حسمت طهران، وقيادة “الحرس الثوري” في شخص الجنرال محمد علي جعفري، أي نقاشٍ حول الموقف من حراك “طلعت ريحتكم” في بيروت! فالحراك البيروتي “ثورة ملوّنة” جديدة، مثله مثل المظاهرات ضد الفساد، التي أطلق شرارتها آية الله السيستاني، في بغداد. وكلاهما تندرج في “مؤامرة” أميركية ما على صلة بـ”الإتفاق النووي” وتهدف إلى زعزعة الهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية وربما، استطراداً، زعزعة استقرار النظام الإيراني نفسه. وخصوصاً أن نظام طهران نفسه “مرتبك” الآن: بعضه يمحي شعارات “الموت لآمريكا” عن جدران طهران، وبعضه يقيم نصباً جديداً لإعلان العداء لها، ويركّز على “تعزيز قدرات الدفاع الجوي”!
وبين تطوّر احتجاجات العراق إلى الدعو لمحاكمة نوري المالكي (“قائمقام” طهران في بغداد) ورفع شعار “إيران برّا برّا” في كربلاء والموصل وبغداد، ورفع شعار “كلّن يعني كلّن”، في بيروت، الذي يطال حزب الله وقائده حسن نصرالله، فإن صورة “المؤامرة” ترسّخت في أذهان قادة “الحَرَس”. وبصورة أو بأخرى، فإن قائد الحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري، يربط بين “الثورتين الملوّنتين” الجديدتين في بغداد وبيروت والحملة العسكرية السعودية-الإماراتية في اليمن. النظام الإيراني في حالة “ذعر” كما قالت جريدة “الأخبار” الإلهية في بيروت.
فبين افتتاحية “مستمرون” (٣١ آب/أغسطس) وافتتاحية “أوف… أوف… أنتو كمان ممنوع انتقادكم؟” (٣ أيلول/سبتمبر)، انقلب كاتب افتتاحيات “الأخبار” الإلهية من “ثوري” متحمس لحراك بيرت إلى داعية “ثورة مضادة” ، إذا صحّ التعبير، وبدون أي تلميح “غير مقصود!
في افتتاحية “مستمرون” كتب: “لا يجب هدر الوقت في الحديث عن مندسين وما شابه، ولا عن أطفال ينشطون على صفحات التواصل في سياق زج أحلامهم الغابرة ضمن شعارات التحرك”!).
في افتتاحية “أوف.. أوف..” (أمس الخميس)، انهال على أصحاب “الحراك” بتعابير مثل “صبية” و”برغش صيفي” و”شبّيحة” و”مجموعة تتصل.. بالإعلام النفطي والغازي”. وتساءل: “”أين تعلموا وأين أجروا دورات عمل، ومع أي مؤسسات دولية عملوا… ومن أين يحصلون على مداخيلهم”!
وخلص كاتب افتتاحيات “الأخبار” إلى أن “هذه العيّنة من البشر، هم الشبيحة، وهم فعلياً، الهم والغم والدم الثقيل. أما زينة الساحات، وزينة التظاهرات، فهم بالتأكيد فتية الخندق الغميق.”!
سر التحوّل من “الثورة”إلى “الثورة المضادة” (حسب تعبير قديم لم يعد رائجاً) يجده القارئ في قول كاتب افتتاحيات “الأخبار” أن
هذا ما تعلّمه هؤلاء في كراريس «الثورات المدنية»! أو ”هم، يثقون بأحد مقررات دروس «الثورات المدنية» الذي يقول بأن لا حاجة إلى أعداد كبيرة من الجمهور، طالما أنك تملك مكبراً للصوت، على شكل شاشة أو موقع على الفضاء الافتراضي.”! أو، بصراحة أكثر، ”مؤسسات المجتمع المدني الممولة من الاستخبارات الأميركية”!
ما يقصده كاتب افتتاحيات ”الأخبار” بتعبير ”الثورات المدنية” هو ما يُسمّى أيضاً، ”الثورات الملوّنة”، أو “الحرب الناعمة” أو “المقاومات المدنية” حسب التعابير المعتمدة في أدبيات “الحرس الثوري الإيراني” منذ أن تسلّم قيادته الجنرال “محمد علي جعفري” في أيلول/ سبتمبر ٢٠٠٧.
كان ”الشفّاف” قد خصّص، في يناير ٢٠١٤، مقالاً بعنوان “المقاومة المدنية اللبنانية”: “عقدة” الجنرال جعفري “ثورة الأرز” و”الثورات الملوّنة” للتعريف باختصاصات قائد “الحرس الثوري الإيراني” الذي يُعتبر في إيران ”عدو الثورات الملوّنة”ونقتطف أدناه بعض ما ورد فيه.
جعفري: عدو الثورات “الملوّنة”!
في العام ٢٠٠٢، تم تعيين “جعفري قائداً لقوات الحرس الثوري البرية، وظل في هذه المنصب حتى العام ٢٠٠٥ (عام “ثورة الأرز”) حينما عُيّن مديراً لـ”مركز الدراسات الإستراتيجية” في الحرس الثوري الإيراني.
