يقول المثل الفارسي: «رويدا رويدا يصبح الصوف سجادة». على هذا النول يحوك الشيخ حسن روحاني سجادة حكمه آملا من خلال نجاحه في الاختراق الخارجي تحسين الوضع الداخلي، وعدم السماح لأعدائه المباشرين أو المقنّعين سحب بساط السلطة من تحته وإفشال برنامجه.
لكن الحصاد الاقتصادي المتواضع حتى الآن يقصر فترة السماح لحسن روحاني ومعسكره ويجعل الأشهر القليلة القادمة التي تفصلنا عن النجاح أو الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي نهائي، أشهرا حاسمة واختبارا جديا لقدرة “الروحانية” على منح فرصة جديدة لجمهورية ولاية الفقيه، أو التوجه نحـو صـراع مفتـوح داخـل أجنحـة الحكـم، أو العودة لحراك شعبـي يذكّـر بمقدمـات انتفـاضة 2009 الخضراء.
يؤكد خبير أوروبي عائد من طهران أنه استنتج الفارق بين الإصلاحي محمد خاتمي الذي «لم يكن يوما ابن النظام تماما»، وبين حسن روحاني الذي «يعد ابن النظام قولا وعملا وتاريخا» ولذا وافق المرشد الأعلى على منحه صلاحية التفاوض مع الخارج عله يخرج البلاد من مأزقها الاقتصادي والسياسي.
بعد الانتخابات الرئاسية في العام الماضي وخسارة مرشحه الفعلي سعيد جليلي، تداعت نسبيا سلطة آية الله علي خامنئي وتحول من «الحاكم» إلى «حاكم» مضطر لاحترام ميزان القوى والتأقلم معه.
في العام 1988، قرر مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني وقف الحرب مع العراق وتجرع كأس السم، وفي العام 2013 بعد صرف عشرات مليارات الدولارات على البرنامج النووي وبرامج التسلح، قرر خامنئي من خلال روحاني- ظريف تخفيف الأضرار والتراجع في الملف النووي دون الوصول لشـرب كـأس التسويـة حتـى الثمالـة، لأنـه لا يملك شرعيـة الخميني ويأمل عبر التنازل النسبي بإنقاذ النظام. بيد أن الاستمرار في التوسع الإقليمي ومحاولة الحفاظ على قدرات نووية وبالستية، لن يسهل المهمة وسيعقّد الأمور أمام فريق روحاني.
بعد فشلهم في الحرب مع العراق، طالب كبار الضباط الإيرانيين قيادتهم بالحصول على كل الأسلحة اللازمة لهزم العراق يوما، أو اكتساب السلاح النووي للردع وحماية النظام.
والملفت أن هاشمي رفسنجاني الأب الفعلي للمشروع النووي هو الذي يساهم اليوم مع حليفه روحاني في السعي إلى تفكيكه. لكن وجوب إعطاء المفاوض الإيراني ردودا نهائية حول مصير مفاعل آراك لإنتاج البلوتونيوم والبروتوكول الإضافي عن الزيارات المفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية، والجدل حول الصواريخ البالستية لا يبشر بمهمة سهلة من الآن حتى أواخـر يولـو القـادم، خاصـة أن أي تمديـد لوقـت التفاوض سيعـقّد مهمـة الفريـق الإيراني، ويجعله مكشوفـا أمـام الـرأي العـام، وأمام القوى الكامنـة داخل السلطة.
يقول معارضو روحاني إنه لم يحصل حتى الآن إلا على سبعة مليارات دولار نتيجة الرفع الجزئي للعقوبات، بينما تحتاج إيران عمليا لمبلغ مائة مليار دولار حتى تستعيد انتعاشها. ربما راهن محيط روحاني- ظريف، عبر لوبيات تتحرك في الغرب، على إيجاد ثغرات في نظام العقوبات، بيد أن إحكام إغلاق المنظومة لم يسمح للمهرولين من الدول أو من رجال الأعمال الأجانب بالتوصل لخروقات واكتفـوا بانتظـار التوصـل إلى اتفـاق نهائي.
تجد القيادة الإيرانية نفسها أمام واقع اقتصادي مرير، إذ بلغت البطالة نسبة 30 بالمئة ومعدل التضخم 40 بالمئة، وانهار سعر صرف التومان أمام الدولار (كل دولار يساوي 2600 تومان حسب السعر الرسمي) وفي ظل هذه الظروف سيتم رفع سعر البنزين بنسبة كبيرة.
يلتزم روحاني بوضع حد لعدة أوجه من دولة الرعاية التي ركزها سلفه محمود أحمدي نجاد، حيث تعايش في حقبته الفساد مع السخاء في صرف إعانات اجتماعية تعجز الخزينة اليوم عن الاستمرار بدفع التزاماتها.
وأشار إحصاء رسمي حديث إلى أن مليوني مواطن فقـط من أصـل أكثر من ستـين مليونا أعربوا عن استعدادهم للاستغناء عن المساعدة، ويصعب إذن التخلـص مــن هـذا العـبء الاجتمـاعي الثقيل.
على الصعيد السياسي لم يتم إطلاق سراح المعارضين البارزين أمثال روبي وموسويـان، بل ازدادت وتيرة تنفيذ عمليـات الإعدام بصورة غير مسبوقة، ويشهد سجن إيفين منذ فترة اضطرابات نتيجة تردي وضع السجناء السياسيين. وإذا أضفنا إلى هذا المشهد ما يجري من توترات وصدامات في بلوشستان وكردستان وخوزستان لتبينا وجود الكثير من صواعق التفجير الإثني والقومي، وفي رد على عملية عناصر بلوشية منذ أسابيع قام النظام بقتل ستة عشر سجينا سياسيا بلوشيا ليكونوا المثل الرادع ضد أي تحرك.
ضمن هذا السياق تبدو مسألة التوصل للاتفاق النووي النهائي حيوية بالنسبـة إلى روحاني وخامنئي في آن واحد، لأن العودة عن الانفتاح ستكون مكلفة على عدة أصعدة.
يبـدو أن المـرشد الأعلى يود الحفـاظ على الكثير من عناصر القوة في الداخل دون التخلي عن المكاسب الخارجية. وهذا يتوقف بشكل كبير على نهج إدارة باراك أوباما والتوازنات الجديدة بين الأميركيين والروس.
وفي مسعى للتخفيف من هجمات الداخل على مسار التفاوض، كتب وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، الأسبوع الماضي، مقالا توضيحيا أشبه بمرافعة دفاع لتمرير تنازلات مؤلمة على المدى القريب كي يتم حصد نتائج داخلية وإقليمية على مدى متوسط، لكن رفض واشنطن منذ فترة قريبة انتداب سفير إيراني معين في الأمم المتحدة يدل على منسوب ثقة محدود بينها وبين طهران، وعدم أفول دور المتشدّدين في الجانبين.
إنها لعبة حبال مشدودة إلى رقعة شطرنج ليس فيها ملك أميركي ولا قلعة إيرانية راسخة.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس
khattarwahid@yahoo.fr