(أبدأ مقالي بكلمة حق يستحقها وزير الخارجية الفرنسية السيد لوران فابيوس، الرجل والحق يقال حريص كما معظم السوريين على انجاز اتفاق داخل المعارضة السورية توصلها الى توسعة الائتلاف وتصل لاحقاً الى جنيف، وموقف فرنسا من القضية السورية هو الافضل اوروبياً وربما دولياً، هذا لن ننساه كسوريين أبداً .)
في لقاء جرى في باريس قبل ستة اشهر من الآن وضم كل من وزير الخارجية الفرنسي مع وزير خارجية روسيا أكد سيرغي لافروف أن بلاده وفرنسا “متفقتان على المحافظة على حقوق الأقليات وعلى التوازن الطائفي” وعلى “ضرورة وضع حد للعنف”. لكن الوزير الروسي سارع للتاكيد بعد ختام مباحثاته مع فابيوس “إذا أصر شركاؤنا على موقفهم المطالب برحيل هذا الزعيم الذي لا يحبونه فإن حمام الدم سيستمر”.
أما الترجمة الواقعية لكلام الوزير الروسي الذي قال مرة انه يرفض وصول السنة الى الحكم، فهو ان المجازر ستبقى تطارد السنة طالما هم يرفضون حكم الاسد المحسوب على العلويين والاقليات، والوزير الروسي يدرك ان السوريون والسنة أساساً لن يقبلوا استمرار النظام الاسدي مهما كانت كلفة الدم كبيرة، لهذا فالوزير الروسي مع الوزير الفرنسي هذه المرة يريد ضمان حماية حقوق الاقليات بعد “حمام الدم” الذي بشرنا به الوزير الروسي وتحقّق على شاكلة ما فعله صرب البوسنة، بالفعل، بفضل الغطاء العسكري واللوجستي والسياسي الروسي لمجازر النظام الاسدي في سورية.
وقبل ذلك بشهر تقريباً نشر نائبان من الجمعية الوطنية الفرنسية مقال بمثابة وصية سياسية دبلوماسية في صحيفة لوموند الفرنسية يدعوان فيها فرنسا لحشد جهد دبلوماسي من اجل “ضمان حرية الضمير للأقليات الدينية “، يكتب النائبان : ” على فرنسا أن تحشد جهودها الدبلوماسية لكي تطالب، مع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأسره، بأن تكون حرية الضمير المكفولة للأقليات الدينية واحدة من المبادئ التي تكفلها المعارضة السورية مستقبلا. ولذلك نناشد رئيس الجمهورية الفرنسية ووزير الخارجية بأن يضعا هذه القضية في مقدمة مقترحاتهما والمناقشات في إطار الاجتماعات واللقاءات الدولية المقبلة.” (مارك لُو فُور* وجرار بابت** (لوموند) 09/08/2012
*نائب من حزب الوحدة من أجل حركة شعبية ونائب رئيس الجمعية العامة. **نائب اشتراكي. نشر هذا المقال في لوموند تحت عنوان: La France doit garantir les droits des minorités en Syrie الترجمة العربية ل مدني قصري، نشرتها صحيفة الغد الاردني ).
لكن الترجمة الفعلية لـ”ضمان حرية الضمير للأقليات” تحولت الى “حماية اقليات” ومن هنا نفهم تفاهم كلاً من فابيوس مع لافروف على موضوع حماية الاقليات، ونفهم كما في لقاء له على قناة الجزيرة القطرية قبل ايام، قال وزير الخارجية الفرنسية السيد لوران فابيوس أنه يريد ضمان حقوق العلويين وحقوق الدروز والمسيحيين والاكراد ” هنا تفصيل إجابة السيد وزير الخارجية : “يسأل المذيع عياش السيد وزير الخارجية ” عياش: إذن هناك بحث عن ضمانات ولكن لا نرى حلا في المستقبل القريب؟
فابيوس: أنا ابحث الأمر مع الجميع. نتباحث مع الدول العربية، مع الأمريكيين، مع البريطانيين، ومع كل الأوروبيين، ومع الروس أيضا. إذن لابد من التواصل مع الجميع ولكن لا احد جاءنا وقال لنا هاهو الحل… ولابد في نفس الوقت، بل قبل كل شي، أن نفكر في مصلحة الشعب السوري. فالأهم بالنسبة لنا هو أن من يتولى السلطة مستقبلا -لان بشار سينتهي بالسقوط- من يتولى السلطة مستقبلا عليه أن يكون ضامناً لحقوق الجميع.
