هناك أمور لا تحتاج الى تبسيط. يعود ذلك الى انّ مثل هذه الأمور في غاية البساطة أصلا. من بين هذه الأمور « وثيقة مار مخايل » الموقّعة بين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ورئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في السادس من شباط – فبراير 2006.
الامر بسيط الى درجة انّ كل طرف من الطرفين حقّق مبتغاه من هذه الوثيقة. حصل ميشال عون على موقع رئيس الجمهورية وحصل “حزب الله” على الجمهورية.
لا حاجة الى تأويلات وشرح طويل ولا حاجة الى تهديد يصدر عن “العونيين” من نوع ذلك البيان – الفضيحة الذي صدر في السادس من الشهر الجاري في مناسبة مرور 15 عاما على توقيع وثيقة ما مخايل.
ورد في البيان المثير للشفقة: “يرى المجلس السياسي في ذكرى توقيع تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله مناسبة للتمعن في هذا التفاهم. فهو جنّب لبنان شرور الفتنة والانقسام وحماه من اعتداءات الخارج، فردع إسرائيل وصدّ الإرهاب، إلا أنه لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، ويعتبر المجلس أن تطوير هذا التفاهم بإتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرط لبقاء جدواه اذ تنتفي الحاجة إليه إذا لم ينجح الملتزمون به في معركة بناء الدولة وانتصار اللبنانيين الشرفاء على حلف الفاسدين المدمّر لأي مقاومة أو نضال”.
لم تكن الحاجة الى 15 عاما لاكتشاف انّ وثيقة مار مخايل، او “تفاهم مار مخايل” كما يقول المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” الذي اجتمع برئاسة جبران باسيل، ليست مشروعا لبناء دولة. الكلام عن بناء دولة بالشراكة مع “حزب الله” كلام لا يصدّقه سوى “العوني” الذي يمكن اعتباره مواطنا مسيحيا ساذجا يجهل ما هو “حزب الله” وما مشروع “حزب الله”. انّه مواطن مسيحي من الطبقة دون المتوسطة، في معظم الأحيان، لا يقرأ ولا يكتب. وهو اذا قرأ، لا يفهم ما قرأه. الاهمّ من ذلك كلّه انّه مواطن لا يمتلك سوى الغرائز بديلا من الذاكرة. لو كانت لديه أي ذاكرة، من ايّ نوع، لما سار في ركاب ميشال عون بعد عودته من باريس في العام 2005 على دمّ رفيق الحريري. لو كانت لدى “العوني” ذاكرة ما لكان تساءل كيف يمكن لميشال عون الرهان في الأعوام 1988 و 1989 و 1990 على صدّام حسين، الرئيس العراقي وقتذاك، وعلى ان صدّام حسين سيخلّصه من حافظ الأسد الذي رفض ان يجعل منه رئيسا للجمهورية؟
لا حاجة الى العودة الى ما حدث قبل ثلاثة عقود حين كان ميشال عون رئيسا لحكومة عسكرية موقتة استقال منها الضباط المسلمون، حكومة لا مهمّة لها سوى انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي انتهت ولايته في 23 أيلول – سبتمبر 1983 وغادر على الفور قصر بعبدا.
لم يعد “التّيار الوطني” يمتلك ورقة اسمها إعادة “تطوير التفاهم” مع “حزب الله. لم تعد لدى الحزب من حاجة الى غطاء مسيحي لسلاحه بعد استهلاكه ميشال عون وجبران باسيل وعصره البرتقالة الى آخر نقطة فيها.
استطاع الحزب الدي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني اخذ ما يريد من العهد الذي صنعه في العام 2016 عندما امّن لميشال عون الوصول الى قصر بعبدا في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر من تلك السنة. اذا كان من كلمة حق تقال، فإن “حزب الله” التزم تعهده. في المقابل التزم الثنائي عون – باسيل ما وعدا به، بل اكثر مما هو مطلوب منهما. امّنا للحزب كلّ ما يحتاج اليه، او على الاصحّ كلّ ما كان يسعى اليه من دون ايّ سؤال من ايّ نوع وذلك منذ توقيع وثيقة ما مخايل. بعد مرور عشر سنوات على وثيقة مار مخايل، وبعد مرور ميشال عون وجبران باسيل بنجاح بكلّ الفحوصات التي اخضعا لها، كانت الجائزة الكبرى لهما وهي رئاسة الجمهورية.
يدرك “التيّار الوطني الحر” في قرارة نفسه انّه لم يعد لديه ما يساوم عليه وان لا مجال لايّ تفاوض في شأن وثيقة ما مخايل من اجل بناء دولة. من يمضي دزينة سنوات في وزارة الطاقة ويفشل في إعادة الكهرباء الى بلد النور (سابقا)، لا يحق له الكلام عن مشروع بناء دولة. يحقّ له فقط الكلام عن النتائج التي يفضي اليها تحالف السلاح مع الفساد. في مقدّم هذه النتائج تحوّل لبنان الى دولة فاشلة.
تنتمي وثيقة مار مخايل الى الماضي، لكنّها تتحكّم بالحاضر.
يؤكّد ذلك البيان الذي صدر عن قيادة “التيّار الوطني الحر” الذي لم يتجرأ على تسمية لقمان سليم في هذا البيان. اكتفى البيان بإدانة الاغتيالات عموما وكأن جريمة اغتيال هذا السياسي والمثقف اللبناني الذي اصرّ على البقاء في الضاحية الجنوبية، في حارة حريك تحديدا، مسقط رأس ميشال عون، لا تستأهل موقفا يحدّد من المسؤول عنها ويسمّي الضحيّة.
اكتفى بيان “العونيين” بالقول: “يؤكد المجلس السياسي موقف التيار الوطني الحر برفض العنف والإغتيال السياسي كوسيلة لإسكات أي رأي ويعتبر أن ذلك لا يأتلف مع صيغة لبنان وعلة وجوده، وهو يحذر من أي استغلال لأي جريمة بالقفز فوق التحقيقات المطلوبة وإصدار الاتهامات السياسية المسبقة التي علّمتنا التجارب السابقة أنها تخدم مصالح الخارج السياسية وتحرّض على الفتنة دون أن تصل الى الحقيقة المطلوبة”.
مثل هذا الكلام الذي يتفادى توجيه أي اتهام من ايّ نوع لـ”حزب الله”، علما ان الحزب لم يستح بما ارتكبه، يؤكد شيئا واحدا. إنّه يؤكّد ان هناك ثمنا كبيرا يدفعه البلد كلّه في ضوء رغبة السياسي الماروني في الوصول الى رئاسة الجمهورية بايّ ثمن كان…
هذا ما حصل بعد توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 وهذا ما يحصل حاليا نتيجة توقيع وثيقة مار مخايل في 2006!