بلا كرامة يكفي مؤسسه (الأسد الأب الطاغية) مأثرته (هزيمته) من خلال قيادة الجيش في هزيمة حزيران، حيث لم تخجله هذه الهزيمة من أن يرفع نفسه إلى رئيس جمهورية…ويكفيه هوانا ومذلة ذعره أمام زمجرة العسكر الترك حتى وصل للتخلي القانوني عن اسكندرون… ويكفي الابن وراثة لـ(شجاعة) أبيه، أنه في اليوم الثاني لوصفه قرار الدعوة إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، بـ”أنه قرار تافه” حتى كان في اليوم الثاني يكلل جبين الجنود السوريين بعار الانسحاب المخزي الذي لم يقبل به من قبل سلما وحقوقا للشعب اللبناني، حيث لم يقبل بالانسحاب إلا انصياعا وجدعا للأنف…
–
4–من يحكم سورية أمنيا..المخابرات العامة أم المخابرات العسكرية أم.. ام..سمي لنا الأسماء ؟
-ليس مهما أيهما الذي يحكم…! إذ المقارنة بينهما ليست إلا مقارنة بين المخلب والناب، وهم لا يستحقون ذكر أسمائهم إلا على جداول محاكمات المجرمين بحق الإنسانية التي تنتظرهم…وأظن أن غيري هو الذي يضطلع بتشكيل قوائم المجرمين هؤلاء بحق الشعب السوري واللبناني والفلسطيني والعراقي!
5—هل بشار يحكم صوريا وهو واجهة لا تصلح إلا لإرتكاب الأخطاء والخطايا ؟
-الشاب يحكم برمزية طغيان أبيه دون أية مميزات خاصة، سوى أن أباه ورثه بلادا قد(تمأسس) فيها الفساد، و(تقونن) انعدام القانون، و(تدستر) فيها انتهاك الدستور، بعد أن أمن لها طاقم العصابة التي يمكن أن تنصاع إلى إدارته وإرادته الطائشة والهوجاء التي يراهن على حماقتها أكثر من رشد المعارضة كما كنا قد عبرنا، لقد أمن الأب لوريثه طغمة من اللصوص تتوحد حول دوائر متوالدة عن بعضها، حيث تبدأ الشراكة من العائلة فالطائفة فقادة الأمن والعسكر والحزب…
6–كيف يمكن لأي تغيير أن يحدث وسط الخوف السائد والروح الإنتفاعية القاتله..؟
-لم تكن رومانيا شاوشيسكو أقل إشاعة للخوف وتوسعا للانتفاعية من نظام آل الأسد
7—لماذا خيارنا دائما بين الحكم الأمني والعسكري وبين التهديد بقدوم الإسلاميين..؟
-ليس صحيحا هذا التوصيف: فالحراك السياسي اليوم مستقطب بين النظام الأمني العسكري بالتحالف مع قطاع من الإسلاميين (الإسلام الرسمي )، بل والتحقت به القوى التي عادة ما يهدد بها كخطر إسلامي قادم (الإخوان المسلمون)، ومن جهة أخرى معارضة (إعلان دمشق)، التي تضم كل أطياف المجتمع السوري، بما فيهم الإسلاميون، لكنه التيار الإسلامي التنويري النهضوي الإصلاحي الشاب الذي يتقاطع مع تيارات إعلان دمشق الأخرى في ساحة الديموقراطية وإحياء قيم ومنظومات وثقافة المجتمع المدني، حيث الاعتراف بالآخر والقبول بالتعدد والتنوع والاختلاف، بوصفها أولويات المسألة الوطنية والقومية، حيث لا معنى لأي شعار للوطنية والقومية إن لم يكن مدخله التغيير الديموقراطي في سوريا، فلا وطنية مع الاستبداد، أي دون أية مراهنة من قبلهم على ممكنات إصلاح النظام الموغل فسادا أو وطنيته الموغلة التحاقا بإيران أو ممانعته المتهتكة في سكوته على الجولان، أي القطع نهائيا مع الاستبداد، ولهذا فإن هذا التيار الإسلامي الشاب يشارك كل أطراف إعلان دمشق في السجن، فهناك اسلاميو سلطة وهناك اسلاميو معارضة…
8-المعضلة أن المعارض إن أقام في سورية ينتهي في السجن وان أقام في الخارج فهو متهم بالعمالة لأمريكا والغرب..؟
-النظام آخر من يحق له اتهام أحد بالعمالة لأمريكا والغرب… فعندما أصدرنا الوثيقة الأساسية للجان إحياء المجتمع المدني، قال وزير الإعلام حينها: إننا نقبض الدولارات من السفارات الأجنبية… فأجبته حينها في مقابلة على موقع إيلاف : بأنهم يعرفون حتى تنقلاتنا من أجل لقاءاتنا واجتماعاتنا تتم عبر النقل بـ (السيرفيس)، وأنهم لو عرفوا أننا نقبض من السفارات لبجلونا تقديرا واحتراما بوصفنا أصبحنا جزءا منهم، مطالبين ومتوسلين لنا أن نشاركهم في أعطيات السفارات لأنهم لا يشبعون… عندما اختطفوني من الشارع قالوا: إن مقالاتي في خدمة إسرائيل…فقلنا لهم حينها بأن ليس لدينا على المستوى الفردي أو الجماعي أي مصلحة مع إسرائيل أو لخدمة اسرائيل…فليس لدينا سلطة نخاف عليها أو دولة ننهبها فنهرول لمصافحة القادة الاسرائيليين لاستجداء تبادل البقاء (بقاء النظام مقابل بقاء إسرائيل في الجولان)، وذلك كما فعل- ليس مندوبيهم في المفاوضات فحسب- بل رئيسهم الشاب (المقاوم) بدم الغزاويين واللبنانيين والعراقيين الذي يتوسل إسرئيل التفاوض ويدعوهم لاختبار نواياه الصادقة..
