لا اعتقد ان اعداء حزب الله مستاؤون من قتاله واستبساله على الاراضي السورية. لا بل هم يزدادون بهجة كلما سمعوا ان حزب الله حقق مكسباً عسكرياً على هذا المحور او ذاك. وبات هؤلاء مطمئنين اليوم اكثر من اي وقت مضى الى ان القوة العسكرية التي يمتلكها هذا الحزب، او ما يسمى فائض القوة، سيصرف مع القوة نفسها في المدى السوري. بل قل إنّ الرمال السورية كفيلة باستنفاد هذه الطاقة التي لم تستطع التأقلم مع محيطها، كما لم يستطع هذا المحيط استيعابها او تثميرها بالمعنى الايجابي في الحيّز الوطني العام.
اذ لم يعد خفيّا ولا سرًّا، القول ان القبضة الدولية على سورية ليست مستعجلة لانهاء المقتلة السورية في وقت قريب. فهي، رغم ما تنطوي عليه من قوى متمايزة او متنافرة في مكونها، الا انها – قوى – متقاطعة على هدف منع اسقاط النظام الحالي ومنع انتصار المعارضة. لذا لا تعير اهتماماً فعلياً للكارثة الانسانية التي تعصف بالشعب السوري، بل ثمة ما يشبه التعتيم على تلك الكارثة، التي تجاوزت بحجمها النكبات والكوارث والمجازر والحروب كلّها. تلك التي كانت تشكل في ذاكرة ابناء المنطقة العربية نموذجا لفظاعات الأنظمة، او القوى الاستعمارية، او الكيان الاسرائيلي.
ووظيفة التعتيم التي يمارسها الاعلام الغربي على الكارثة الانسانية في سورية تتم عبر تسويق ان سورية ليست الا ساحة اقتتال بين فصائل الارهاب (القاعدة – حزب الله) او بين “الارهاب السني” والنظام الديكتاتوري. وهذا الإعلام يقدّم الصراع في سورية على هذه الصورة بجهود، ايرانية وعربية وغربية، وكل في سياق مصالح خاصة تتصل في جوهرها بحماية انظمة الاستبداد، او النفوذ، وقبل ذلك كله خنق كل ما يتصل باحلام الربيع العربي.
يدرك حلفاء النظام السوري، قبل خصومه، ان اي تسوية حقيقية للازمة السورية سيدفع بشار الاسد وجوده كنظام وكرئيس ثمناً لها. لذا فإنّ فرص بقاء هذا النظام، لا تتحقق الا باستمراره وفيًّا لآلة القتل ولوظيفتها التدميرية. وما دام ان الحاجة لهذه الوظيفة مستمرة سيبقى النظام السوري قائماً بقوة الدعم الخارجي، وبشرط القتل والتدمير. والأرجح أنّ وظيفة جديدة ومغرية للكثيرين بات النظام السوري يسعى بكل ما لديه من براعة التدمير لتأكيد انه قادر على توليها. ما دامت تزيد من عمره وتوفر شروط البقاء حتى انجازها.
الوظيفة هي معركة الارهاب، وهي عنوان مطاط تورط الكثيرون في تبنيها كما يقدم على مائدة السياسات الدولية. فالارهاب، في التعريفات والملفات الدولية والاميركية، هو تنظيم القاعدة واشباهه. ولا يعني في هذه التعريفات ان من يقاتل “القاعدة” او التكفيريين هو ليس ارهابيا. وبالتالي لا يعني، على سبيل المثال لا الحصر، ان استبسال حزب الله ضد القاعدة واقرانه من الجماعات الارهابية يمكن ان يزيل عنه تهمة الارهاب.
الارهابيون يتقاتلون في سورية إذاً. وهو قتال لن تكون نتيجته غير الكارثة. فليس في هذا العالم من هو مستعد لأن يستنقذ “القاعدة” من براثن حزب الله، ولا ان يذود عن حزب الله في مواجهة “القاعدة” اوالتكفيريين. لذا فالوظيفة المحورية للنظام السوري اليوم هي المزيد من استدراج واغراق طرفيها في هذه المعركة، بعدما علق حزب الله في الفخ السوري، ونجح في جرّ الجمهور الشيعي، الى حدّ كبير، نحو هذا الفخ.
وبعدما انهارت “التنسيقيات السورية” بقوة حزب الله، تقدم الاسلاميون الذين بدأوا يستعيدون نموذج الموجات البشرية “الاستشهادية” التي برع “الحرس الثوري” في اعتمادها خلال الحرب العراقية الايرانية، وتمثلها حزب الله في مرحلة من مراحل قتاله الاحتلال الاسرائيلي في منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي في جنوب لبنان.
في المرحلة المقبلة سيختزل الاسلاميون المشهد المعارض السوري بقوة، وهو اختزال لمس حزب الله مؤشراته في ميدان القتال في الغوطة الشرقية وفي القلمون اخيراً. وبات يدرك انه لم يعد بمقدوره الانسحاب من المواجهة، حتى الاتفاق الايراني – الاميركي سيعزز من هذه المواجهة ولن يحدَ منها. لذا فإنّ حزب الله صار على حق اليوم في المقولة التي روج لها حين قرر الدخول العلني في القتال السوري: “اننا نذهب لقتالهم في سورية قبل ان يأتوا الينا الى لبنان”. على حقّ اليوم وليس في الامس.
فعلا اللبنانيون اليوم يريدون لحزب الله ان يبقى في سورية كل بحساب، اما الشكر فمتروك لدى الكثير من اللبنانيين الى يوم ينجح حزب الله في مهمة صعبة او مستحيلة، استنقاذ نفسه وطائفته ولبنان من الرمال السورية.
فعلا: نجح النظام السوري حيث عجز الآخرون.
alyalamine@gmail.com
البلد