(الصورة:نائب الرئيس السوداني، علي عثمان محمد طه)
القاهرة – محمد صلاح الحياة – 10/12/07
قلّل السيد امام عبدالعزيز المعروف باسم الدكتور فضل من أهمية رد فعل تنظيم «القاعدة» على وثيقته «ترشيد الجهاد في مصر والعالم» وقال في الحلقة الثالثة من حواره مع «الحياة» ان القاعدة «ليس لديها من هو مؤهل شرعاً للرد»، مؤكداً انه لم يكتب وثيقته «لمحاباة أحد بعينه أو لنقده»، ولفت الى أن «العلم الشرعي أكبر من أن يُحصر في جماعة». وسخر الشريف من تعبير «قادة الجهاد في الخارج». وقال: «القائد لا يترك اتباعه بل يتقدمهم والذي يترك الميدان ويهرب من أجل العيش الرغيد لا يكون قيادة»، ورد فضل على سؤال عن أسباب عدم كتابته الوثيقة وهو حر طليق اثناء إقامته في السودان أو اليمن، وكشف تفاصيل من نشاط الاصوليين المصريين في السودان في عقد التسعينات من القرن الماضي، وقال إنه واجه الظواهري وهدده بقطع صلته به اذا ما أصر على تنفيذ عمليات داخل مصر، موضحاً أن إسلامياً مصرياً مقيماً في ألمانيا هو أسامة صديق اتصل به عام 2000 وعرض عليه اطلاق مبادرة للتهدئة في مصر فأيده وشجعه. واستند فضل الى تقارير نشرتها «الحياة» في العام الماضي، حول عرض بن لادن هدنة على أميركا وقال: «هم يطلبون الهدنة من التفاوض بعدما وصلوا الى طريق مسدود وبعدما خانوا الصديق وغدروا بالله وجلبوا الكوارث على المسلمين».
وهنا نتابع الحوار:
هل تتوقع رداً على الوثيقة من تنظيم «القاعدة»؟
– أما الردود الشرعية، فلا يوجد لدى القاعدة من هو مؤهل شرعياً للرد، لأنهم، من بن لادن إلى الظواهري إلى غيرهم، ليسوا من أهل العلم الذين يعتد بقولهم في أمور الدين، وإنما هم من العوام، والعامي لا يعتد بقوله لا في الاتفاق ولا في الاختلاف وإن تكلم. ومن رد على شيء في الوثيقة بدليل شرعي معتبر، إن كان صواباً قبلناه بإذن الله تعالى، وإن كان خطأ فلدينا الرد على كل جاهل وعنيد إن شاء الله تعالى.
من المستهدف من وثيقتك؟ وإلى من وجهتها؟
– لم أكتب شيئاً من كتبي ولا «الوثيقة» لمحاباة أحد بعينه أو لنقده، وإنما أكتب لأمة الدعوة، المسلم وغير المسلم، الموجود والمولود، فالعلم الشرعي أكبر من أنه يُحصَر في جماعة.
قبل أيام أعلن الظواهري عن انضمام الجماعة الإسلامية الليبية المسلحة إلى «القاعدة». لماذا في رأيك جاء هذا الإعلان؟ وهل فقد «القاعدة» التعاطف فرض على الظواهري الكشف عن تحالفات جديدة معها؟
– أعرف الظواهري منذ العام 1968، وهو ظاهرة صوتية، وسبق أن قلت أنه لا يتبع «القاعدة» إلا أحد رجلين: جاهل بدينه أو منتفع بدنياه، وأنا اعتبر أن تعيين الشيخ سعيد المحاسب (مصطفى أبو اليزيد) قائداً للقاعدة في أفغانستان بمثابة (إعلان وفاة تنظيم القاعدة)، لأنه يعني انتهاء كل كوادر التنظيم بين قتيل وأسير، ويتحمل بن لادن وزر هذا شخصياً.
أما الجماعة الليبية فأقول لهم اعتبروا بمن سبقكم، ولا تتبعوا إلا الأمناء من أهل العلم، أما قادة القاعدة فليسوا من أهل العلم بل هم أهل جهل وغدر وخيانة، وهذه كلها من كبائر الذنوب التي يفسق فاعلها. وأقول للجماعة الليبية اعتبروا بمأساة إخوانكم الليبيين العام 1995 والتي كانت سبباً في طرد السودان لابن لادن بضغط وتهديد من القذافي (الرئيس الليبي) على البشير (الرئيس السوداني).
