رغم كل ما كُتِب عن الصراع السعودي – القطري، فقد جاء إعلان السعودية عن رفضها لمقعدٍ غير دائم في مجلس الأمن ليضع السعودية في “ملعب الكبار”، وليجبر قطر على الإلتحاق بموقف الرياض! وحدها السعودية، أو مصر، أو تركيا، كانت قادرة على اتخاذ مثل هذا الموقف، وليس قطر، أو أي دولة خليجية أخرى! حُسِمَ الصراع السعودي-القطري بالضربة
القاضية!
ولا يعني ما سبق أن قطر دخلت في “الإعتبارات” السعودية التي أملت الإعلان المفاجئ. بالعكس، فقد ظهرت مفاجأة الملك عبدالله (الذي كان حكمه “مفاجأة”، من نواحٍ عديدة، للعواصم الغربية الكبرى) كمعبّر عن رأي عام عربي وإسلامي، وحتى عن حكومات غربية وإسلامية، شعرت بالإستغراب والإستهجان أمام التجاهل الأميركي ليس فقط لتدمير سوريا، وشعب سوريا، بل ولدور إيران، وتوابعها، في احتلال سوريا، بعد السيطرة على العراق ولبنان! هنالك ما يشبه الموقف “الناصري” في الإعلان السعودي (ولو أن السعوديين قد لا يحبّون هذا التشبيه!): ومفاده أن المنطقة العربية لا تخضع خانعة لمساومات الأميركيين والروس والإيرانيين (الذين يبدون، وأتباعهم الإلهيين، قانعين، الآن، بالإنضمام إلى “معسكر الإستكبار”! لاحظ اللهجة “الإستكبارية” لرئيس كتلة نواب حزب الله، “الأكابري” السيد محمد رعد، يوم أمس: تقبلوا شروطنا لتشكيل حكومة في بيروت أو تنخفض حصتكم “إلى الحضيض”!)
إستياء فرنسي وتقارب مع الرياض
وليس صدفةً أن تسارع فرنسا، ثم تركيا، إلى إعلان “تفهّمها” للموقف السعودي. فقد كشفت مصادر فرنسية لـ”الشفاف” أن الرئيس الفرنسي قد يقوم بزيارة للسعودية خلال شهر نوفمبر المقبل، وأن هذه الزيارة على صلة بتقارب فرنسي-سعودي، سياسي وعملي، خصوصاً في الموضوع السوري.
ولم يهضم الرئيس الفرنسي حتى الآن قرار الرئيس أوباما بطرح قرار قصف سوريا على الكونغرس بدون إبلاغ الحليف الوحيد الذي وقف إلى جانبه وأبدى استعداده للمشاركة في قصف قوات النظام السوري. وسجّل الفرنسيون الضغوط التجارية الروسية عليهم (في صفقة سفينتي “ميسترال”، مثلا*) بعد الإعلان عن مفاوضات جديدة مع إيران، وذلك بغية إبعادهم عن “الموضوع الإيراني”. ويعرف الروس أن الولايات المتحدة لا تمانع بحصر الموضوع الإيراني بها وبالروس وحدهم!
وكان يمكن لتركيا، في بداية الثورة السورية، لو اطمأنت إلى موقف أميركي حاسم (طالبت به مراراً)، أن تحول دون تدمير سوريا بإعلان “حمايتها” للطائفة العلوية السورية في حال تخلّيها عن بشّار الأسد. ومثل هذه الإعلان من أكبر دولة “سنّية” على حدود سوريا وتملك علاقة تاريخية امتدت ٤ قرون مع سوريا كان يمكن أن يحسم الوضع داخل الطائفة العلوية ضد المافيا الأسدية. وفي غياب مثل هذا الموقف الأميركي، انتهت تركيا إلى دعم جماعات إسلامية “قاعدية” الإيديولوجية، أي إلى الإنخراط في اللعبة الطائفية التي لا تخدم سوى الأسد وإيران!
وللعودة إلى الإعلان السعودي، فقد أعلنت إدارة أوباما أنها تنوي التوصل إلى اتفاق يضع حداً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وفشلت! وقد سجّل البيان السعوي هذا الفشل.
وإنجازها الوحيد في الموضوع السوري (وهو إنجاز حقيقي) جاء “بفضل” التهديد بقصف سوريا الذي كان الجميع يتوقّعه “خلال أيام”، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى إسقاط النظام السوري رغم “الإحتياطات الأميركية”!
مع ذلك، تبدو إدارة الرئيس أوباما كأنها هي الطرف الضعيف في المعادلة، وهذا ما يدعو للإستغراب!
