يتواصل السجال في لبنان حول المحكمة الدولية وما يتصل بها من قرار ظني كان من المنتظر أن يصدر قريبا. لكن “حزب الله” المتخوف من اتهام عناصر او قيادات منه ما زال مستنفراً لنسف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عبر الاعلان المتكرر عن عدم الثقة فيها وعدم الالتزام بما يصدر عنها.
بدأت القصة مع “تكثيف” رأس الهرم السيد حسن نصر الله إطلالته الاعلامية في سياق “إستهداف” المحكمة، قبل أن يوجه في مؤتمره الصحافي الأخير الإتهام لإسرائيل بالضلوع في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، بالاستناد إلى ما قدمه من عرض مرئي لما اتفق على تسميته بـ”القرائن” التي بدت “موضع تشكيك”. سيما وأنه قناة “المنار” التابعة لـ”حزب الله” استنجدت، بـ”هسام هسام” كي يطل عبر منبرها ليسبِغ “الصدقية” على كلام نصر الله حول العميل غسان الجد، فيما هسام “مشكوك” في صدقيته، ويُعَد “شاهد زور” وفقاً لتصنيف الحزب لـ”شهود الزور”!
أضف إلى ذلك، أن اغلب القيادات في “حزب الله” ما فتئت يومياً تشن هجوماً متواصلاً على المحكمة الدولية، وصل حد مطالبة عضو المكتب السياسي للحزب محمود قماطي بـ”الغاء المحكمة الدولية واستبدالها، والغاء مفاعليها، والغاء المعاهدة القائمة بشأنها”.
وعلى هذا الأساس، يتبين للمراقبين ان “حزب الله ” بدأ منذ الاطلالات الاولى للسيد نصرالله حملة علاقات عامة تهدف الى:
1- تحضير الرأي العام المحلي والعربي والعالمي لاعتبار المحكمة الدولية مسيّسة وغير نزيهة، وبانها مطية لاميركا واسرائيل و”اعوانهما”، وأنها تستهدف بالدرجة الاولى “حزب الله”.
2- الضغط على الرئيس سعد الحريري وفريقه السياسي وقوى 14 اذار عبر التهويل بالفتنة، وتخييرهم بين الاستقرار والعدالة، علماً أن هذا الضغط ينسحب ايضا على مجموع الشعب اللبناني الذي يريد معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر شهداء 14 آذار.
3- كان لافتا تركيز بعض الاصوات على موقف ” ولي الدم” وامكانية الصفح والمسامحة، في محاولة لنقل اعتبار جريمة اغتيال الرئيس الحريري من قضية وطنية عامة تعني كل اللبنانيين إلى قضية شخصية خاصة بعائلة الشهيد.
4- الضغط على المحكمة الدولية ووضع القرائن والمعطيات في وجهها بهدف تأخير صدور القرار الظني.
5- توجيه رسائل الى الدول العربية وخاصة السعودية و سوريا، بعد المناخ الايجابي المتولد عن القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت بين الملك عبدالله والرئيسين الاسد وسليمان بانتظار ان تتحرك هذه الدول المعنية لوقف صدور القرار الظني او تأجيله، وإلا فإن مصير لبنان سيكون الاقتتال الطائفي والانقلاب على الحكومة والسيطرة على الدولة بالكامل.
يرى البعض أن أسلوب “حزب الله” يشبه تكتيك الحرب المتدحرجة ضد المحكمة الدولية، والتي تبدأ من مواقع دفاعية في مواقع محددة، وتنتقل إلى الهجوم حيث يمكن ذلك، بحيث يضطر الخصم إلى التراجع، ومن ثم تتحول إلى حرب شاملة. وفي هذا السياق يبدو ان “حزب الله” والاوساط الصحفية والسياسية المؤيدة او القريبة منه قد رسمت ما يشبه خطة توظف كل ما لديها من وسائل لتحقيق الهدف الاساسي وهو نسف المحكمة الدولية ومعها العدالة، وكذلك الامن او الاستقرار ان استطاعت.