بعض قادة الجهاد في الخارج تساءلوا لماذا لم تكتب هذه «الوثيقة» وأنت حر طليق في بيشاور (باكستان) أو في اليمن على الأقل وأنت مسجون فيها لأكثر من عامين؟
– هذا كلام إنسان يجهل الشرع والواقع. بداية، لا يوجد شيء اسمه قيادات بالخارج، لأن القائد لا يترك أتباعه بل يتقدمهم، والذي يترك الميدان ويهرب إلى الخارج من أجل العيش الرغيد لا يكون قيادة، كما أن الذي أدمن الفشل لا يكون قيادة أيضاً. والسفينة إذا تعرضت للغرق فإن القبطان هو آخر من يغادرها فإن بقي فيها أحد من الركاب غرق القبطان معه. أما الذين هربوا لعمل لجوء سياسي في بلاد الكفار لتأمين المم (وهو الطعام بلغة الأطفال في مصر) لأولادهم من دون وجود أي خطر عليهم أو عند بوادر الخطر، لا يكون مثل هؤلاء قيادة، وإنما هم منتفعون بالدنيا يعيشون على أوجاع إخوانهم ومعاناتهم هم وأهاليهم، فيصدرون البيانات والتصريحات ويظهرون في الفضائيات، فإذا خرج إخوانهم من السجون كسدت بضاعتهم وأغلقوا دكاكينهم بالخارج، فهم يريدون أن تستمر المعاناة والسجون ليستمر سوقهم وعملهم.
والذين لجأوا إلى بلاد الكفر ورضوا بجريان قوانين الكفار عليهم طواعية لا يكونون قادة.
هؤلاء الذين يطلق عليهم قيادات الخارج قتلوا النصارى والسياح في مصر وهربوا ليعيشوا في أكنافهم في أوروبا، ولم يستطع أحد منهم أن يرفع راية الإسلام فوق قريته ويريد أن يرفعها فوق قصر باكنغهام.
أما لماذا لم أقل ما في الوثيقة وأنا في الحرية، فهذا جهل وكذب، فأنا كما ذكرته من قبل – نهيت «جماعة الجهاد» عن الصدام في مصر العام 1992، قبل أن تخوض أي صدام وقبل أن أكتب كتابي «الجامع» في 1993، وذكرت فيه كما ذكرت في «العمدة» قبله آفات العمل الإسلامي، وفى «الجامع» النهي عن عمليات الغدر بدار الحرب. وهددت «جماعة الجهاد» بقطع صلتي بهم حتى قال أيمن الظواهري: صلتك بنا رفعت عنا الحرج، وقال مجدي كمال: إذا قطعت صلتك سيصير الإخوة عدة جماعات، وهذا حدث بمشهد من قياداتهم، فالذي يقول إنني لم أقل ما في الوثيقة وأنا حر هو جاهل بالواقع… بل قلته منذ العام 1992.
