يزداد الخطر على لبنان، في ظلّ استعجال “حزب الله” سعيه إلي تبييض سلاحه وتحويله إلى سلطة تحلّ مكان سلطة الدولة اللبنانية. إنّه تبييض، من نوع آخر، تبييض للسلطة غير الشرعية التي يمتلكها الحزب والتي يستخدم سلاحه في فرضها على الآخرين من مواطنين عاديين يؤمنون بلبنان ومؤسساته.
في الخامس والعشرين من أيّار ـ مايو الجاري، يمرّ عام كامل على الشغور الرئاسي. من يفتعل الشغور معروف جدا، بل اكثر من اللزوم. هناك خطر على تركيبة البلد المطلوب ايرانيا تغييرها بشكل نهائي بعيدا عن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ذلك هو الهدف الأوّل والأخير من تكريس لبنان جمهورية بلا رأس.
من الواضح أن ايران تسعى إلى تعويض خسارتها سوريا، كلّ سوريا، في لبنان. هناك تركيز ايراني على الإحتفاظ بجزء من سوريا لديه ممرّ إلى مناطق يسيطر عليها “حزب الله” في لبنان. وهذا لا يمكن أن يحصل من دون ترجمة لسلطة سلاح “حزب الله”، مع ما يعنيه ذلك من تغيير في النظام وتركيبة النظام.
بالنسبة إلى كثيرين يعرفون طبيعة النظام الإيراني، إن استثماره في “حزب الله”، لما يزيد على ثلاثة عقود، يظلّ أهمّ من استثماره في النظام السوري. يظلّ لبنان، بالنسبة إلى إيران، أهم من سوريا على الرغم من كلّ ما بذلته طهران من جهود في مجال شراء الأراضي وتغيير طبيعة المجتمع السوري.
كان لتدخل “حزب الله” عسكريا في سوريا نتائج كارثية على لبنان. كرس الحزب، وهو لواء في “الحرس الثوري” الأيراني، سابقة في غاية الخطورة على الصعيد الإقليمي بتجاهله الحدود اللبنانية وجعل الرابط المذهبي فوق الرابط الوطني.
بكلام أوضح، إعتبر الحزب، الذي هو عبارة عن ميليشيا مذهبية، أن دعم النظام العلوي الأقلّوي في سوريا أهمّ بكثير من المحافظة على السيادة اللبنانية.
في ظلّ الظروف القائمة، تبدو كلّ خطوة من أجل تحصين لبنان أكثر من مفيدة. ما قام به الرئيس سعد الحريري في واشنطن، حيث إلتقى مسؤولين كبارا من بينهم نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري، دليل على وجود وعي لأهمّية تحصين الوطن الصغير في هذه الظروف. لم يتصرّف سعد رفيق الحريري إنطلاقا من فراغ. هناك قاعدة ثابتة اسمها لبنان الذي لم لا يزال يقاوم، على الرغم من كلّ ما يتعرّض له من هجمات تصبّ في محاولة خنقه.
لذلك، شدّد سعد الحريري في لقاءاته الأميركية على أهمّية انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.
من خلال زيارة سعد الحريري لواشنطن، وزيارته المتوقّعة لموسكو قريبا، نجد أنّ هناك من يطرح حلولا للبنان، أو على الأصحّ بداية لحلول من أجل تفادي المرحلة الصعبة التي يبدو البلد مقبلا عليها. هناك بكلّ بساطة من يريد حماية لبنان مستفيدا من كلّ فرصة يمكن أن تطلّ برأسها، بما في ذلك كون لبنان يحظى بعطف خليجي، بدل تحويله قاعدة لمهاجمة كلّ ما هو عربي في المنطقة.
هناك بكلّ بساطة خيار بين أن يكون لبنان ذيلا للمشروع الإيراني لا أكثر، وبين أن يكون حرّا عربيا مستقلا. جزء من المقاومة اللبنانية، ومن الصمود اللبناني، سعي وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى وضع النقاط على الحروف وتأكيد أن المؤسسات اللبنانية هي مؤسسات لكل اللبنانيين وأنّ الأمن على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك أمن الضاحية الجنوبية، واحد لا يتجزّأ وأن لا سبيل آخر غير التعاطي مع كلّ المشاكل المطروحة بهدوء ورويّة وحكمة وجدّية بعيدا عن المزايدات الرخيصة، أيا تكن مصادرها.
مثل هذا التعاطي لا يمكن أن يعني التخلي عن المسلّمات التي على رأسها أن كلّ سلاح خارج اطار الشرعية اللبنانية، خطر على البلد ويخدم مخططات اسرائيل وكلّ من يعمل من أجل اثارة الغرائز المذهبية والإرهاب بكلّ أشكاله عبر دعم الميليشيات المذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في سياق ما يعدّ له “حزب الله”، لا يعود مهمّا صياح النائب المسيحي ميشال عون الذي يخدم مخطّط ايران الهادف إلى المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين. مهمّة عون معروفة. كلّ المطلوب تعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية… من أجل تغيير النظام. الباقي تفاصيل، حتّى لو بدا “الجنرال” في موقع المستاء من حلفائه والغاضب عليهم!
هناك مشاركة مسيحية في تغطية محاولة تبييض سلطة “حزب الله”. وهذا ما لن يقبل به اللبنانيون الذين يمتلكون حدّا أدنى من الوطنية.
مؤسف أن ميشال عون يلعب مرّة أخرى دورا في تهديم مؤسسات الدولة اللبنانية. فعل ذلك في الماضي وما زال يفعل الشيء نفسه الآن. ساعد الوصاية السورية في وضع يدها على كل لبنان في العام1990 وهو الآن مجرّد أداة ايرانية تستخدم في مشروع يتجاوز لبنان.
ما هو مؤسف أكثر أن يبلغ رجل الثمانين من العمر وأن يرفض التعلّم من أخطاء الماضي. لا يمتلك حتّى ما يكفي من الشجاعة ليسأل نفسه من استفاد من حروبه العبثية التي شنّها، عندما كان في قصر بعبدا في 1988 و1989 و1990، غير الوصاية السورية؟
إذا كان ذلك صعبا عليه لماذا يسأل نفسه، لماذا يقيم في الرابية، أي في منطقة ذات أكثرية مسيحية، بدل الإقامة في حارة حريك التي هي مسقط رأسه… والتي صارت معقلا من معاقل “حزب الله”؟