“أنا أيضا كنت أعتقد بأن الأرض الواقعة ما بين البحر (الأبيض المتوسط) والنهر (نهر الأردن)، هي ملك لنا نحن اليهود وحدنا. كنا نحفر في الأرض ونجد الآثار اليهودية في باطنها في كل مكان ونعتقد بأننا أصحاب الحق التاريخي وحسب. ولكن في نهاية المطاف، وبعد الكثير من العناء والتردد، توصلت الى القناعة بأن علينا ان نتقاسم الأرض مع من فيها. لا نريد دولة واحدة لشعبين».
*
خطاب السيّد أولمرت “تاريخي” فعلاً، ولو أن بعض إعترافاته تدخل في باب البديهيات. فـ”الفكرة الصهيونية”، أي فكرة “دولة إسرائيل الكبرى لليهود” انتهت ليس منذ الإنسحاب من غزّة، بل قبل سنوات عديدة حينما وافق أرييل شارون بالذات (في مفاوضات سرّية جرت في باريس) على الإنسحاب الأول، وكان الإنسحاب من “أريحا”. وأعقب ذلك الإنسحابات من أقسام من الضفة الغربية، ثم الإنسحاب الأخير من غزّة. وقبل ذلك، الإنسحاب من سيناء.
مع ذلك، فالإقرار بالبديهات يظلّ عملاً “تاريخياً”، كما كان خطاب ياسر عرفات في جنيف في العام 1998 عملاً “تاريخياً”، وكما كانت مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك عبدالله بن عبد العزيز، وكانت أشجع مبادرة تأخذها الدولة السعودية في تاريخها كله.
فالإيديولوجيات تبلغ أحياناً درجة من “القدسية” تجعل تغييرها أعسر من تغيير الأوضاع الميدانية. وهذا ينطبق بصورة خاصة على “عقائد” الصراع العربي-الإسرائيلي.
خطاب أولمرت المبشّر بسقوط الحلم الصهيوني الأصلي وبضرورة السلام تقابله رغبة فلسطينية وعربية حقيقية و”شعبية” في السلام. لأسباب عربية وليس لأسباب إسرائيلية: فالبيت العربي خَرِِب ومنهار، في أنظمته السياسية واقتصادياته وأنظمته التعليمية، وفي إصلاحاته الموقوفة (بما فيها الإصلاح الديني) منذ 60 عاماً بـ”انتظار” انتهاء الصراع العربي-الإسرائيلي.
لماذا قرّر أولمرت أن يعترف بـ”الحقيقة”: ربما لأنه لم يعد لديه ما يخسره كسياسي محترف. وخصوصاً لأن هذا الخطاب وحده يجعل منه “رجل دولة” لأول مرة!
ولكن، أيضاً، لأن الوقائع لا ترحم: فإذا ما ظلّت إسرائيل تماطل وتتذرّع (مرة بعرفات، ومرة بحماس، ومرة بالأصولية الإٍسلامية) في رفض السلام، فسيأتي الوقت الذي يستحيل فيه الفصل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وسترتدّ “المستوطنات” المغروسة في قلب الشعب الفلسطيني على من خطّطوا لها لتصبح أكبر دليل على استحالة هذا الفصل. وعندئذ، سيصبح مشروع “دولة لشعبين” الذي لا يريده أولمرت والإسرائيليون هو الحلّ الوحيد “الممكن”. وقد اكتشف أرييل شارون هذه الحقيقة حينما بدأ هجماته لضرب السلطة الفلسطينية الناشئة، حينما تبيّن له أن الصراع مع الفلسطينيين بات أقرب إلى “الحرب الأهلية اللبنانية” منه إلى حرب ميدانية على جبهة عسكرية واضحة!
حل “دولة لشعبين” سيعني، لو تحقّق، إنتهاء “إسرائيل كدولة للشعب اليهودي”، وهذا جوهر “الحلم الصهيوني”. وتلك ستكون مما تُطلَقُ عليه تسمية “سخرية الأقدار”!
وإذا كان العالم الآن يغض النظر عن وضع الأقلية العربية داخل إسرائيل، فلن يقبل العالم في المستقبل وضعاً يكون فيه الفلسطينيون، داخل إسرائيل وفي الضفة وغزة، معاً (وعددهم قد يناهز تعداد الـ5 ملايين يهودي الحاليين)، شبيهاً بأوضاع السود في روديسيا البائدة. وهذا عدا أن مثل هذا الوضع قد يفجّر الديمقراطية الإٍسرائيلية من داخلها.
*
هل تسير إسرائيل في منهج السلام وفقاً لتصوّر أولمرت؟ ليس مؤكّداً. فالتخلّي عن الأراضي ليس سهلاً. وعقدة الإضطهاد الذي عانى منه اليهود تجعلهم ميّالين لعدم الثقة بالآخرين وبالمستقبل وبالسلام. كما أن “العدو العربي”، بأنظمته المستبدة التي تحكم بلادها بدون دساتير وبدون قوانين، لا تشجّع على الثقة.