بعدما قطعت صلتك بالظواهري والتنظيم في السودان… كيف كانت طبيعة العلاقة بينكم جميعاً هناك؟
– علمت بقيامهم بعمليات في مصر وذلك أواخر 1993 فقلت لأيمن الظواهري: أتق الله في الإخوة ولا تعرضهم لمخاطر لا تجب عليهم، فقال لي الظواهري: «إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر وإنه تسلّم من السودانيين مائة ألف دولار تحت حساب هذه العمليات»، وكان مسؤول الاستخبارات السوداني الذي يتعامل مع الظواهري اسمه الدكتور نافع علي نافع، وهناك وسيط سوداني بينهما اسمه محمد عبد العزيز، والمشرف العام على هذا كله كان نائب الرئيس السوداني وهو الرجل الثاني في جبهة حسن الترابي واسمه علي عثمان محمد طه. والمرة الأولى التي التقى فيها الظواهري بعلي عثمان طه قال له الظواهري: «إن معه تنظيماً من عشرة آلاف مقاتل في مصر بمستوى تدريب قوات الصاعقة، وأنه ومن معه لن يخرجوا من السودان إلا إلى مصر فاتحين». وكان هذا هو عين الكذب فإنهم لا يتعدون بضع عشرات وما زال بعض الإخوة في السجون يصدقون هذه الكذبة إلى الآن. وباختصار حوّل الظواهري «جماعة الجهاد» إلى مرتزقة وعملاء وباعهم للاستخبارات السودانية التي وجدت فيهم صيداً سهلاً رخيصاً لإزعاج السلطات بمصر. ثم أخذ الظواهري في إرسال الإخوة لمصر وكان الأمن المصري قد اخترقهم بعد حادث عاطف صدقي، فلم يصل أحد من الإخوة إلى هدفه في مصر وسقطوا بين قتيل وجريح. وبعدما أخبرني الظواهري بعمالته للسودانيين دعاني الأخ رفعت (واسمه زكي عزت زكي) لعقيقة ابنته، وحضر عدد من الإخوة منهم أبو طلحة وهشام أباظة وغيرهم، فقلت لهم أكثر مما ذكرت بالوثيقة وأن الجهاد لا يجب عليهم في مصر وأن التكافؤ معدوم والإثم مرفوع عنهم، وقلت لهم أنتم درستم قواعد حرب العصابات والحرب النظامية، وما تفعلونه في مصر من صدام لا يندرج تحت هذا ولا هذا، فهو نوع من العبث الذي لن يأتي بفائدة. وذكرت لهم خطأ ما يفعلونه بالأدلة الشرعية والواقعية، وهو المذكور بالتنبيه الثاني بآخر «الوثيقة». وأبدى الإخوة اقتناعهم بكلامي وذلك آخر 1993 أو أول 1994، فانزعج الظواهري عندما علم، وجمعهم وقال لهم: «الدكتور فضل يريد أن يجعلنا جماعة سلفية ونحن جهاد وسنظل نقاتل في مصر إلى آخر دولار معنا وآخر رجل فينا»، وقد كذب فإنه كان أول من ترك السودان لما طردهم السودانيون العام 1995 لما اكتشفوا أن الظواهري كان يكذب عليهم ولم يقاتل لآخر رجل كما زعم، بل كان أول من هرب كعادته ولما طرده السودانيون أعلن عن وقف العمليات في مصر العام 1995 بعدما علق إخوانه على المشانق وحشرهم في السجون في مصر.
لكن الظواهري خرج من السودان مع أسامة بن لادن؟
– الذي فعله السودانيون مع الظواهري فعلوه مع بن لادن أيضاً، فكان إذا تأخر وصول سفينة النفط إليهم من السعودية حرضوا بن لادن على إصدار بيانات تهاجم السعودية، وأتباع بن لادن يسهرون الليل على أجهزة الفاكس لإرسال البيانات للسعودية، ثم طردوا بن لادن كما الظواهري. ان من يزعم أنني تراجعت وبدلت آرائي في السجن، عليه ان يعرف أن كلام الوثيقة قلته للإخوة منذ 1992، وهذا من الواقع الذي يجهله، وعندي المزيد.
هات المزيد؟
– التقيت بمجدي كمال بالسجن في مصر في شباط (فبراير) 2007، وقلت له: أنت قلت لي في 1992 إنه قد انتهى وقت الكلام وجاء وقت العمل فأخبرني بما عملته في هذه الخمس عشرة سنة من 1992 إلى 2007؟ فسكت الأخ لأنه لم يفعل شيئاً إلا السجن، فقلت له: الاستخبارات السودانية أغرتكم بالمال للصدام مع مصر وقد نهيتكم عن ذلك من قبل، فقال لي مجدي كمال: يعنى نحن كنا مرتزقة؟، فقلت له: نعم، الظواهري حولكم إلى مرتزقة لاستخبارات حسن الترابي، فقال لي الأخ: أرجوك لا تذكر هذا الكلام لأحد.
وأزيد فأقول: وأنا في الحرية في اليمن العام 2000 تقريباً اتصل بي الأخ أسامة صديق من ألمانيا واستشارني في إطلاق مبادرة للتهدئة في مصر، فشجعته على ذلك، وعندك أسامة صديق في أوروبا يمكن أن تسأله.