فحكومة الرئيس روحاني كشفت علناً، بلسان وزير ماليتها الجديد، أن إيران ستكون أول دولة في التاريخ تخفض ميزانيتها بنسبة ٢٥ بالمئة على الأقل (ميزانية ٢٠١٤، ستنخفض من ٦٨ مليار دولار إلى ٤٥ مليار، دفعة واحدة…)! ولكن الرئيس أوباما يمكن أن “يسارع” إلى إنقاذها باستخدام “سلطاته التنفيذية” (بدون استشارة الكونغرس كما فعل في الموضوع السوري!) لرفض التجميد عن بعض الأرصدة الإيرانية!
ويأتي هذا التساهل الأميركي غير المألوف (لم تُرفَع العقوبات عن كوبا حتى الآن..!) مع تجاهل كامل لبند التدخّل العسكري الإيراني، عبر “فيلق القدس”، في ثلاث دول عربية، هي سوريا والعراق ولبنان، وللضغوط التي تمارسها إيران عبر حزب الله وغيره على البحرين. مما يطرح على السعودية، وعلى السوريين واللبنانيين والعراقيين، سؤالاً حول مغزى هذا “الفصل” بين الموضوع “النووي” الإيراني والسلوك “العدواني”، وحتى”الإستعماري”، الإيراني في المنطقة! فهل يكفي أن يقدّم الإيرانيون تنازلات نووية (مؤقتة في أي حال، كما فعلت كوريا الشمالية قبلها) حتى تتغاضى الولايات المتحدة عن دورهم التخريبي في المنطقة العربية؟ هل يتقرّر مصير العرب في واشنطن وموسكو و.. طهران؟
ألا تدرك إدارة أوباما أن الإيرانيين تنازلوا “فقط” بعد غزو أفغانستان والعراق حينما توقّعوا أن يكونوا الدولة “الثالثة” على قائمة جورج بوش؟
الإعلان السعودي “إحتجاج” واضح على سياسات إدارة أوباما، واستطراداً على السياسات الروسية التي لم تكتسب فاعليتها سوى بفضل الضعف الأميركي. ويطرح الإحتجاج السعودي أسئلة متاخرة حول ما حدث في ذروة أسبوعي “الإستعداد الأميركي-الفرنسي لقصف سوريا”:
سؤال أول: هل كان ممكناً أن يتمّ الإتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني لو نفّذ الأميركيون تهديدهم بقصف سوريا بعد قصف “الغوطة” بالكيميائي؟ أم أن القصف كان سيقضي في المهد على مشروع التسوية مع إيران؟ بكلام آخرـ هل كان تراجع الرئيس أوباما لأسباب إيرانية؟
وسؤال ثانٍ: هل صحيح أن الإيرانيين، وحزب الله، لعبوا دوراً في قصف “الغوطة” بالكيميائي، وأن الصواريخ التي استخدمت كانت صواريخ إيرانية معدّة للقصف الكيميائي، وأن الأميركيين يعرفون ذلك جيداً، وأنهم أبلغوا الإيرانيين أنهم “يعرفون دورهم” في الموضوع؟ ولكنهم تجنّبوا الخوض في الموضوع علناً لصالح التسوية النووية مع إيران؟ (وهذا ما يفسّر اتهام رفسنجاني لبشّار الأسد بقصف شعبه، بدون مواربة.) وهل صحيح أن أحد أسباب إلغاء الضربة العسكرية كان صعوبة توجيه الضربة العسكرية بدون التعرّض للوجود العسكري الإيراني المنتشر في أنحاء سوريا؟
وسؤال ثالث: هل صحيح أن بعض التحليلات الأميركية الرسمية تعتبر أن قصف “الغوطة” كان “عملية إيرانية لاستطلاع ردود الفعل الأميركية”؟ (التسريبات الألمانية حول مكالمة بين مسؤول في حزب الله والسفارة الإيرانية بدمشق لا تعني الكثير، أولاً بسبب علاقات ألمانيا الوثيقة مع طهران، وثانياً لأن مسؤول الحزب كان يعرف أن الغربيين قادرون على التنصّت على مكالماته التي تمّت.. بعد القصف).
