القسم الأول
اعداد : أحمد مولود الطيار
في ظل احساس عال بالمسؤولية وفي توق واضح للالتقاء مع الآخر والحوار معه ورغم ندرة المنابر المتاحة أمام السوريين. مرة اخرى يوفر “الفيس بوك” فرصة ثمينة للحوار حول قضية مست وتمس ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ألا وهي العنف العاري وما جرى من أحداث في حقبة الثمانينات من القرن الفائت. فعلى صفحة “بروفايل” الأديبة السورية منهل السراج، التقت تيارات سياسية مختلفة وشخصيات مستقلة حيث دار حوار هام وضروري لقضية شغلت السوريين طويلا ولا تزال جرحا مفتوحا يُأمل أن يتم اغلاقه كيلا يستمر نزفه طويلا.
كان ذلك عنوان مقال منهل السراج الذي فجر حوارا لايزال مستمرا” حماة شباط، فبراير 1982 ألا من مرهم للذاكرة؟
لا بل اخذ يتمدد ويتوسع الى صفحات اخرى ، منها صفحة الكاتب والباحث ياسين الحاج صالح ومتوقع أن يستمر النقاش حول الموضوع طويلا لما في ذلك من أهمية في فتح هذا الملف الشائك واحاطته باضاءة كافية عبر سحبه من ” احتكار رواية النظام السوري وسردياته المضللة حول قضية أرقت ولا تزال تؤرق ذاكرة السوريين ومستقبلهم.
في الحوار حول هذه القضية الوطنية بامتياز، شارك في اثرائه سوريون في الشتات والداخل، ممن يتقاطع في رؤيته لتلك المأساة مع رواية النظام، وممن هو على يسار ” جماعة الأخوان المسلمين ” ، ومن ممثل تحدث بشكل واضح باسم الجماعة الى مثقفين مستقلين، وهو بلا شك خطوة متقدمة جدا وبغض النظر عن التباينات الحادة التي برزت في الحوار الا أن محاولة طمس أو تشويه أو دفن ما جرى من أحداث في سنوات الدم في الثمانينيات هو ضار بكل المقاييس ، ليس للماضي فقط انما لحاضر سوريا ومستقبلها.
يلج مقال الكاتبة والروائية السورية السراج الموضوع من ” لايكاد يخلو مقرر دراسي في السويد من ذكر الهولوكست.” (تجدر الاشارة أن الكاتبة مقيمة في منفاها الاختياري في السويد) حيث الأسماء والتاريخ والأمكنة حُفظت ولا يمكن تجاهلها و” القضية اليهودية ” حاضرة ولا يمكن طمسها، حيث تريد الكاتبة القول، أن اليهود عرفوا ” كيف يخاطبون العالم، بذكاء، بخبث، بدهاء وسياسة، بحق أو بدون وجه حق، المهم أنهم نجحوا، خاطبوا الناس والتاريخ وليس آلهة في السماء.” وترى الكاتبة أن الشعب اليهودي استطاع ” أن يكرّس قانوناً دولياً يدين كل من يتفوه ببنت شفة عن الهولوكوست “.
” الأمر الذي نفتقده في خطابنا عن آلامنا ومعاناتنا وهمومنا” هذا ما تقوله وتريد أن تصل اليه الكاتبة عبر المدخل الذي ولجت منه، وفي الطريق الى حماه وتدمر وحلب وجسر الشغور وكل المدن التي تعمدت بالدم ،تعرج قبل الوصول، الى قضية طازجة، هي قضية ” مروى الشربيني ” المصرية التي راحت ضحية العنف والتطرف، حيث خطاب أم قاتل ” مروى ” الى العالم ” ابني حزين جدا ويتمنى الموت “، وترجو العالم أن يسامح ابنها.
تتسائل الكاتبة : ماذا فعلنا نحن ؟ ” ماذا فعلت جماهيرنا ؟ ” تتحول ” مروى ” الى بازار ويتحول دمها الى صراع حول الحجاب وتُنسى مروى الانسانة. ماذا لو كانت الضحية أوربية ؟ تتسائل الكاتبة. ثم تجيب ” ، لوجدنا مسلسلاً يومياً في الصحف يتناول تفاصيل القضية وأخبار الجاني والمجني عليه وماقيل من رأي عام وماتغير من رأي عام، كانوا سيعدّون استفتاءات شعبية، لأنهم يعرفون أن التذكير بالجريمة يربي الناس ويعظ بشكل غير مباشر ويؤثر على اللاشعور الفردي والجمعي معاً.”
حماة 1982، تصل الكاتبة المدينة، التي استمرت فيها ” المجازر والتهديم امتد طوال خمسين يوماً بدءاً من الثاني من شباط 1982″. لا تبتغي الكاتبة من النبش في الماضي سياسوية أضرت ولم تفيد، أرادت فقط اعادة الاعتبار لأرواح من ماتوا ، تريد اعادة الاحترام للشهداء في أي طرف كانوا، نازعة أرواح من ماتوا من ثنائية قذرة عبر شيطنة وأبلسة لطرف وملائكية في طرف مقابل، حيث تقول الكاتبة عبر اسئلة حارقة ” ؟ لم لانحترم ذاكرة بعضنا؟ لم نصادر على بعضنا مخاوفنا وتخوفنا؟ كيف لانخاف من بعضنا والتاريخ كان حافلاً بالآلام. كيف نلغي ذاكرة بلد لأكثر من أربعين عاماً تحت الظلم والترويع؟
ثم تتابع المرارة عبر غوص أكثر في التفاصيل من خلال صديقة الغربة والدعوة الواضحة والصريحة لاحترام كل الذاكرة تقول: “صديقتي التي تزورني وأزورها نأكل معاً ونتحدث طويلاً ونشتكي هموم غربتنا، تقول بأن ابن خالتها في سوريا الضابط في الأمن إنسان جيد جداً وقد خدمها بأشياء كثيرة، تقول هذا بحب وحنين، وأنا أجفل من ناحيتي، أجفل حين أسمع كلمة ضابط، لأنها تعني لي العذاب، هو الشخص الذي يعذب، هي الكلمة التي تستدعي في الذاكرة بلحظة واحدة سجوناً وإهانات وتحقيقات واستدعاءات لسنين طويلة، وتعني عند صديقتي تسهيل أمور وحل مشاكل، أفهم تماماً هذا الاختلاف بالذاكرة، ولكن، لم لا أقول ماعندي وتسمعني؟ وتقول ماعندها وأسمعها؟ مشروعة مخاوفنا وذاكرتنا، وغير مشروعة أبداً ادعاءاتنا أننا لانخاف ولم نخف! غير مشروع أن تصادر ذاكرتنا كما من غير المشروع أن تحوَّل إلى آلة لاستثارة الرغبة بالانتقام “.
اذن فتح الجرح ضروري انما لكي نداويه و نبلسمه ونتجنب كل القيح والاعتمالات التي ستزداد اذا أصررنا على خياطته كيفما كان، كيلا يتحول الى فزاعة حقيقية وعنف وعتف مضاد. المرهم ضروري وحوارنا هذا جزء من المرهم.
في الجزء الثاني وربما ما سيليه من أجزاء سنعرض بشكل واسع وشامل لكل المداخلات والتعليقات لقضية كما أسلفنا وطنية بامتياز “حماة في ذكراها الثامنة والعشرين”.
ahmadtayar90@hotmail.com