اعلم بمبادرة أسامة صديق لأنه تحدث معي عنها العام 2000 بالفعل، ولكن، ماذا عن فترة اقامتك في اليمن ولماذا لم تكتب الوثيقة هناك؟
– أثناء سجني في اليمن من 10/2001 إلى 2/2004 لم يسمحوا لنا بأي ورقة ولا قلم، على رغم أنهم قالوا لي من أول يوم إنه لا تهمة ضدي عندهم في اليمن، ثم ظهرت «مبادرة الجماعة الإسلامية بمصر» ونحن في السجن باليمن، فسألني عنها الأخوة المصريون معي في السجن فقلت لهم (وإن كنت لم أطلع على ما كتبوه بعد إلا أنني أوافق على مبدأ وقف العنف)،
وعندكم الإخوة: أحمد عزت أنور، وعلي عبد الرحيم الشريف، وعثمان السمان، وخليفة بديوي اسألوهم. وكان لا يسمح لنا بالزيارة في سجن الأمن السياسي بصنعاء في غالب الأحوال إلا دقيقه واحدة هي مدة الزيارة ومن خلف الأسلاك.
فليس صحيحاً أنني لم أتكلم وأنا في الحرية بل تكلمت وتكلمت في النهي عن الصدام منذ 1992، وما زدت في الوثيقة على أن كتبت ما قلته من قبل، ولهذا لم احتج إلى أي مرجع أو كتاب لأكتبها بل كتبتها من الذاكرة، ولم أكتب مثلها في الحرية لأنني ومنذ أن سرق الظواهري كتابي «الجامع» وحرّفه خشيت أن أكتب شيئاً آخر يسرقونه ويحرفونه، ولو كانت هذه «الوثيقة» قد وقعت في أيديهم قبل نشرها لفعلوا بها ما فعلوا مع «الجامع»، كاليهود الذين (يكتمون ما أنزل الله)، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لتتبعن سنن من كان قبلكم… اليهود والنصارى»، الحديث متفق عليه يخشون من ظهور الحق.
وهذا الكلام (لماذا لم أكتب ما في الوثيقة في الحرية؟) لا يمكن أن يصدر أصلاً عن أحد من أهل العلم، ولهذا قلت من البداية إن هذا كلام جاهل بالشرع، لأن أهل العلم لا ينظرون إلى مكان الكتابة بل إلى دليلها الشرعي. وأنا أعرف الذين يروجون هذه الشبهات وأعرف أنهم ليسوا من أهل العلم وإنما من العوام الذين لا يعتدّ بقولهم لا في الخلاف ولا في الاتفاق، وإنما رددت على أباطيلهم حتى لا يخدع بهم من لا يعرفهم من الناشئة من شباب الإسلام.
لكن، من بين ردود الفعل على الوثيقة قول بعض قيادات الخارج إن الوثيقة وليدة السجون والسجن إكراه؟
– ذكرت لك أن من الخارج لا يكون قيادة، وأنهم من العوام ودليل جهلهم هو في كلامهم هذا الذي يخدعون به السذج قليلي العلم.
أما قولهم إن الوثيقة وليدة السجن، فجوابه أن قول يوسف عليه السلام «يا صاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار» سورة يوسف 40، هذا القول هو أيضاً وليد السجن، فهل يرفضه مسلم لهذا السبب؟ وأنا دائماً أكرر أن (العبرة بدليل الكلام لا بمكانه).
وأما قولهم إن السجن إكراه، فأنا أعلم ذلك ولا أحتاج لمن يخبرني به بل كنت أعلّم الإخوة أحكام الإكراه والتقية والمداراة والمداهنة ومعناها وما يجوز منها عندما كنت أشرح لهم كتاب (الأدب) من صحيح البخاري في بيشاور، والآن وأنا في سجني أعلم أن لي رخصة في أن أقول ما أشاء لأرضي السلطات أو لأدفع عني أذاها، ولكنني لم أستعمل هذه الرخصة وإنما يعرف الإكراه إذا قال الشخص انه كان مكرها أو إذا قال في سجنه خلاف ما قاله في الحرية، وأنا أقر بأنه لم يقع عليّ إكراه لأكتب هذه الوثيقة، كما أكرر بأن ما قلته في السجن في (الوثيقة) هو ما قلته للإخوة منذ العام 1992 كما ذكرت من قبل، وبعض مسائل الوثيقة موجود في كتابي «الجامع» الذي سرقه الظواهري وحرفه.