وسؤال رابع: يعرف الأميركيون والروس والأوروبيون أن الرئيس روحاني “يكذب” حينما يؤكد أن برنامج طهران النووي “سلمي”! ويعرف الأميركيون أن الإيرانيين حققوا تقدّماً مهماً جداً في تقنية “نقل رؤوس حربية نووية” وفي تقنية “الصواعق” النووية، وفي تقنيات “تصغير الرؤوس الحربية”. كما قاموا ببناء مراكز أبحاث نووية سرّية غير “ناتنز”. وهذا كله لا علاقة له بالإستخدام السلمي للطاقة.
فهل يقبل “الحرس الثوري” بالتخلّي عن إنجازاته هذه بسهولة؟ وما هو الثمن الذي يطلبه الحرس الإيراني مقابل “إبطاء” برنامجه؟ لقد قال خطيب جمعة إيراني مفوّه “سنخسر طهران إذا خسرنا دمشق”! فهل يتخلى “الحرس” عن البرنامج النووي العسكري وعن.. دمشق؟ أم تكون دمشق (وتوابعها، أي بيروت وبغداد) “المقابل” (الضمني) المطلوب؟
أخيراً، ماذا عن الموقف الإسرائيلي في هذا السياق؟
ستراقب تل أبيب المفاوضات بدقّة كبيرة، ويمكن أن توجّه ضربة عسكرية لإيران إذا بدا أن إدارة أوباما ستتنازل للإيرانيين. إن ورقة التهديد بقصف إيران تعطي الإسرائيليين “وزناً” في المفاوضات. ويعوّل الإسرائيليون على انتهازية الإيرانيين الذين أمدّوهم بالنفط، بطرق ملتوية (عبر شركات إفريقية وهمية)، طوال عهد الخميني، والذين عقدوا معهم صفقة “إيران غيت” المشهورة (كان الرئيس روحاني أحد ثلاثة أشخاص استقبلوا مبعوث الرئيس ريغان في إطار صفقة “إيران غيت”!). ويثير الريبة أن التهديد الإسرائيلي بقصف إيران خفتَ في الأسابيع الأخيرة!
ماذا عن الموقف الإسرائيلي من سوريا؟ التحليل الإسرائيلي يشتمل على عدة عوامل. فتل أبيب تعتبر أن بشار الأسد قدّم لها “خدمة” باستدعاء حزب الله إلى سوريا! هذه من جهة. ومن جهة أخرى، يملك الإسرائيليون “شبكات قوية وواسعة” داخل سوريا، وهم يخشون من فقدان هذه “الشبكات” في حال سقوط الأسد، كما يخشون من قيام نظام إسلامي يسبب لهم مشاكل على الحدود. بالنسبة لتل أبيب، الوضع الراهن مقبول!
لماذا تأخّرت السعودية؟
قلنا في عنوان هذا المقال أن السعودية “تأخرت” في اتخاذ موقف من سياسات أدارة أوباما. ففي العام الماضي سمعنا من الرئيس الحالي للإئتلاف السوري أحمد الجربا، شخصياً، ومن شخصيات مقرّبة من السعودية في المعارضة السورية، أن “أحداً لا يعرف الموقف السعودي”! هل يعود ذلك إلى الأوضاع الصحية للملك عبدالله وولي عهده الأمير سلمان، كما يقول بعض المحلّلين القريبين من النظام السعودي؟ أم إلى صعوبة “تحليل” السياسات الأميركية المستجدة، خصوصاً بعد رحيل السيدة كلينتون عن وزارة الخارجية؟ ربما الإثنين معاً!
لم نتطرّق هنا إلى المسالة المصرية، وليس صعباً فهم الرابط بين الغزو الإيراني للمنطقة العربية (وأدواته هي “العسكر” و”الحروب الطائفية”) وسقوط مصر بيد “الإخوان”، من وجهة النظر السعودية والخليجية.. ولكن أيضاً العربية. مصر هي الثقل السكاني والعسكري العربي. ولن يتغيّر هذا الوضع إلا بعودة العراق إلى دوره الطبيعي، وقد بدأ مواطنو العراق من الشيعة بإظهار ضيقهم بالهيمنة الإيرانية على شؤونهم.
حسناً فعلت السعودية.. ولو متأخرة!
قطر مثل اسرائيل مثل لبنان مثل قبرص
دويلات تمنح تفويضات او ادوار
اما السعودية فهي من وزن ايران ومصر وتركيا
دول راسخة
استاذ بيير برأيك هل صفقة تبادل الاسرى اللبنانيين بالاتراك برعاية قطرية كانت كمحاولة لإعادة تأكيد الدور القطري في الحرب السورية وصراع القوى الاقليمية فيها وعبرها ؟
حسناً فعلت السعودية.. ولو متأخرة!
مقال رائع
شكرا استاذ بيير