لابد من ضمان حقوق العلويين، وحقوق الدروز، وأيضا المسيحيين، والأكراد، الجميع. هذه هي سوريا التي نريد، وليس سوريا ممزقة لان الأمر لن يكون لفائدة السوريين ولا للسلام. ”
من هنا يستمد ربما وزير الخارجية الفرنسي فابيوس خلفية حديثه عن ضمان حقوق الاقليات في سورية ويبدو ان تصريحه عبر الجزيرة القطرية لا يخلو من مغزى سياسي، فالقطريون ربما لن يكون لديهم مشكلة في مثل هذا النوع من التصريحات او السياسات الغربية، التي تشرزم سورية بدل ان تحمي “حقوق” جزء من مواطنيها !؟
المقال الذي نشره نائب رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية مارك لوفور، والنائب الاشتراكي جيرار بابت في صحيفة لوموند، سابق الذكر (وأعادت صحيفة الغد الأردنية نشره مترجماً الى العربية بعنوان “على فرنسا تأمين حقوق الأقليات في سورية” في 16 / 8 / 2012) أثار الشجون، وهو يعيد الى الذاكرة أطماع فرنسا في المشرق العربي في مطلع القرن العشرين.
“لا يمكن لفرنسا أن تكون لا مبالية ومكتوفة الأيدي أمام المصير الذي ينتظر الطوائف ذات الأقلية في سورية، فهي تحمل مسؤولية تاريخية تجاه مسيحيي الشرق. ويجب عليها منذ الآن أن تعمل لصالح حقوق الأقليات، وتحقيق الشروط الضامنة لمستقبل السلم المدني: أليست مفارقة الدراما الحالية أن هذا الحق كان مكفولاً لهم في ظل النظام الدكتاتوري البعثي الذي كان لا يخفي علمانيته الدستورية؟” يقول المقال. ويضيف : ” فإذا كنا نرغب مخلصين في أن يصبح الشعب السوري، في أسرع وقت ممكن، في وضع يمكّنه من أن يختار مصيره بحرية، فإننا نظل قلقين أيضاً وبشكل خاص في شأن المصير الذي ينتظر الأقليات في سورية التي دمرتها أعمال العنف في الأشهر الأخيرة، في منطقة تهتز اهتزازا قويا بسبب التوترات الدينية والجيوسياسية.”
ما تختم به الرسالة يحاول اصطناع التباس او ازدواجية او دخان يعمي الوجدان بالخلط بين حقوق الانسان وحقوق الاقليات : ” إن حرية الضمير، وحرية العبادة التي يختارها المرء، من دون الخوف على سلامته وأمانه، لا تمثلان قضية جانبية أو ثانوية، وإنما مصدر قلق دائم. وهي تمثل شروط السلم المدني والاستقرار، اللازمين لعملية التحول الديمقراطي.
يجب أن تكون الرسالة التي تضطلع بها فرنسا بإرسالها إلى قادة الثورة السورية أيضاً هي أن وظيفة الدولة التي تحترم حقوق الإنسان تتمثل في حماية أرواح جميع مواطنيها، وفي تأمين سلامة طوائفها كافة. فمن خلال معاملة الأقليات، تقاس حيوية دولة القانون، وقوة الحكومة. يجب إعادة بناء سورية الجديدة بحيث تكون لأبنائها كافة.”