ثم هل يقول المكره كل هذا الكلام الذي في الوثيقة؟ المكره يقول كلمتين ليخلص نفسه، ولا يذكر ما في الوثيقة من شرح واستدلال، أين ذهبت عقولكم؟ كالذين قالوا إن الذي علم النبي (صلى الله عليه وسلم) القرآن هو بحيرى الراهب، مع أنه لا يتكلم العربية ولم يره إلا مرة واحدة وهو صبي، فهل علمه كل هذا القرآن والحديث في مرة؟
ثم إنني أقول: إن لا من العلم ولا من العقل أن يهاجم أحد شيئاً لم يطلع عليه، وهم هاجموها قبل اكتمال نشرها، وهم بذلك يضعون بأنفسهم في عداد الحمقى والجاهلين الذي يحكمون على الشيء قبل معرفته، والله يقول: «وما شهدنا إلا بما علمنا» (يوسف 81 ).
ثم إنني أقول: لماذا يخافون من كلامي؟ وأنا لم أطلب من أحد أن يوافق على «الوثيقة»، ولست أمير تنظيم لألزم أتباعي الموافقة عليها، ولست شيخ الإسلام، ولا مفتي الديار، أم أنهم يعلمون أنهم لن يتمكنوا من سرقتها وتحريفها كما فعلوا بكتابي «الجامع» فيريدون أن يشوهوها قبل صدورها؟ هذه هي الحقيقة، إنهم يريدون أن تستمر معاناة الإخوة ومآسيهم في مختلف سجون العالم كي تستمر دكاكين قيادات الخارج مفتوحة وخزائنهم عامرة وصورهم في الفضائيات كل حين، ولهذا فإنهم ينفخون في النيران من بعيد لبعيد ليحترق بها غيرهم كم يفعل بن لادن وتابعه الظواهري اللذان يهربان من الميدان عن أول خطر.
هناك من قال إن الذين كتبوا في السجن كابن تيمية وسيد قطب لم يتراجعوا أو يبدّلوا رأيهم بخلاف ما فعلت أنت؟
– هذا أيضاً من الجهل المزدوج: أولاً: لأن التراجع أو تبديل الرأي لا يذم إلا إذا خالف الدليل الشرعي، أما إذا كان من أجل النزول على الدليل الشرعي بعد وضوحه فهذا من الرجوع المحمود، والمؤمن أوّاب.
فقد قال عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري لما ولاّه القضاء: «ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم هديت فيه إلى الرشد أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم»، هذا حاصل كلامه، وقد شرحه ابن القيّم في أول كتابه «إعلام الموقعين» رضي الله عنه. ونشأ أبو الحسن الأشعري على مذهب ضال ثم اعتزل الناس أربعين يوماً يدرس مذهب أهل السنّة ثم خرج فصعد المنبر وخلع ثوبه وقال للناس: «إنه قد انخلع من مذهبه السابق كما خلع ثوبه ويقول بمذهب أهل السنّة)». وكتب في هذا كتابه «الإبانة عن أصول الديانة».
والشافعي كتب مذهبه في العراق ثم غير فيه أشياء في مصر، وابن تيمية كان يمدح محيي الدين بن عربي لما قرأ كتابه «الفتوحات المكية»، فلما قرأ كتابه «فصوص الحكم» أدرك أنه زنديق، ونقل رأي عز الدين بن عبدالسلام في زندقة ابن عربي، بالمجلد الثاني من (مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله)، فتبديل الرأي ليس عيباً إذا كان عن دليل شرعي أو بسبب حصول مزيد علم أو تغير الواقع فيختار له ما يناسب من الشرع، وقد فعل هذا أكابر العلماء وبه نصح عمر أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما.
وأقول لهؤلاء الجهال: هل كان الله سبحانه متراجعاً عندما قال: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله». الأنفال 39، ثم قال بعدها: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» الأنفال 61؟ مع أن القتال ضد السلم. وأقول لهؤلاء: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متراجعاً عندما قاتل كفار قريش في بدر وأحد والخندق ثم صالحهم في الحديبية؟ والصلح ضد القتال.
