بعد منتصف ليلة السبت بدقيقة واحدة فتح أكبر متجر لبيع الكتب في أوروبا والمملكة المتحدة أبوابه لاستقبال محبي وعشاق سلسلة كتب الساحر الصغير هاري بوتر، وذلك في احتفالية كبيرة لا تحظى بها العديد من الإصدارات.
ففي هذا الوقت كان الآلاف من محبي كتب هاري بوتر يتدفقون على متجر ووترستونز، الكائن بالقرب من ميدان البيكاديلي في العاصمة البريطانية لندن من أجل الحصول على النسخ الأولى من كتاب “Harry Potter and the Deathly Hallows”، وهو الكتاب الأخير في السلسلة التي بدأت مؤلفتها “جيه كيه رولينج” نشرها في عام 1997.
لكن قصة الطابور الطويل الملتف حول مبنى مكتبة ووترستونز لم تبدأ عند منتصف الليل، ولم تبدأ قبل ذلك بعدة ساعات أو حتى صباحا، بل بدأت قبل ميعاد الافتتاح بثلاثة أيام كاملة بلياليها.
فوفقا للمسئولة الإعلامية التابعة لووترستونز، آنوين هووسون، فإن طابور محبي هاري بوتر بدأ في التشكل أمام وحول مبنى ووترستونز في الساعة الثانية ظهر يوم الأربعاء الماضي، وأن حوالي عشرة آلاف شخص شاركوا في هذا الطابور.
أخبرتني آنوين أيضا أنه خلال الأيام الثلاثة الماضية كان الناس يمضون وقتهم في قراءة أجزاء سلسلة هاري بوتر أو التحدث إلى بعضهم عن شخصيات الرواية والحدث الذي ينتظرونه، وهو استلام الكتاب الأخير في السلسلة.
ومرت الأيام والليالي وجاءت ليلة الجمعة، حيث أعدت ووترستونز لهذه المناسبة مجموعة من الفعاليات كان من بينها توزيع المئات من البالونات التي تحمل شعار المكتبة على محبي هاري بوتر ونشر العشرات من الأشخاص الذين يرتدون ملابس شخصيات الكتاب حول المكتبة من أجل صنع أجواء احتفالية شبيهة بتلك الموجودة في كتب هاري بوتر.
وعند منتصف الليل بدأ الجميع في الاستعداد للحظة التي ظلوا يترقبونها على مدى السنوات العشر الماضية، وهي استلام الكتاب الذي يحوي نهاية رحلة هاري بوتر. كما بدأ في هذا الوقت تحرك الطابور الذي ظل متوقفا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.
سام هاريسون، وهو أحد موظفي ووترستونز المكلفين بضبط الطابور وحفظ النظام داخله، قال لي إن الطابور تضخم إلى الدرجة التي استدعت من موظفي ووترستونز إغلاق المنافذ المؤدية إليه ومنع أي شخص من الانضمام إلى الطابور بعد الساعة الثانية من صباح السبت، وذلك على أمل أن يسلم الكتاب الأخير للزبون الأخير بحلول الساعة الرابعة فجرا.
وعندما سألته عن أبرز ما لفت نظره في الطابور أجابني هاريسون بأن تعدد الجنسيات التي يتكون منها الطابور جعلت الحدث في ميدان البيكاديلي دوليا.
فالناس أتوا إلى هنا من كل مكان داخل المملكة المتحدة وخارجها، ابتداء بالمكسيك والولايات المتحدة، مرورا بالدول الأوروبية المجاورة كفرنسا والنرويج، والدول الأفريقية البعيدة كجنوب أفريقيا، وانتهاء باليابان واستراليا ونيوزلندة. والكل استعد لهذا الحدث بارتداء ملابس شخصيات كتب هاري بوتر.
ويضيف هاريسون أنه على مدى الأيام الثلاثة الماضية كان هذا الكوكتيل العجيب من الجنسيات المختلفة، والذين لا يجمعهم سوى حب هاري بوتر وانتظار الحصول على كتابه الأخير، يحتفلون بالغناء معا والرقص وتبادل الأحاديث حول أكثر الأجزاء التي أعجبتهم في سلسلة هاري بوتر.
مشاهدة الطابور الطويل والمزدحم تعطي للناظر إحساسا وكأنه دخل إلى إحدى قاعات مدرسة هوجورتز لتعلم فنون السحر، والتي تعتبر إحدى المعالم الرئيسية في عالم هاري بوتر.
فهنا يمكن رؤية رجل في أوائل الثلاثينات من عمره وهو يرتدي ملابس طلاب مدرسة هوجورتز ويحمل المكنسة الخشبية السحرية التي كان هاري يمتطيها للطيران، وبالقرب منه تقف سيدة في نفس العمر وهي ترتدي ملابس معلمات المدرسة التي تلقى فيها هاري بوتر تعليمه والتقى فيها صديقيه، رون ويزلي وهيرميون جانجر.
وبالقرب منهما يمكن مشاهدة فتاة وهي ترتدي ملابس البروفيسور دمبلدور، ناظر مدرسة هوجورتز، وعلى يمينها تقف ثلة من الشباب والشابات يرتدين قبعات هيئة تدريس هوجورتز.
