ينقل قادمون من مدينة حلب ان المدينة تتعرض لعملية تدمير منهجي. تدمير يمارسه الجيش السوري النظامي بطريقة انتقامية ليس من مقاتلي المعارضة والجيش الحر، بل من المدينة وابنائها عموما. فالطائرات الحربية السورية على انواعها تدك المدينة بشتى انواع الصواريخ والقذائف المدمرة.
احد هؤلاء، وهو احد ابرز المحامين المعروفين في مدينة حلب، غادرها قبل ايام قليلة متجها مع جزء من عائلته الى الخارج عبر لبنان، يلفت إلى ان قصرالعدل في المدينة دمر تماما بقصف الطائرات، متحدثا بأسى عن تداعيات تدميره واحراق واتلاف عشرات الآلاف من الوثائق القانونية والادارية التي تتصل بحقوق الناس.
الجيش النظامي لا يزال يسيطر على 30 في المئة من المدينة، اما البقية فهي تحت سيطرة الجيش الحر ومجموعات معارضة، وكل منطقة تخرج عن سيطرة الجيش النظامي تصبح على لائحة التدمير. ويلفت هؤلاء الى ان النظام يستعمل قوة تدميرية تصل الى حد توجيه قذائف تدمر مباني بشكل كامل لا بل ثمة استهداف منظم لكل الاماكن التي يمكن ان تضم تجمعات بشرية. كلّ هذا بشكل غير مفهوم الا من خلال الحقد والانتقام بعدما ايقن النظام ورجالاته ان المدينة لفظتهم ولم تعد لديهم فرصة للعودة اليها الا بقتل ابنائها وتدميرها بالكامل.
يجزم القادمون من حلب ان سيطرة جيش النظام على جزء من المدينة تأتي من استخدام الطائرات والقوة التدميرية التي لم يزل يمتلكها، واصفا إياه بجيش يقاتل في بيئة عدوة وينظر الى كل انسان او مبنى، العام منه قبل الخاص، على انه هدف يجب ازالته من الوجود. ولفت هؤلاء الى ان هذا النظام يدمر كل معالم المدينة الاثرية الى حد استهداف القلعة التاريخية الشهيرة في المدينة، وهو ما دفع المقاتلين المعارضين الى الانسحاب من القلعة بعدما دخلوا اليها قبل اسابيع. وباعتقادهم فإن انسحاب المقاتلين منها كان بسبب ادراكهم ان النظام سيدمرها ما فرض قلقاً جدياً وفعلياً من ارتكاب النظام مثل هذه الجريمة، علما أن جزءا منها نالته اضرار نتيجة عمليات القصف من قبل كتائب الاسد. في حلب مصطلح يتداوله هؤلاء القادمون هو فئة “شبيحة الشبيحة”. وهي الفئة التي كانت تمارس اعتى انواع الظلم والقتل منذ عقود، وهي من اهم ادوات النظام التي كانت متخصصة في اذلال الناس وقتلهم. هؤلاء اغتنوا بالمال وسلّحهم النظام ومارسوا النهب وجنى رموزهم ثروات طائلة عبر اطلاق يدهم في تجاوز القانون والاخلاق وفي اذلال كل من يشتم منه رائحة عدم استزلام للنظام وأجهزته، وكل من يحاول ان يعمل من خارج سلطتهم. حتى إنّهم صاروا هم القانون الذي يجب ان يسلّم به كل الناس في المدينة ومحيطها. بعض هؤلاء طالته يد الثوار في بداية مرحلة تحرير حلب، ومخازن الاسلحة التي كانت في حوزتهم لم تزل تشكل العماد الاساس لسلاح المنتفضين على النظام، فضلاً عن الثكنات العسكرية والمراكز الامنية التي فرّ الجنود منها او انشقوا بعد بدء انتفاضة حلب. وان كان المتحدث ليس خبيرا عسكريا، إلا أنّ الحقيقة، بحسب قوله، ان لا دعم فعليا من قبل الدول العربية والغربية للثورة. فالدعم الفعلي المطلوب ليس اكثر من منع النظام من استخدام الطيران الحربي لأنّ قرار حظر استعمال الطائرات الحربية وحده كفيل بانهاء النظام السوري.
نظام انتهى وما هو مستمر ليس سوى التدمير الممنهج للمدن والقرى وللبنية الاقتصادية. فالنظام وقواته العسكرية ليس لديهما في محافظة حلب اي تقبل او حاضنة شعبية. لذا فإن معظم المناطق باتت في يد الجيش الحر باستثناء بعضها، حيث تتمركز قوات الاسد ويشكل الطيران العنصر الاول في حمايتها، فضلا عن القوة المدفعية والدبابات. وثمة قناعة بأن الدعم الايراني المادي والسياسي والعسكري الروسي للنظام هو ما يحافظ له على القدرة التدميرية.
لذا يؤكد المحامي البارز في حلب “ان تدمير سورية الجاري اليوم من قبل النظام والداعمين له وبسلوك المتفرجين الدوليين والعرب، يؤسس لحرب مذهبية طاحنة قد تتيح قيام دولة علوية يسعى آل الاسد الى تحقيقها بالقتل والتدمير، وترحب بها اسرائيل، ولن تتضرر منها ايران. تلك الدولة التي، كما عمّدت العلاقة العلوية الشيعية بالدم، بتغطيتها اجرام نظام الاسد الطائفي التدميري أحدثت شرخا بينها وبين السنة وبين السنة والشيعة كما لم يحدث من قبل”.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
جريدة “البلد”