هل تذكرن الآيزيديون؟
هل تذكرون الايزيديات؟
عارنا؟
لا تنسوهم.
لا تنسوهن.
فما حدث ويحدث لهم/ن لم ينته بعد، ومعه مسؤوليتنا فيما يحدث لهذه الأقلية.
نحن مسؤولون. نحن مسؤولات عما يحدث لهن/م.
فليس هناك اسهل من لوم “التطرف”.
كأنه نزل من الفضاء. غريب عنا. دخيل علينا.
كأنه ليس منا.
وننسى أننا فتحنا للتطرف بيوتنا. وصفقنا وهللنا له. وتركناه يتحكم في عقولنا وحياتنا.
كأننا لم ندعوه إلى منابرنا، ومدارسنا، وإعلامنا؟
*
سأقص عليكن قصة. حكاها لي صديق ايزيدي من خانك. عن فتاة في ٢١ من العمر. من مواليد ١٩٩٣.
سأسميها ريحانة.
من قضاء شنكال، قرية كر زرك، تل أصفر بالعربية.
تحكي.
في الثانية صباحا. في الثالث من اغسطس ٢٠١٤.
دهمت داعش القرية.
ورغم المقاومة، تمكنت من إقتحامها.
تمكنت من فعل ذلك بسبب “مساندة العرب الجيران السنة من القرى المجاورة”، من عشائر “ المتيوتية والخاتونية والجحيس..”.
ياخزيكم.
يا عاركم.
دعموا داعش. ساعدوها في الحصار، ومكنوها من إحتلال القرية!
جار وجاره. يأكلان معا، يعيشان معاً. ثم فجأة لا يصبح جاراً. يصبح خائنا. ينقلب على جاره لأنه غير مسلم! يقول له سأفتح الباب لداعش إلى بيتك، كي يقتلك، ينتهك عرضك، ويسلب مالك، لإنك لاتؤمن بديننا.
بإسم الدين؟
أي رب يعبد؟
وهل الرحمن كراهية؟
فقط عشيرة واحد، عشيرة واحدة لم تخن. عشيرة شمر. أثبتت أن الخير في الإنسان لازال باقياً.
لكن القرية سقطت.
فأسروا ريحانة.
نقلوها إلى مدينة تلعفر. وجمعوها في بناية مع نحو ٧٠٠ إمرأة، بعضهن مع أطفالهن.
تقول:
“بالنسبة لهم كنا كائنات غير بشرية.
لم نكن بشراً بالنسبة لهم.
تعرضنا للضرب. والتهديد بالقتل، والإغتصاب.
هددونا إن لم نسلم سيقتلونا.
قلنا لهم لن نسلم. فديننا مسالم.
ولا مكان للقتل في ديننا”.
دينها الآيزيدية، وهو دين مسالم. لا يدعو إلى القتل. أوفرض الدين على الغير عنوة.
*
يقولون لها إسلمي عنوة أو نقتلك.
بالله عليكم، بالله عليكن، هل نعي ما يقولون؟
إسلمي غصباً عنك أو نقتلك؟
*
تكمل حكايتها.
“جاء رجل من سورية بحقيبة ملأى بالنقود.
إشتراني وخمسين فتاة اخرى.
كان ثمني ٥٠٠ دولار.
نقلنا إلى محافظة رقة”.
كان الرجل نخاساً. بائع عبيد.
تقول:
“في رقة إشتراني منه فلسطيني. وبعده إشتراني سعودي.
وبقيت لدى السعودي في بيته فترة.
لكني انتهزت أول فرصة غاب فيها عن البيت وفررت.
هربت.
في ساعة متأخرة من البيت.
جريت.
وجريت.
ولم اجد من الجأ إليه.
فدخلت احد البيوت في رقة.
تحكي: “قلت لهم أنا دخيلة عندكم. وحكيت عليهم قصتي”.
فقالوا لها “لا تخافي. انتي اختنا. أنتي بنتنا”.
ومن جديد أثبت الإنسان أن الخير فيه محبة.
إتصلت بأخيها في كوردستان.
وهربها صاحب البيت. ذلك الشريف، ذلك النبيل، ذلك الإنسان، هربها إلى الحدود التركية.
