يؤكد بعض المشاركين في الحكومة ان احالة ملف مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان الى قاضي التحقيق العسكري تنطوي على تطور سياسي نوعي في لبنان، بسبب كلّ ما مهّد الطريق لمثل هذا الاجراء. لكنّه يبقى عرضة لاحتمالات النجاح او التقويض. فهي خطوة ما زالت عرضة لضغوط سياسية من اجل دفنها في المهد، بعدما كشفت التحقيقات الامنية تورط اركان من النظام السوري في مخطّط ميشال سماحة وعلي المملوك.
وبالترابط مع هذه الخطوة برز موقف غير مسبوق لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، خلال جولته الاميركية، عندما ميّز بين “سلاح المقاومة ضد اسرائيل” و”سلاح حزب الله”، الذي ساواه بسلاح السلفيين والسلاح غير الشرعي. وجاء موقف الرئيس سليمان إثر تداول معلومات عن انخراط ميداني ما لحزب الله في مواجهة الثورة السورية والجيش السوري الحر.
لم يواجه حزب الله كلام رئيس الجمهورية بالصمت، كما فعل حيال الاتهامات بتورطه بدعم النظام السوري عسكريا، حيث بقي الغموض سمة الموقف لجهة توضيح طبيعة دوره السوري. لكنّ عضو مجلس شورى حزب الله الشيخ محمد يزبك، وخلال حفل تأبين ابوعباس امس، الذي كان قتل على الاراضي السورية، عزا عملية القتل الى انّ “الشهيد كان يحاول حماية لبنانيين”، محملا الدولة مسؤولية “إهمال هؤلاء اللبنانيين المقيمين على الاراضي السورية فيما نذهب إلى أقاصي الدنيا بحثا عن الجاليات اللبنانية، وهؤلاء في جوارنا”، مؤكدا ان “سلاح المقاومة ومخازن السلاح هي للدفاع عن الوطن وشعبه”. في اشارة الى لبنانيين يقيمون في قرى سورية قريبة من الحدود.
يقرأ بعض المراقبين، في كلام الشيخ يزبك عن “حماية لبنانيين داخل سورية تخلت الدولة اللبنانية عن حمايتهم”، مؤشراً الى بدء “شَرعنة” التدخل في الشأن السوري، وبدء تعويد الرأي العام اللبناني على اعتبار ان المقاومة التي وصفها يزبك بانها “للدفاع عن الوطن وشعبه” من دون تحديد ضدّ من، من مهامها ايضا “حماية اللبنانيين الذين يتعرضون لمخاطر داخل سورية”.
وفي محاولة تفسير مسار المواقف من قبل حزب الله تجاه الازمة السورية، يلاحظ انها اتّخذت اتجاها تصاعديا نحو مزيد من تبني خطاب النظام السوري، وذلك بالتوازي مع تصاعد المواقف الايرانية الرسمية، التي اظهرت انه كلما اختل ميزان القوى لصالح المعارضة السورية، كان يتم تعويض هذا الاختلال بمزيد من الدعم للنظام سياسيا ولوجستيا.
في المقابل لا يخرج المسار السياسي في لبنان عن هذه القاعدة، اذ ثمة ما يشبه البارومتر السياسي: كلما ظهرت تأكيدات بضعف النظام السوري وتراجعه، كلما خطا رئيس الجمهورية والاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية خطوة الى الامام لملء فراغ انكفاء النظام السوري لبنانيا من بوابة السيادة، وكلما خطا “حزب الله” خطوة جديدة نحو تعميق إعلانه الإنخراط في دعم النظام جملة وتفصيلا، بدلاً من محاولة الخروج من عنق زجاجة دعم القاتل علنا.
هذا التحول الملحوظ في ميزان القوى على ايقاع الميزان السوري هو ما سمح اصلا بالقبض على الوزير السابق ميشال سماحة، وهو ما سمح اخيرا بالتجرؤ على ذكر دور مستشارة الرئيس السوري في هذه القضية، وهو ما سيدفع الى مزيد من ذكر اسماء متورطين آخرين لبنانيين وغير لبنانيين واستدعائهم الى التحقيق كما ذكرت مصادر امنية لبنانية في هذا السياق. والاهم هو توقّع زيادة منسوب المواقف السياسية السيادية اتجاه اي محاولة مسَ سورية.
لكن هذا المسار يبقى عرضة لامتحان داخلي في الحكومة نفسها او في الشارع. فسياسة النأي بالنفس لم تعد كافية. ذلك أنّ استحقاقات داخلية فرضت نفسها بقوة اليوم. استحقاقات تأتي في مقدمها استحالة استمرار الالتباس في الموقف مما يجري في سورية. فالوقائع الميدانية باتت تفرض تحديد المواقف من التدخل الميداني بشكل واضح، بعدما فقد الالتباس كفاءته وفائدته.
نلاحظ أخيرا أنّ “حزب الله”، في هذا السياق، هو آخر المعترفين بالإنخراط العسكري في سورية، بعد الإعلان الروسي عن دعم النظام السوري، وبعد إعلان أكثرمن مسؤول عسكري إيراني عن وجود عسكري إيراني في المدن السورية. ما يسمح بالإستنتاج أنّ اعتراف الحزب أخيراً بقتل عناصره في سورية يستدرج منطقا جديدا أقرب إلى إعلان سورية أرض جهاد شيعيّ – مقاوماتيّ – ممانعاتيّ ملخّصه الآتي: “حماية المقاومة تبدأ بحماية خطوط إمدادها، وحماية خطوط الإمداد تبدأ بحماية النظام السوري، وحماية الطائفة الشيعية تبدأ بحماية النظام العلوي، وصولا إلى القول علنا: نحن نقاتل السلفيين أعداء المقاومة في سورية، وشهداؤنا في حماية ظهر المقاومة لا يقلّون شهادة عن شهداء الدفاع عن الأرض في الجنوب أمام الأطماع الإسرائيلية”.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد
حزب الله: نحو إعلان سورية “أرض جهاد”
لقد عمل النظام الاسدي على تصوير الحرب على انها طائفية منذ البداية و مايسمى بحزب الله يؤكدها عمليا وفي النهاية هما الخاسران ولو طالت امد الحرب.