9-حتى منظمات حقوق الإنسان أصبحت دكاكين وكل من فتح ويب سايت على انترنت ووضع بعض البيانات المكررة عن توقيف شخص أو آخر أصبح منافحا عن حقوق الإنسان ويسمح له بزيارة أمريكا حتى يقال أن سورية تسمح لمنظمات حقوق الإنسان أن تعمل..!!
-هذا صحيح من حيث المبدأ، إذ أن العصابات المتسلطة تتصرف بأكثر من ثلاثين بالمئة من الدخل الوطني في موازنة ما تسميه الأمن القومي أي في خدمة المخابرات، فهي قادرة على فتح الدكاكين في كل اللغات ولدى كل الجهات وفي كل الحيزات، إذ أن المال العام تحت ليس تحت تصرف النظام الأمني والطائفي فحسب، بل تحت تصرفهم العائلي، فالنفط لم يدخل يوما الموازنة العامة، فهو حكر عائلي لآل أسد، لكن كل هذا لم يكفهم أو يفدهم، فهم مع ذلك يستشعرون بحسهم الغريزي المرضي أن ثمة ما هو خارج اليد وهو قادر على الفضح والتهديد…وإلا كيف لنا أن نفسر لجوءهم إلى اعتقال شيخ كبير ثمانيني كهيثم المالح شيخ حقوق الإنسان في سوريا، وسبقه من قبل اعتقال الشاب الدمشقي الدمث-غير الصدامي- سليل البيت الحقوقي والقانوني مهند الحسني رئيس إحدى جمعيات حقوق الإنسان التي تضم نخبة فكرية وثقافية مميزة، لقد وصل بهم الذهان الوسواسي حد أنهم راحوا يضيقون ويحاصرون حتى على الذين يسمحون لهم بالسفر لأمريكا أو غيرها-كما تقولون- من المتعاونين معهم، وذلك بعد أن راحوا يشكون بإخلاص كل المتعاونين إذا لم يكونوا من “عظم الرقبة طائفيا”، إذن لم يعد كافيا لهم ضمانة الولاء البعثي…!
10-ألا ترى أن الحديث عن التغيير السلمي وضرب النظام بالتمنيات والورود لتغيير طبيعته مضيعة للوقت..؟
أظن أن المعارضة في صيغتها الممثلة بـ (إعلان دمشق) قد قطعت مع فكرة إصلاح النظام الهادفة إلى “تغيير طبيعته”، وفق سؤالكم، بل إن وثيقة الإعلان تتحدث عن القطع مع الاستبداد وتبني نهج التغيير الديموقرطي السلمي صراحة دون لبس، أما الاعتراض على مفهوم التغيير سلمي وفق صيغة سؤالكم.. فإنه لا يمكن لنا إلا وأن نتصوره سلميا، ما دام ثمة إجماع وطني على التغيير الديموقراطي وليس (الانقلابي)، أي القبول بالتعددية السياسية والثقافية المؤسسة على العقد الاجتماعي وتداول السلطة ومرجعية صندوق الاقتراع، ومن ثم بناء دولة القانون واستقلال سلطة القضاء : أي فصل السلطات…
إن برنامجا كهذا لا يمكن إلا وأن يكون سلميا لأنه لا يمكن له إلا وأن يكون نقيضا للإنقلابية (القوموية واليساروية والاسلاموية) بالضرورة حدا وتعريفا!
بل إن مشروع المعارضة السورية اليوم يتأسس نظريا على مبدأ المشروعية الدستورية في مواجهة المشروعية الانقلابية الشمولية التي سميت “ثورية”، واليوم فإن كل القوى التي لم تتمكن من الارتقاء فكريا وسياسيا إلى مستوى هذا التملك النظري للمشروعية الدستورية المدنية التعاقدية، فإنهم يصطفون اليوم -بحجة توحيد الجهود للمقاومة-وراء السلطة (الانقلابية/ الثورية /الشمولية) التي تدعو إلى محاربة(الإمبريالية وإسرائيل ) في كل مكان في المنطقة والعالم ماعدا جولاننا السوري المحتل….
حوار “الوطن العربي” مع المفكر السوري المنشق د. عبد الرزاق عيد اسأل نظامك من أين يعيش عبدالرزاق عيد؟ نظامك الذي طرده من الجامعة في الوقت الذي كان فيه أساتذتنا البعثيون يذهبون إلى جامع التوبة في حلب لإعلان توبتهم أمام وكيل المجموعات الإخوانية المقاتلة …اسألهم كيف كانوا يغلقون له محلا لبيع الأبان كان يشتغل به مع ابنه الذي كان يرسب في جامعة حلب ليكون من المكرمين في دفعته للتخرج من الجامعة ألأمريكية -اللبنانية في بيروت ..فشكرا لنظامكم الذي أنقذه من جامعاته التي حولها إلى مزابل علمية ليتاح له فرصة التعلم في جامعات عالمية في الخارج لم تعد متاحة إلا لأبناء طائفتكم… قراءة المزيد ..
ما شاء الله
لم أعرف أيمهما الأكثر حقداً، السائل أم المجيب. فالسائل لا يسأل بل يقترح حلولا انتقامية.
قل لي من أين تعيش الآن يا سيد عبد الرزاق؟ ومن يدفع لك؟
رغم اعتراضاتي على الوضع في سورية فإنك أبعد ما تكون عن الحل، بل أنت تحمل أزمات لسورية في كلامك، وبعيدا جدا حتى عن درب الإصلاح.
أخيرا: ليس ربط الكلام المنمق دليلا على الثقافة، بل رسالة هذا الكلام.