وكان أخوها في إنتظارها. ومن هناك إلى محافظة دهوك، مجمع خانك.
هي الآن في ذلك المخيم.
مخيم تم بناؤه لإستقبال ثلاثة الآف لاجيء ولاجئة، فكدسوا فيه احد عشر الف لاجيء ولاجئة من الأقلية الآيزيدية.
كأنهم سردين.
خيام مهلهلة. تحترق بسهولة.
وبرد قارص.
والمطر يغمرهم طيناً.
والعالم إنتفض لحظة، نظر إلى بلائهم لحظة، صرخ وهلة، ثم صمت، تثاءب، وحطت عليه الغفلة.
فنسي ما حل بالأقلية الآيزيدية.
نسي ما تمر به في تلك المخيمات.
وريحانة،
ريحانة تعيش في هيكل بناية.
بناية غير صالحة للعيش.
وتعاني نفسياً مما مرت به.
وما مرت به نحن مسؤولون عنه.
نحن مسؤولات عنه.
فإذا كانت الحروب تقتل الإنسان فينا، فإن الحروب التي نشنها بإسم الدين تظهر بشاعة الإنسان.
وفكرة الجهاد هو أساس تلك الحروب الدينية التي تشنها داعش وبوكو حرام وشباب الصومال والقاعدة وحركات الجهاد في سيناء واليمن.
فكرة الجهاد التي نصر عليها كفريضة، ونروج لها في خطاب رسمي مؤيد، سني وشيعي على حد سواء.
وأتحدى أن اجد من يُسمي الجهاد بإسمه الحقيقي.
لأن الجهاد ليس إلا عنفاً.
الجهاد ليس إلا قتلاً وترويعاً.
الجهاد ليس إلا إرهاباً.
بإسمه نقتل الإنسان، ونخون الجار، ثم نبيع المرأة وننتهك عرضها.
وإذا كنا كلنا نكرة داعش، ونلعن سنسفيل داعش، ونقول الله يحرق داعش هي لا تمثل الإسلام، فإن خطابهم يمثل ما نسمعه في وسائل الإعلام ليل نهار، ما يلقنوه لنا في المدارس كالببغاوات، وما تمجد له منابرنا في المساجد في كل صلاة: عن السيرة النبوية، عن الفتوحات الإسلامية، عن ثلاث خيارات نتركها امام الشعوب التي “فتحنا” بلادها، إما ان تسلم “غصبا عن ابوها”، أن تدفع الدية، أو الحرب، أي القتل.
وإذا كان كل هذا تاريخاً كما سيقول بعضنا، فلم لا نقول لأطفالنا ومسلسلاتنا التلفزيونية إن ذاك التاريخ لا يصلح لحياتنا اليوم، وإننا إن طبقناه اليوم اصبح إنتهاكاً ووحشية وجريمة ضد الإنسانية؟
ماذا تفعل داعش غير ما طبلنا له في مدارسنا وإعلامنا ومساجدنا؟
الأهم، وهو هو عارنا.
اننا لازلنا نهمس لإنفسنا خلسة، إن الإقلية الآيزيدية، لا تعبد “الله” بل “الشيطان”، و”لعلها لذلك تستحق ما يحدث لها”.
ومافعلته تلك العشائر، التي خانت جارتها، التي فتحت الباب لداعش اكبر دليل على ذلك.
داعش مجرمة.
فهمنا.
ماذا نقول إذن عن تلك العشائر السنية المعتدلة؟
اليس خطابها خطابنا؟
دينها ديننا؟
عارها عارنا؟
الشيطان لذلك فينا نحن.
نحن.
*
إذن اعود وأكرر سؤالي الأول.
هل تذكرون عارنا؟
هل تذكرن عارنا؟
واشيح بوجهي عنكم/ن أقول لريحانة:
“سامحينا ايتها الطاهرة.
إغفري لنا.
خذلناك أيتها الشريفة”.
ثم أنحني إجلالاً لعشيرة شمر، والإسرة التي اووت ريحانة، اردد لها: “شكرا لكما.
فوالله لولا ضياء الخيرفيكما، وفعل المحبة منكما، لكفرت بالإنسان فينا”.
manea@pw.uzh.ch