في الطابور كانت تقف مجموعة من أربع فتيات وسيدة، تبدو عليهن جميعا مظاهر الفرح الغامر والسعادة لاقتراب دخولهم لمبنى ووترستونز، اقتربت منهن وسألتهن لماذا الوقوف في الطابور وأنتن على الأرجح لن تشرعن في قراءة الكتاب قبل صباح اليوم التالي..؟
أجبن بأنهن على الأرجح “مجنونات يعشقن سلسلة كتب هاري بوتر إلى حد الهوس”.
لمحت من حديثهن لكنة مختلفة عن لكنة أهل لندن فسألتهن من أين جئن وكانت الإجابة أن واحدة منهن جاءت من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة والثانية وأمها حضرتا من ولاية فلوريدا، فيما الفتاتين الآخرتين من لندن، وقد تم التعارف خلال المسيرة الطويلة للباب الرئيسي لمتجر ووترستونز.
جميعهن ذكرن بأنهن يفضلن قراءة كتب هاري بوتر على مشاهدتها أفلاما والسبب في ذلك يعود إلى التفاصيل الكثيرة التي تحفل بها كتب رولينج والتي تجعل القارئ يدخل إلى عوالم هاري بوتر من أوسع أبواب الخيال الإنساني.
بعيدا عنهن كانت تقف سيدة بدا عليها أيضا الفرحة الشديدة بقرب دخولها إلى المتجر بالرغم من الإرهاق الشديد البادي عليها.
سألتها من أين أتت وكانت الإجابة من جنوب أفريقيا وقد حضرت خصيصا من أجل حضور هذا الحدث ومن ثم العودة إلى بلادها.
وعندما سألت يولاند فاندر ميروي لماذا كل هذا العناء؟ أجابت بأنها أحبت أن تشارك في الاحتفالية العاشرة والأخيرة لإطلاق هذه السلسلة التي سلبت خيالها، وأنها لا تتوقع أن تحدث سلسلة كتب في المستقبل القريب كل هذه الضجة. فسلسلة هاري بوتر من وجهة نظرها صنعت تاريخا.
وبالقرب من يولاند رأيت فتاتين يحتسيان كوبين من الشوربة الساخنة من أجل مقاومة الطقس البارد.
والمدهش في هذا الطابور هو رؤية الطقوس الاحتفالية لدخول المكتبة. فعند الاقتراب من الباب الرئيسي يبدأ موظفو ووترستونز في تهنئة الداخلين بقرب دخولهم، وعند الباب يبدأ الداخلون بالقفز والصراخ والرقص وتصوير تلك “اللحظات التاريخية”.
شاهدت فتاتين خارجتين من المتجر ومعهن كتابين من الجزء الأخير لسلسلة هاري بوتر وعلى وجههن فرحة غامرة.
الأولى وهي ليريدونا آمتي، تبلغ الخامسة عشرة من العمر وقد بدأت رحلتها في قراءة هاري بوتر وهي في الحادية عشرة. الثانية وهي إيفون أورايلي تبلغ السادسة عشرة من العمر وقد بدأت رحلتها مع الصبي الساحر وهي في العاشرة وبالرغم من حبها لهاري بوتر فإنها وصديقتها ليستا حزينتين لانتهاء تلك السلسلة “السحرية”.
وعندما عدت إلى المسئولة الإعلامية التابعة لواترستونز، آنوين هووسون، أخبرتني بأنه من المتوقع بيع ثلاثة ملايين نسخة من الكتاب في الفروع المائتين والتسعة السبعين التابعة لووترستونز في المملكة المتحدة والتي فتحت أبوابها كلها في وقت واحد من أجل استقبال عشاق هاري بوتر.
وعندما سألتها إذا كان قد حدث من قبل هذا الاستقبال لأي من الكتب التي عرضتها ووترستونز، أجابت آنوين بأن كتب هاري بوتر هي التي تحظى بهذه الحمى وذلك لأنها غيرت عالم النشر وخصوصا في مجال الكتب الموجهة للأطفال.
وخلال حديثها كان بعض الخارجين من النوادي الليلية القريبة من ميدان البيكاديلي يصيحون بسعر الكتاب المخفض في متاجر أخرى أو يستهزئون بالواقفين من أجل الحصول على كتاب!
وفي تمام الساعة الثالثة والعشرين دقيقة صباحا أغلقت أبواب ووترستونز على آخر من دخلوها من الطابور “التاريخي” والذي خلف ورائه أكواما من أوراق الجرائد التي كان يفترشها للنوم محبو هاري بوتر، وأكواما أخرى من الأطباق والأكواب البلاستيكية التي أكل وشرب فيها عشاق عوالم جي كيه رولينج.
وعند عودتي إلى مبنى البوش هاوس، حيث مقر بي بي سي العربية، كانت هناك فتاة تجلس على الرصيف وبين يديها دفتي الكتاب الأخير لهاري بوتر وبدا لي حينها أن هذا الكتاب الذي يتحدث عن مغامرات ساحر شاب قد سحرها.
بي بي سي – لندن