وأفتى عز الدين بن عبد السلام رحمه الله رجلاً ثم تبين له خطأ ما أفتى به، فأرسل منادياً ينادي في المدينة ليعود إليه المستفتي ليخبره بالصواب، وهذا من آداب المفتي كما ذكر ابن القيم في إعلام «الموقعين» جـ 4.
حقيقة الأمر هي كما قال بعض السلف: «لو سكت الجاهل سقط الخلاف».
ثانياً: أين التراجع في (الوثيقة) وقد نهيت الظواهري وجماعته عن الصدام في مصر منذ 1992 حتى قال لي مجدي كمال «انتهى وقت الكلام وجاء وقت العمل»، وليسألوا الظواهري الذي تحول هو وأتباعه إلى عملاء للاستخبارات السودانية، ثم لما انهار التنظيم وسقطوا بين قتيل وأسير وطريد أعلن عن وقف العنف العام 1995، ثم أرسلوا إليّ يطلبون أن أعيد صلتي بهم، فقلت لهم: هيهات، فما زدت في (الوثيقة) على أن كتبت ما قلت لهم وكررته منذ العام 1992، فأين التراجع والتبديل؟
بل إن بعض ما في «الوثيقة» موجود في كتابي «الجامع» الذي سرقه الظواهري وحرفه حتى لا يعرف الناس عيوب الحركات الإسلامية ومخازيها، فأين التبديل، والفقيه هو من يختار من الشرع ما يناسب الواقع من حرب أو سلم أو صلح أو غير ذلك، لا من يقف في قالب جامد يورد أصحابه المهالك بجهله بالشريعة.
الظواهري طلب من أميركا أن تتفاوض معهم (صحيفة «الحياة» عدد 21/12/2006 صـ 4 في نهاية 2006)، فأين (الصامدون) وأين (الثابتون على العهد) ومن المتراجع والمبدل؟، وسبقه إلى ذلك شيخه بن لادن الذي طلب الهدنة من أميركا أول 2006 (صحيفة «الحياة» عدد 20/1/2006 ) فها هم يطلبون الهدنة والتفاوض بعدما وصلوا إلى طريق مسدود، وبعدما خانوا الصديق وغدروا بالعدو وجلبوا الكوارث على المسلمين ودمروا «طالبان» والعراق وهربوا عن نسائهم وأطفالهم وإخوانهم الذين تركوهم بين أسير وقتيل وشريد، فمن الذي تراجع؟ إنهم شيوخك قادة «القاعدة» تراجعوا بعدما كذبوا وخانوا وغدروا.
بعض الإسلاميين في الخارج تساءلوا: لماذا تكتب عن ترشيد الجهاد وقد أعلن تنظيم الجهاد عن وقف عملياته بمصر منذ العام 1995؟
– لا أكتب لجماعة أو ضد جماعة بعينها، العلم يكتب لكل الناس، أما التنظيم المذكور فقد قطعت صلتي به من أول 1993، وقد نفذ في 1995 ما نصحته به العام 1992 من عدم الصدام في مصر، ولكن وصل إلى هذه القناعة بعد انهياره وإفلاسه وتشتت أتباعه بين قتيل وأسير وطريد… وأما المخالفات الجسيمة التي ترتكب باسم الجهاد في أماكن مختلفة من العالم فما زالت تحدث خصوصاً من المتأثرين بالمنهج المنحرف لـ «القاعدة»، والمخالفات في العراق شبه يومية، ومن قريب وقع حادث قتل السياح الفرنسيين في السعودية وظهر أنهم مسلمون، ومن قريب وقع حادث تنظيم الأطباء الهنود في بريطانيا، وكل حين يسقط تنظيم من صغار الشباب في مصر ممن تم تجنيدهم من طريق الإنترنت وهؤلاء يعرفون في السجون باسم «الإخوة نت». فالقول بأن المخالفات انتهت غير صحيح وخلاف الواقع. والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والجهاد ليس محصوراً في تنظيم معين كما يظن هذا، بل هو شريعة ماضية إلى آخر الزمان.
