شهدت جلسة مجلس الأمة الكويتي الأسبوع الماضي إقرار قانون إعفاء اللحى للعسكريين، مما يعتبر إنجازا يحسب للتيار الديني في المجلس. لكن “المفاجأة” حسب الكثير من المراقبين كانت في تأييد 3 من نواب كتلة العمل الوطني للقانون. وقد احتج الكثير من الليبراليين على هذا الإقرار، دون أن يقدموا حججا مقنعة على ذلك، كما احتجوا على موافقة نواب كتلة العمل الوطني على القانون.
في حين تكمن “المفاجأة” بالنسبة لي في موقف النواب الوطنيين الثلاثة في جانب تحليلي آخر، وهو جانب من شأنه أن يتفق أو لا يتفق مع ما قد يحمله هؤلاء الثلاثة من فكر ليبرالي وثقافة إنسانية، بل قد ترتبط موافقتهم بحسابات سياسية بحتة.
بدايةً، لماذا يحتج بعض الليبراليين والعلمانيين في الكويت على حق العسكري في إطلاق لحيته؟ قد يكون هذا الإحتجاج نابعا من عدم أهمية الموضوع في ظل أولويات القضايا التي تشغل بال المجتمع الكويتي. وقد يكون نابعا من ربط الموضوع بمساومات سياسية داخل مجلس الأمة. كذلك قد يكون مرتبطا بعدم رضى الليبراليين من المساعي النيابية لأسلمة المجتمع حيث يرفضون أن يشترك النواب الوطنيون في ذلك.
في تقديري، فإن إعفاء اللحى للعسكريين هو حق شخصي كامل ومشروع، ويصب في إطار الشأن الفردي الخاص ما دام لم يعرقل حقوق الآخرين الخاصة. فالموافقة على القانون أو عدم الموافقة عليه هو شأن متعلق بمبدأ الحريات الشخصية مع ضرورة عدم فصل ذلك عن الشأن الفني العسكري. وبما أن الشأن الفني لا يعتقد بضرورة أن يكون العسكري من دون لحى، وبما أن قانون اللحى لا يساهم في عرقلة حريات الآخرين، فإنه قانون مشروع ليبراليّا ويصب في إطار الحقوق الفردية الخاصة للإنسان.
هناك من الليبراليين من يسعى لمنع مثل تلك القوانين ولو عن طريق استخدام الإجحاف. إن منع القانون بصورة مستبدة ومجحفة تتعارض مع مبدأ رئيسي من المبادئ الليبرالية، أي مبدأ حق الإنسان في المطالبة بحرياته الفردية ومن ضمنها حقوقه الدينية الطقوسية. فاستخدام الإجحاف من أجل منع اللحى، لا يختلف عن استخدام الإجحاف لإطلاق اللحى. وهو إجحاف مستبد منطلق من أفكار أيديولوجية ونصوص مسبقة لا يمكن أن تجد لها محل من الإعراب أو موقع قدم في عالم الحريات والحقوق الفردية الراهن. وإذا سار الأمر بهذه الطريقة فإنه لا يختلف عمّن يستخدم الإجحاف والإستبداد لفرض الحجاب في المجتمع، عن ذلك الذي يستخدم نفس الوسيلة لمنع الحجاب في المجتمع، لأن الاثنين يخالفان الحرية الشخصية.
قد يكون قانون إطلاق اللحى سخيفا عند البعض، لكن أن يكون الليبرالي ضده لمجرد أنه قانون ديني دون النظر إلى أبعاده الحقوقية الشخصية التي يجب على أي ليبرالي أن يدافع عنها، هو في حد ذاته موقف متعارض مع المبادئ الليبرالية، وقد يعنى أن الشخص الليبرالي بات معارضا للحريات الشخصية، ومن ثَمّ فإننا لا نستطيع أن نسميه بالشخص الليبرالي. لذلك، حينما احتجت فرنسا على ارتداء الحجاب، فإن منظمة العفو الدولية انتقدت الموقف الفرنسي ودافعت عن حق المسلمين في فرنسا في ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية ومنها ارتداء الحجاب.
من الطبيعي وجود “ضوابط” في العمل العسكري، لكنني شخصيا لا أعتقد بأن اللحية تؤثر في تلك “الضوابط”، خاصة إذا ما ارتبطت بالطقوس الدينية الشخصية، وإلا لمنعت الكثير من الدول المسيحية قيام أفرادها العسكريين بتعليق الصليب في صدورهم بوصفه رمزا دينيا يرتبط بالحرية الدينية الشخصية. كذلك يمكن الاستشهاد في هذا الإطار بالعادات الدينية في الجيش الإسرائيلي.
هذا الأمر لا يختلف عن موضوع ارتداء النساء الشرطيات للحجاب في الكويت. فهناك بعض العادات والتقاليد الدينية التي لابد أن تراعيها كل مؤسسة عسكرية في كل مجتمع تنتمي إليه، ولا يمكن فصل بعض الطقوس الدينية عن ذلك. لذلك، تشرف المؤسسة الدستورية على شرعنة تلك العادات والتقاليد والطقوس الدينية، شريطة أن تكون الموافقة على ذلك في إطار الحريات الشخصية الفردية، وبما لا يؤثر في حريات الآخرين، ولا يؤثر كذلك في الشأن العسكري الفني.
إن من يعتقد بأن على المؤسسة الدستورية أن لا تتدخل تشريعيا في المؤسسة العسكرية وفي الشأن العسكري هو مخطئ، في حين لا بد أن يكون العكس هو الصحيح. فالمؤسسة الدستورية (البرلمان) تشرّع لكافة المؤسسات الأخرى في المجتمع ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، في حين أن عدم تدخل العسكر في الشأن السياسي يأتي من باب ابقاء العسكريين بعيدا عن ألاعيب السياسة، على الرغم من أن في العديد من الدول بات العسكريون يتدخلون – مثلا – في التصويت بالانتخابات. فقانون دخول “المثليين” في الجيش الأمريكي أو عدم دخولهم هو من اختصاص الرئيس الأمريكي ومجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) وليس فقط من اختصاص المؤسسة العسكرية الأمريكية.
فالحديث حول اللحى لا يتعلق بالحقوق المدنية للعسكريين وإنما يتعلق بحقوق دينية طقوسية شخصية من قبل أفراد ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، وهؤلاء العسكريون لهم كل الحق في الضغط من أجل تحقيق مطالبهم الدينية الشخصية، أي انها حقوق تخص العسكريين. فمطالبة العسكري المتديّن ببعض حقوقه الطقوسية يجب أن لا تعتبر مطالبة غير حقوقية أو أنها تتعارض مع المبادئ الليبرالية، بل هي تتعلق بأصل رئيسي ليبرالي هو الحقوق الفردية. إن جميع المطالب الفردية الدينية الطقوسية للعسكريين، إذا بقيت في حدود عدم تأثيرها في المسؤوليات العسكرية، هي في تقديري مطالب مشروعة ليبراليا، شريطة أن تتم المطالبة بها في إطار القانون وبما لا يعرقل حقوق الآخرين. كما أن مصطلح تسييس الدين الذي يرفعه البعض من أجل منع إقرار مثل تلك القوانين، يجب أن لا يكون بابا يدخل الليبراليون من خلاله من أجل التضييق على الحريات الشخصية. وعلى الرغم من علمنا بأن همّ الليبرالي لا يتعلق بإطلاق اللحى، لكن يجب أن لا يكون هذا اللاهم منطلقا لمنع الآخرين من الحصول على حقوقهم الفردية.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي