قبل ايام ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على مجهول في تفجير سيارة مفخّخة في منطقة الرويس في 15 آب الماضي، ما أدى الى مقتل 25 شخصاً وجرح عشرات آخرين. وكان التحقيق الأولي الذي أجرته مديرية المخابرات في الجيش اللبناني لم يتوصل الى كشف هوية الفاعلين. لكنّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اكد في خطابه المتلفز الأخير ان حزبه توصل الى كشف هوية هؤلاء، وانهم ينتمون “الى فصيل في المعارضة السورية”، وان السيارة التي جرى تفجيرها “اتت من سورية”.
بالتأكيد فإن حزب الله لن يبخل في تقديم ما لديه من تحقيقات اجراها واوصلته الى تحديد هوية المنفذين الى القضاء العسكري. علما ان السؤال يبقى مشروعا حول سبب عدم تقديم هذه المعلومات، المؤكدة لدى حزب الله، الى المحكمة العسكرية، قبل ادعائها على مجهول. علما ان هذه المحكمة كانت ادعت ايضا على مجهول في قضية تفجير بئرالعبد، رغم المعلومات التي تداولتها اوساط حزب الله في وسائل اعلام شتى عن كشف منفذيها، ومنها ان بعضهم من مخيم برج البراجنة، وان السيارة التي انفجرت خرجت من المخيم.
بل على العكس، ورغم كل ما تم تداولته أوساط الحزب، لم تصدر عن المحكمة العسكرية او مفوض الحكومة فيها اي اشارة تدل على تطور في كشف هوية المنفذين. هذا بخلاف تفجيري طرابلس، حيث تمّ الادعاء على متهمين، وكانت تحقيقات فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي توصلت الى تسمية ضباط سوريين متورطين، بحسب التحقيقات، في هذين التفجيرين.
الايام المقبلة ستظهر مدى جدية المعلومات المتوفرة لدى حزب الله، بعد ان يقدم ما لديه الى المحكمة العسكرية. ورغم ان بعض المصادر الامنية تستبعد حصول تطور على صعيد كشف التحقيقات في تفجيري الرويس وبئر العبد، كما حصل في طرابلس، إلا انها تتوقع طيّ الملف بكلمة السيد نصرالله التي خلص فيها الى ان “فصيلا من المعارضة السورية نفذ تفجير الرويس”، من دون ان تعرف لا الاسماء ولا هوية الجهة التي ارسلتهم.
اهم ما في النتيجة ان حزب الله قد تأكد، بناء على ما قاله السيد نصرالله، ان “لا متفجرة الرويس ولا متفجرة بئر العبد خرجتا من مخيم برج البراجنة”. فالثابت لدى حزب الله، وما تسرب عن تحقيقات فرع المعلومات، ان متفجرة الرويس مصدرها سورية. لكن الاول يقول ان “مصدرها المعارضة” والثاني يشير الى ان مرسلها “ضابط في جيش النظام”.
أياً يكن، فإن احتمال تكرار التفجيرات سيظل وارداً في الضاحية الجنوبية او سواها من المناطق اللبنانية، ما دام مدبرو التفجيرات، سواء في النظام السوري، او في جهات معارضة له، هم على قيد القتال والمواجهة وليس هناك ما يظهر ان الفاعل لن يكرر فعلته. اللهم الا اذا كانت الاجراءات الامنية التي قام بها حزب الله في الضاحية الجنوبية قد حالت دون تكرارها.
وبعد تولي القوة الامنية الرسمية هذه المهمة عن حزب الله في الضاحية لم تنتفِ المخاطر ولا يعني هي زادت. لكن الاهم من ذلك كله ان حزب الله بات مقتنعا، نظرياً، بقدرة الدولة على حماية الضاحية، وبات واثقا بقدرتها. تلك الدولة التي هو احد ابرز مكوناتها التشريعية والتنفيذية منذ سنوات.
فمستوى وحجم المطالبة الكبيران، خلال الاسبوعين الماضيين، من قبله، بضرورة قيام اجهزة الدولة بدورها الامني في الضاحية، يكشفان ان هذا الخيار هو الاكثر امناً له ولابناء الضاحية. وبهذا المعنى يكتسب انتشار القوى الامنية الاخير في الضاحية، رغم كل التساؤلات والتشكيك المشروع، أهمية استثنائية. فكلما ازدادت المخاطر على حزب الله والمجتمع، صار حضور الدولة مطلبا ملحا له ولجمهوره، حتى لو كانت تلك الدولة هي نفسها التي قال فيها، هو نفسه، منذ تأسيسه، ما لم يقله مالك في الخمر. فهو صاحب المقولات التالية:
• الدولة ليست قادرة على حماية “الاهل” لذا انا سأحميهم.
• الدولة ليست قادرة على المقاومة لهذا انا سأقاوم.
• الدولة ليست قادرة على حماية سورية لذا أنا سأحميها.
هذا ما يقوله حزب الله دائما لتسويغ دوره الامني والعسكري. لكن أخيرا أقرّ حزب الله أنّ الدولة قادرة على حماية “الاهل”. ولهذا السبب احتفى بتخلّيه عن اجراءاته الامنية لتتولى الدولة المهمة. فهل هذه القناعة بقدرة الدولة على تولي الامن في الضاحية، توفر بداية قناعات جديدة لدى حزب الله حيال دور الدولة في ادارة المقاومة والعلاقة مع سورية؟
alyalamine@gmail.com
البلد