لا تتوقف حركة النزوح السوري تجاه لبنان
في بدايات التهجير الذي مارسه النظام والقوى المتحالفة معه في لبنان، فُتح باب النزوح على مصراعيه دون رقابة. استقبل اللبنانيون القادمين، في بيوتهم وبين عائلاتهم وتعاطفوا معهم وتعاملوا معهم بكرم. لكن بعد مرور السنوات، ومع تدهور وضع اللبنانيين المأساوي، تغير الوضع وباتوا يشكلون معضلة لا يريد المجتمع الدولي تسهيل حلّها، وفي نفس الوقت ويحرص على ابقائهم في لبنان منعا لوصولهم الى أوروبا.
في المقابل تتواطأ السلطة، التي امتنعت عن إيجاد مخيمات لأنها لم تكن تتناسب مع اجندة حزب الله. وحتى الآن لا تعمل على أي حلّ لهذه، مع خطاب عنصري يبيض صفحتها ويؤجج الصراع بين اللبنانيين والسوريين.
السؤال الموضوعي بمعزل عن الجدل القائم:
هل يمكن ان يتحمل لبنان، أو أي بلد آخر، وطأة مثل هذا العبء المتمثل باستقبال ثلث عدد سكانه من النازحين؟ مهما كان نوع المساعدات وحتى لو زادت 10 اضعاف عما هي عليه الآن؟ وما معنى الحديث عن العنف والتخوف من انفجاره مع ما يسمونه استسهالاً بالعنصرية؟
في ميدان العنف علينا التفريق بين مفهومين مختلفين. هناك “عدوانية الغضب”، أي عندما ينفجر السلوك العدواني. وهناك “عدوانية – الحقد” أي التوتر العدواني الدائم والكامن والمستمر.
يرتبط هذان المظهران ببعضهما بالطبع، فالتوتر الدائم أو الحقد ينتج عن مجموعة من التوترات العدائية الحادة والمكبوتة فتتراكم بشكل لا يمكن معه التخفيف من حدتها. إن الحافز على الغضب المتصاحب بخوف شديد من ردة الفعل عليه، يؤدي إلى تفريغ شحنات الغضب داخلياً ضد جسم الفرد بالذات، فيسجل ظهور لعوارض تشنجات وضيق وظيفي أو عضوي، وعندما تدوم طويلاً، تُعرّف بالسترس خصوصاً عند ارتباطها بعوامل الانهيار اللبناني المتعددة والاكتظاظ الشديد بسبب النزوح السوري.
ولإن مختلف انفعالاتنا، كالغضب والخوف والفرح الشديد والإثارة الجنسية، أو الشعور غير الواضح بالتهديد، تتسبّب بردود فعل نوعية، على مستوى الأعصاب والغدد الصماء. يعني هناك تربة مشتركة لكل الانفعالات، (مثل سرعة التنفس وارتفاع ضغط الدم وازدياد انقباض القلب وتسارع دقاته وبدايات لتوتر العضلي…).
كل ذلك يؤدي الى صعوبة السيطرة على الذات.
إذن إن استمرار ضغط هذه العوامل على اللبنانيين والسوريين، ينشط الغدد التي ذكرنا مفعولها، بشكل زائد ما يجعلها تضمر ويصبح تأثيرها مميتاً.
وهذا ما يحصل حتى عند الجرذان فيسجل عندهم ازدياد الوفيات، ويسجل أيضاً ازدياد العدوانية عندها كما يحصل عند الإنسان. فتظهر سلسلة من الاضطرابات متعلقة بالحضانة وسلوك الاجتذاب والنشاط الجنسي غير السوي كالاغتصاب والتكاثر الفائض واضطراب التنظيم الاجتماعي. من هنا ازدياد نسبة الجرائم ووتيرة العنف على انواعه.
لا اللبناني يعيش حياة لائقة ولا السوري أو الفلسطيني.
على المجتمع الغربي إدراك خطورة كل ذلك مستقبلاً وآثاره التي يصعب احتواؤها، والعمل على معالجته جدياً وليس عبر “الستاتيكو” القائم حالياً في سوريا وفي لبنان.