ولعل السؤال اليوم: اذا كانت القرائن والمعطيات قد لاقت طريقها الى المحكمة الدولية، وقضية ما يسمى “شهود الزور” قد اوكل امرها الى وزير العدل إبراهيم نجار للإجابة على تساؤلات “حزب الله”، فلماذا لا يزال الحزب وحلفاؤه متمسكين بعدم ثقتهم بالمحكمة الدولية وعدم الاعتراف بها.
اما مطالبة “حزب الله” بإلغاء المحكمة، فجعلت المراقبين يطرحون سلسلة تساؤلات:
إذا كان “حزب الله” يريد إلغاء المحكمة، فلماذا استنفر في الأسابيع الماضية لتجميع “معطيات” وجه من خلالها الإتهام لإسرائيل بالضلوع في جريمة 14 شباط؟
ألم يقل السيد حسن نصر الله أنه يريد فتح أفق جديد أمام التحقيق؟ وكان له ما أراد، إذ بادر المدعي العام الدولي إلى طلب معطياته، واستجاب الحزب لطلبه وتم تسليمها، وأكدت الناطقة باسم المحكمة الخاصة بلبنان فاطمة العيساوي ان “هذه المواد ستخضع لفحص بعناية وسيتم تقويمها بدقة لتقرير قيمتها الثبوتية”.
طالما أن “حزب الله” يتهم إسرائيل، فمن يدينها إذا أُلغيت المحكمة الدولية؟ وبمعنى آخر، كيف يتهم “حزب الله” إسرائيل، ويجهد في “تقويض” المسار القضائي الدولي الوحيد لإدانتها ومحاكمتها؟
ماذا في خطة حزب الله بعد؟
1- مواصلة حملة العلاقات العامة (الفرضية الاسرائيلية – شهود الزور – عدم الاعتراف بالمحكمة…) فبركة اخبار: القاعدة – التنظيمات الاسلامية المتطرفة – بندر ابن سلطان الخ
2- حملة مركزة على حكومة الرئيس السنيورة السابقة، وعلى شخص السنيورة، واستحضار مفردات التخوين والعمالة والارتهان (الحريري رد على ذلك في افطار غروب 21) واعادة فتح ملف انشائها لانها بزعمهم تأسست بطريقة مخالفة للاصول الدستورة والقواعد “الميثاقية”
3- تأخير اقرار الموازنة والاعتراض الشديد على مبدأ دفع مساهمة لبنان في تمويل المحكمة
4- المطالبة بسحب القضاة اللبنانيين من المحكمة وابطال الاتفاقية الموقعة من الدولة اللبناني
5- تحين الفرصة لتعطيل عمل الحكومة نهائيا او اسقاطها واستبدالها بحكومة جديدة. وهذا ما يظهر في الاسماء المتداولة وبانتظار موافقة سوريا وتأييد جنبلاط؟؟!
6- تحركات شعبية ضد الحكومة تحت عنوان المطالبة الخدماتية. وتتخوف مصادرمن أن يكون وراء التحرك الشعبي التي تشهده بعض المناطق اللبنانية، والتي كان آخرها ما حصل على طريق المطار، أيادٍ خفية تمهد لتحرك شعبي أوسع قد يؤدي في نهاية المطاف إلى استقالة الحكومة تحت عنوان المطالب الخدماتية. تماماً كتلك التحركات والتظاهرات التي حصلت في العام 1992 التي أطاحت بحكومة الرئيس عمر كرامي.
7- الانقلاب العسكري او ما يشبه 7 ايار (70 سبعة ايار !!!)
في المحصلة، يبدو أن “حزب الله” يريد نسف المحكمة وليس تشغيلها، ووقف التحقيق وليس تفعيله، والا… فهل تستطيع القيادات السياسية اللبنانية لجم التهور والتدهور ووضع حد للفتنة مع التمسك بالحقيقة والعدالة؟ وهل ستظل مظلة اتفاق الدوحة والتفاهم السعودي السورى فاعلين في تأمين الهدوء والاستقرار؟ هذا ما ستجيب عليه التطورات اللاحقة في الاسابيع القادمة.
كاتب سياسي – بيروت
Mk_atef@hotmail.com