أولمرت على حق حينما يقول: “بصراحة تامة، إن حل الدولتين لن يوقف الخطرَ ولن يضع حدا للتهديدات التي تواجه اسرائيل من الطرف الفلسطيني. فهناك قوى ارهاب فلسطينية وعربية لا تريد السلام في أية شروط. ولكن المجابهة مع قوى كهذه ستكون أقوى وأكثر نجاعة عندما نكون قد صنعنا السلام مع الغالبية الساحقة للفلسطينيين“.
وهذا ينطبق بصورة خاصة على “حماس” و”حزب الله” التي يبدو، بصورة متزايدة، أنها تخوض “حروب الماضي”،وتحارب بأجندة إيرانية معرّضة للتغيير حالما تضمن إيران بقاء نظامها الديني والإعتراف بنفوذها الإقليمي. ولكن القبول العربي “الشعبي” للسلام سيعطي شعب إسرائيل ضمانةً لا تضاهيها قوة إسرائيل العسكرية.
لقد أصاب أولمرت حينما ركّز على “السلام مع الفلسطينيين” قبل سواهم. فإسرائيل لن تحصل على السلام من “سوريا الأسد”، كما لم تحصل على السلام من معاهداتها مع مصر والأردن، أو من إعتراف قطر.. بها! وحدهم الفلسطينيون يحملون مفاتيح السلام بدعم عربي، في حين لا يمكن للعرب أن يقدّموا السلام في حين تعيش غزّة ومخيّمات اللاجئين حالة هوانٍ وبؤس مستمرة ومتزايدة منذ 60 عاماً.
*
سلام الشجعان الذي طرحه ياسر عرفات في الأمم المتحدة (ثم تراجع عنه في اللحظة الأخيرة..) يظلّ الحلّ الواقعي، والبديل العقلاني الوحيد عن إستمرار الحروب والدماء والخراب.
وإذا كان أولمرت يعترف بأن الوقت لا يعمل لصالح إٍسرائيل، القويّة والمزدهرة، فما سيقول العرب الذين فقدوا حرياتهم العامة، وديمقراطياتهم، ومستقبل أبنائهم، ويكادون يفقدون إستقلالهم كأمة ليتحوّلوا إلى ورقة في يد “الملالي” الإيرانيين؟
“الحلم الصهيوني”، أي حلم “إسرائيل كدولة لليهود”، معرّض للسقوط إذا استمرّت حالة “اللاسلم واللاحرب”. ومثله حلم النهضة العربية، والمستقبل الليبرالي العربي: عالم عربي تسوده شرعة حقوق الإنسان الدولية، يصبج أهله “مواطنين” وليس “رعايا” أو أبناء “طوائف”، وتحكمه برلمانات حقيقية، وقادة (نساء ورجالاً) يتركون السلطة وهم في أتمّ عافية، ورأي عام مؤثر، ونقابات حرّة، وصحافة حرّة، وكتاب غير مراقب، وجامعات حرة، واقتصادات تقوم على الكفاءة والإنتاج وليس على “الريع”..
*
ما لم يقله أولمرت هو أن إسرائيل ستضطر إلى تغيير قسم أساسي من عقيدتها الإستراتيجية إذا كانت تريد إنقاذ ما تبقّى من “الحلم الصهيوني”. مسؤول في الخارجية الأميركية نقل لي عن محاور إسرائيلي أن “النظام الأردني هو أفضل نظام عربي” في نظر الإسرائيليين. ولم يكن يقصد “مؤامرة إسرائيلية-أردنية” مزعومة، وإنما كان المقصود واجهة ديمقراطية محدودة مدعومة بقوة “بدوية” ضاربة عند الحاجة. المراهنة على أنظمة البؤس العربي (وقد يكون النظام الأردني “أرحم” هذه الأنظمة) سيبقي الغلبة لإسرائيل راهناً، ولكنه أفضل وصفة للخراب مستقبلاً. الرهان الإسرائيلي على عودة الإحتلال البعثي للبنان مستمرّ حتى الآن، ولكن ماذا ستحصد إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد؟
أميركي آخر عاش سنوات في غزة قال لي: “الحَسَنة الوحيدة لحماس هو أنها باتت تؤمن تنظيف الشوارع لأن الغزاويون لا يقبلون بالأعمال الوضيعة. كل عائلة في غزّة تقتني كومبيوتر واحد على الأقل. ومستوى التعليم مرتفع. لا يقبل الغزاويون بأقل من مستوى الحياة الذي يعيشه الإٍسرائيليون”!
ولا العرب الآخرون يقبلون بأقلّ!