حقوق الانسان الفرد هو الضمان للديمقراطية:
إن الخطر على السوريين بما فيهم الاقليات لن يكون في حال منعوا من جهة ما من ممارسة العبادة او من حرية الضمير، التي منعوا منها عقوداً في ظل الديكتاتورية، ليست حرية الضمير هي ما تهدد وجود السوريين بل إن ما يهدد السوريين الآن ومنذ سنة ونصف هو المنطق الروسي الذي يكشف عنه التصريح وزير الخارجية بوضوح لا لبس فيه إنه يهدد السوريين بانهار الدم في حال لم يوافقوا على بقاء بشار الاسدن هل هناك في التاريخ الدبلوماسي ما هو اوقح من هذا التصريح ؟ إنه تصريح يصنّف بإرهاب الدولة، ويجب إحالة قائله إلى محكمة جرائم الحرب، وإلى محكمة العقل والضمير، والكلام أيضاً للسيدين في الجمعية الوطنية الفرنسية، باعتبارهم عرّجوا على حرية الضمير.
وهنا بالإلتفات إلى مقال السيدين النائبين في الجمعية الوطنية الفرنسية، فنحن نطمئنهم بأن حرية العبادة ليست بالمسألة الصعبة في سورية الحالية ولن تكون أيضاً صعبة في سورية المستقبلية، وهي متوفرة في اعتى الديكتاتوريات بينما منعتها الثورة الفرنسية وقتلت كثير من رجال الدين والراهبات ذبحاً، كما منعتها دولة عظمى كما الاتحاد السوفيتي، لكن في الشرق لن يمنع احد حرية العبادة، باستثناء الديكتاتوريات والدول
الثيوقراطية كما ايران،
بالنسبة للأقليات العلوية والدرزية فالعبادات التي يمارسونها لا تتعلق اساسا بمكان عام ومفتوح كما في الجوامع والكنائس، فلا خوف على عبادتهم إذاً، وبالنسبة للمسيحيين فمن دمر وقصف الكنائس لم يكن سوى النظام “العلماني” الاسدي المحمي طوال عقود من فرنسا، مثلما قصف المساجد، وإذا كان الوزير الفرنسي والنائبين في الجمعية الوطنية يخشون من منع المسلمين من الصلاة في المساجد فنحن نطمئنه ان المسلمين سيصلّون في بيوتهم ؟؟ إن كان هذا الخوف الفرنسي مبرراً او حجة للتدخل في الشان السوري وتقرير مصير الشعب السوري .
نقول أيضاً للسيدين المحترمين انه يجب ان يكون واضحا ان مجرد ضمان حقوق الانسان كفرد في اي دولة سورية جديدة هو امر كاف لاحترام حرية ضميره وايمانه واعتقاده وحقوقه كمواطن في مجتمع حداثي بمعزل عن النظر للسوريين كاقليات او مجموعات، إن الحداثة التي نريدها ان تصل الى سورية، بعد ان مضى على ولادتها في اوروبا ما يقرب من قرن ، تجعلنا نؤمن ان الانسان كفرد كامل الحقوق والحريات هو ما يعول عليه وهو ما يؤسس الدولة السورية الحديثة وينزع من طريقها الالغام التي يريد البعض نزع فتيلها باسم حماية الاقليات، إن حماية الانسان هو الاساس فهو المنطلق لحماية الشعب السوري ودون ذلك ليس سوى من بقايا
التفكير القروسطي المتخلف.
السؤال الاخير والاهم للسيد فابيوس هو: ألا يعتقد ان عقلية “ضمان حقوق الاقليات” هي بالضبط ما يمكن ان
يمزق سورية ؟
كاتب سوري
حمام الدم الروسي و”ضمان حقوق الاقليات”: خلفية تصريح فابيوس عن “حماية الاقليات” في سوريةنقول أيضاً للسيدين المحترمين انه يجب ان يكون واضحا ان مجرد ضمان حقوق الانسان كفرد في اي دولة سورية جديدة هو امر كاف لاحترام حرية ضميره وايمانه واعتقاده وحقوقه كمواطن في مجتمع حداثي بمعزل عن النظر للسوريين كاقليات او مجموعات، إن الحداثة التي نريدها ان تصل الى سورية، بعد ان مضى على ولادتها في اوروبا ما يقرب من قرن ، تجعلنا نؤمن ان الانسان كفرد كامل الحقوق والحريات هو ما يعول عليه وهو ما يؤسس الدولة السورية الحديثة وينزع من طريقها الالغام التي يريد البعض نزع فتيلها… قراءة المزيد ..