ويعطي موقع إيراني معارض (طهران بيرو) اللمحة التالية عن تفكير الشخص الذي يشغل اليوم منصب القائد العام للحرس الثوري الإيراني:
من “الثورة المخملية” إلى “ثورة الأرز” و”الثورة الزرقاء” في الكويت
(في العام ٢٠٠٥) أمر جعفري “مركز الدراسات الإستراتيجية” بإجراء أبحاث حول ما يسمّى الثورات الملوّنة التي وقعت في الجمهوريات التي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي: “الثورة المخملية” في تشيكسلوفاكيا في ١٩٨٩، و”ثورة الورود” في جيورجيا في ٢٠٠٣، و”الثورة البرتقالية” في أوكرانيا في ٢٠٠٤، و”ثورة التوليب” في قيرغيزستان في ٢٠٠٥. وكذلك الثورة التي سبقتها جميعاً في “صربيا” في العام ٢٠٠٠.
وفي حينه، كانت الجمهورية الإسلامية تتخوّف من لجوء الغرب إلى إشعال ثورات مشابهة في إيران. وذلك، خصوصاً، في ضوء عدد من الأحداث الإقليمية التي شهدها مطلع العام ٢٠٠٥: “ثورة الأرز” في لبنان التي امتدت من شهر شباط/فبراير حتى شهر نيسان/أبريل. وأيضاً “الثورة الزرقاء” في الكويت خلال شهر آذار/مارس، التي تخلّلتها مظاهرات واسعة دعماً لحق المرأة في التصويت.
ويضيف الموقع الإيراني: “اتهم جعفري الولايات المتحدة باتباع سياسة “التغيير الناعم للنظام” بعد أن أخقت في الإطاحة بالجمهورية الإسلاية بطرق تقليدية وعنيفة. وتبنّى أطروحته كل المتشددين الإيرانيين. وقال أن الخطر الأكبر على الجمهورية الإسلامية ناجم عن “العدو الداخلي” أن حركة الإصلاح.
وانطلاقاً من ذلك التحليل الذي أنجزه “مركز الدراسات الإستراتيحية” التابع للحرس، وعلى رأسه جعفري، قام الحرس الثوري الإيراني بإنشاء “لواء الزهراء” و”لواء عاشوراء” كوحدتين متخصّصتين بـ”قمع الشغب” ضمن قوات “الباسيج”.
وبنفس منطق مواجهة “العدو الداخلي” (غير المسلّح)، كان أول قرار اتخذه محمد علي جعفري حينما تم تعيينه قائداً عاماً للحرس الثوري هو دمج قوات “الباسيج” بـ”الحرس الثوري، بحيث صار للحرس ٥ فروع: سلاح البر، سلاح الجو، القوات البحرية، و”قوة القدس”، وقوة “الباسيج”.
أخطأت “الأخبار” و”الحرس” على حق!
هذا ما كتبناه في مطلع ٢٠١٤. ونضيف الآن أن “الحرس” الإيراني على حق.. عملياً!
ليس لأننا نملك معلومات “من مصادر موثوقة” بأن هنالك من يحرّك “ثورتين ملوّنتين” في بغداد وبيروت. بل لأن “خيط الفساد” الذي ثار الناس ضده في البلدين يوصل حتماً إلى طهران ووكلائها. العراقيون يتحدثون عن “مئات المليارات” التي أنفقها رئيس الحكومة السابق لتلبية طلبات طهران في الإنفاق لدعم نظام بشار الأسد، وحزب الله وحملته في سوريا (هذا “سر” الإستقبال الحافل لنوري المالكي في “ضاحية” بيروت)، وهذا عدا تغطية نفقات “فيلق القدس” في الحرس الثوري الذي باتت “ميزانيته” عراقية وليست إيرانية.
أما في لبنان، فأي تحرّك “مدني” ضد الفساد يمكن أن يطيح بـ”هالة الإرهاب” التي فرضها حزب الله على اللبنانيين منذ حملة اغتيالات الشخصيات المناوئة له وحتى “غزوة ٧ أيار” للعاصمة بيروت. وإذا سقط “الخوف” من “سلاح حزب الله”، فإن مصير “الحزب” نفسه يكون بخطر، خصوصاً أن النصف الثاني لـ”الثنائي الشيعي” يتحين الفرص للإنقضاض على النصف الأول! ليس بالصدفة أن تهدّد جريدة “الأخبار” بأن “زينة الساحات، وزينة التظاهرات، هم بالتأكيد فتية الخندق الغميق”! “باسيج” لبنان جاهزون، أو “مستنفرون” كما كتب كاتب افتتاحيات “الأخبار”!
“الأخبار” أخطأت حينما تسرّعت بتأييد “حراك بيروت”، والأرجح أن خطأها كان نتيجة “تهوّر صبياني” وليس جزءاً من “ثورة ملوّنة” خفية! إلا إذا..
أما “الحراك” فيكفيه فخراً أنه ضرب فعلاً “هالة الإرهاب” الإلهي في بيروت!
من الظلم ربط الحراك الثوري وحصره بالمرجع السيستاني، الذي تأخر عن بداية الحراك قبل أن يعلن تأييده له. تميزت المظاهرات بالغضب العارم ضد الفساد والمحاصصة الطائفية والاستغلال باسم الدين. فمن شعاراتهم التي رفعوها (باسم الدين باكون – ما يعني سرقونا) او (ما نريد ملتحي نريد واحد مستحي). ويؤكد المتظاهرون انهم ضد رجال الدين الذين أفسدوا وسرقوا أموال الشعب العراقي بحجة الدفاع عن الدين، ولكنهم يتسترون به لتمرير فسادهم الذي أزكم الانوف، طما ان بعض الناشطين المدنيين والمتظاهرين يسوغون خروجهم من أجل فصل الدين عن السياسة. نزول العراقيين الى الشارع كان بدافع عفوي نتيجة انهيار الثقة بالطبقة الحاكمة وأهمية الحراك انه… قراءة المزيد ..