*
العرب والإسرائيليون الآن، رغماً عنهم، في قارب واحد. ولكن صراعهم، فوق ذلك، بات، وسيصبح بصورة متزايدة، خطراً على سلام العالم. وقد يأتي اليوم الذي يضيق فيه العالم (بما فيه الإدارات الأميركية) باستمرار هذا الصراع العبثي الذي بدأت عواقبه الإرهابية تضرب أكثر عواصم العالم أماناً.
pierreakel@gmail.com
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفة
مسرحيات ومهازل لان المباحثات تتم بين نظامين مختلفين نظام اسرائلي ديمقراطي يحترم الانسان وشعبه وبين نظام شمولي مخابراتي مافياوي يدمر شعبه والمنطقة ان السلام الحقيقي يجب ان يبدا بين النظام السوري والشعب اولا وذلك بتطبيق الديمقراطية واحترام الانسان في الداخل وبهذا ياخذ الحكم اذن من الشعب بعملية السلام وشروطها.
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفةهذه قراءة علمية لا غش فيها لواقع الصراع العربي الإسرائيلي ، انطلقت من رؤية دياكرونية مسايرة للمتغيرات الناجمة عن أحداث القرن العشرين الكبرى ، وأهمها تراجع ثيمة الصراع بين معسكرين يزعم كل منهما أنه قادر للوصول بالتاريخ إلى نهايته [ حلم هيجل وماركس المستحيل ] والحاصل أن سيولة كونية جرت وجرّت وراءها الأيديولوجيات إلي مخازن الخردة : تبخر الإتحاد السوفييتي ، ثم الإتحاد اليوغسلافي ، وترسملت الصين تحت بصر وسمع ومباركة الحزب الشيوعي! وتأكد للعرب استحالة قيام الدولة العربية المتحدة ، وبالمقابل استبانت الأجيال المولودة في إسرائيل بحكم معايشتهم للفلسطينيين، وبتأثير المؤرخين الجدد ، أيضا… قراءة المزيد ..
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفةقول ايهود اولمرت اتى بوقت متاخر جدا جدا وقد كلف المنطقة من الدماء انهار وهو نتيجة تطور علم الاتصالات والعولمة التي كشفت عن اهداف اسرائيل الحقيقية بتحقيق اسرائيل الكبرى(المعبد). بانها كانت تعتبر شعوب المنطقة كهنود حمر يجب تصفيتهم وتهجيرهم وتحقيق المعبد(اسرائيل الكبرى) ولهذا دعموا الديكتاتوريات والنظم الشمولية في المنطقة ودعموا احتلال العراق لتدمير العراق وتفتيتها وتفتيت المنطقة ودعم المليشيات لحروب طائفية وعرقية ليتسنى لهم تحقيق حلمهم المعبد ولكن وجدوا انهم ينطحون رؤوسهم بحائط حديدي وهو تاريخ المنطقة والحروب الصليبية ونهاية الصفويون بان شعوب المنطقة لا بد وان تستيقظ وتنهي المافيات والطواغيت وانظم الشمولية وتبني حضارتها… قراءة المزيد ..
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفة وعادت حليمة إلى عادتها القديمة ! كل قائد إسرائيلي لابد إن يدخل التاريخ من بابه الخلفي, بعد إن يرتكب جرائم بشعة بحق الشعب الفلسطيني من بابه الأمامي ” فاشي ” , هل خوفا من اللاحقة التاريخية في المستقبل البعيد؟ أو مراوغة مدروسة جديدة!, هم ينظروا بعيد جدا جدا . جولد ماير , منيحن بيجن , اسحاق رابين , شمعون بيرس , أرييل شارون , كلهم سفاحين إمام المواطن الفلسطيني المعزول من السلاح , وحيد يقف و بيده الحجارة أمام الجيش المسلح, بشاهدة القادة العرب والمسلمين , هم دائمايضلون إبطال تاريخيين في النزاع مع العرب… قراءة المزيد ..
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفة
تحليل صائب وعقلاني ومعتدل ولا انحياز فيه بالمطلق، بالعكس فالأنحياز للطرف الفلسطيني واضح. وهكذا يفكر المثقف الوطني، من غير أن يجون موقفه العلمي الأكاديمي.
أستاذ بيار، أنت رجل حكيم ومعتدل وانساني. كل ما تكتبه جدير بالقراءة وفيه معرفة عميقة بالأمور وموقف انساني..
ولذلك اشكرك!!!!
حلم أولمرت المستحيل والنهضة العربية الموقوفة
عزبزي بيار: تحياتي للسيد أولمرت وابلاغه أن ليس هناك مسؤول أو متنفذ يود إنهاء المشكلة, لو انتهت المشكلة ستنقلب الطاولة ويشحذ الكبار عند المساجد و الكنائس والبيع, وهذا ما لا نقبله حتى نحن الذين نعيش تحت الخط لأننا سنصاب بصدمة تنهينا. تحياتي .