بعض التنظيمات أنكرت أن تكون هناك جماعات تقتل على الجنسية وإنما في إطار حربها مع الغرب أو الانظمة العربية؟
– هذا غير صحيح لأن تنظيم القاعدة وبن لادن أعلنوا أكثر من مرة أنهم يستهدفون الأميركيين من دون تمييز، وهذا ما فعلوه في 11 أيلول وهذا قتل على الجنسية… ثم إن المتعاطفين معهم نفذوا تفجيرات مدريد في 2004 فقتلوا الاسبان من دون تمييز، وكذلك حدث في تفجيرات مترو لندن في 2005 فقتلوا البريطانيين من دون تمييز، وهذا كله قتل على الجنسية، وقد ذكرت الأدلة على فساد ذلك في (الوثيقة) وأن الانتساب إلى بلد ما ليس دليل كفر أو إيمان وليس دليل استباحة دم أو مال، فقوله هذا مكابرة، وقد قال الشاعر: «وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل».
ما الداعي لإصدار الوثيقة والجماعات الجهادية الموجهة لها الوثيقة كانت مثلاً تبرأت علانية من الجماعة المسلحة الجزائرية لما تيقنت من إسرافها في الدماء؟
– أنا لم أوجه الوثيقة لجماعة بعينها لأنني قد يئست من إصلاح هؤلاء منذ العام 1992، وكما يقال (كبر الكبير على الأدب)، وإنما أنا أكتب لكل الناس، المسلم وغير المسلم، الموجود ومن لم يولد بعد.
أما قول هذا القائل «إنهم تبرأوا من الجماعة المسلحة الجزائرية»، فهذه العبارة تدل على جهل قائلها بالدين وعدم دراسته عقيدة أهل السنّة، لأن المسلم لا يجوز لمسلم أن يتبرأ منه إن أخطأ وإنما يتبرأ من عمله المنكر، أما الذي يتبرأ من شخصه فهو الكافر، ودليل الأول: قول الله تعالى «وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فأن عصوك فقل إني بريء مما تعملون»، الشعراء 215 – 216، وأيضاً قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» «رواه البخاري… ودليل الثاني» أي التبرؤ من شخص الكافر ومن عمله قول الله تعالى: «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برء منكم ومما تعبدون من دون الله» الممتحنة 4. فليحذر هذا الجاهل في كلامه وليتعلم دينه قبل أن ينتقد غيره، وهذه الفائدة قد نبهت عليها في «الوثيقة»، لأن قوله إنهم تبرأوا من الجماعة الجزائرية هو تكفير ضمني لها.
– وأما قوله إنهم تبرءوا من هذه الجماعة، فحقيقة الأمور غير ذلك، والصحيح أن هذا الذي يصيح من لندن هو وشيخه الظواهري لما أفلسوا في مصر تعلقوا بشيء يبقي لهم حضوراً في العمل الجهادي فظلوا يشجعون الجماعة الجزائرية في نشرات «الأنصار» و «المجاهدون» وذلك لسنين، وظلوا يبررون لهذه الجماعة قتل المدنيين وقتل النساء والأطفال وأعمال الخطف والاغتصاب، وهذا من الذي وصفته في الوثيقة بـ «فقه التبرير» كما يبررون اليوم جرائم بن لادن، فلما بلغ السيل الزبى تبرأوا من الجماعة الجزائرية بعدما ورطوها وزينوا لها أعمالها، فكانوا وهذه الجماعة كما قال الله تعالى: «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين» الحشر 16-17، ثم إن هذا التبرؤ لم يستمر طويلاً فلم تمض بضع سنين حتى عادت الجماعة الجزائرية الى أحضان تنظيم القاعدة، وسمت نفسها «قاعدة الجهاد ببلاد المغرب»، فكلامه هذا خلاف الواقع والحقيقة، فضلاً عما فيه من أخطاء شرعية. وأقول لهذا الذي يصيح من لندن: تعلم دينك قبل أن تتكلم في الدين أو تنتقد
حوار “الحياة» مع منظر الجهاديين في سجن طرة المصري (3 من 6)
حبيبنا بيار
الرابط في نهاية المقال غير فاعل.. ممكن تفعّله؟
لك الف شكر
أقصد:
حوار “الحياة» مع منظر الجهاديين في سجن طرة المصري الدكتور فضل: الظواهري مراوغ وجاحد وبن لادن خان الملا عمر وأضاع افغانستان
موجود في نهاية المقال