تذكير عاجل: هل هناك منا من يتذكر اياً من قصص الاطفال وحكاياهم؟ ذلك ممكن جداً، وممكن ايضا انكم تتذكرون ان معظمها تدور حول ثنائية السلبي المطلق والايجابي المطلق لكون الاطفال لا يمتلكون سوى آليات دفاع بدائية سيكولوجياً، كآلية الفصل مثلا، التي تجعل من الصعب عليهم تقبّل نسبية الخطأ والصواب. هذا في العمر الذي نكون متوجين فيه بتاج البراءة. اما نحن وقد كبرنا، ألا يرى بعضكم او كلكم، ان البعض القليل من “الكبار جدا جدا” في لبنان يعود ليرتد احيانا الى هذه الآلية، “آلية الفصل”؟
لنعد الى الطريق، حيث الموضوع، كل الموضوع، انني هذه المرة سأفض هيبة الخط المرسوم، ولو كان لهذا الخط هيبة الخط الازرق!! في العام 1990 وفي ذكرى تغييب سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر التي احياها ويحييها على الدوام اخواننا من جماهير “حركة امل” وقف دولة الرئيس المحامي نبيه بري واتهم الحزب الذي يرئس ما يسمى اليوم المعارضة اللبنانية، اتهمه “وكان محقا” بادعاء المقاومة، وبمروره عبر اسرائيل ليقاتل اهل المقاومة وقال: “لا يوجد في الاطار اللبناني حزب اسمه “حزب…” او مقاومة اسمها مقاومة اسلامية، انما يوجد على ارض لبنان حزب ايراني اسمه كذا ومقاومة ايرانية اسمها كذا”، وتابع في الخطاب نفسه: “ايدناكم ونهنئكم – ايران – على انسحاب صدام حسين من ارضكم آملين ان تسحبوا علي محتشمي وحرسه من ارضنا”. وفي ذكرى اسبوع احد خيرة القادة في “حركة امل” قال دولة الرئيس صراحة: هؤلاء قتلوا من القادة اكثر مما قتلت اسرائيل”.
توضيح عاجل: لست هنا في مقام تذكير دولة الرئيس – الذي يقود ما سميته في مقال سابق “الحالة الصدرية” التي تمثل تيارا اجتماعيا تاريخيا يفيض عن اي لون من الوان الانتظام الحزبي – بما قال، فهو يتذكره تماما. بل انا هنا في مقام تعداد بعض اخطاء هذا الحزب الذي يدعي وصلا “صادقا جدا” بالله!! معتمدا في هذا التعداد على كلام قاله دولة الرئيس نفسه.
إذاً، ومنذ الانطلاقة، بدأ هذا الحزب من المكان الخطأ، وبالاسلوب الخطأ، باتباع منهجية اصرار غير مسبوقة على احتلال الجنوب اللبناني وطرد “حركة امل” بهدف الامساك بملف المقاومة لا عشقا لها، ولا كرمى لعيون اهل الجنوب، بل لكونها ورقة ضغط قوية تستطيع الدولة الايرانية استعمالها وقت تشاء. باسم الله بدأ التغلغل في الجنوب، وباسم الله كانت حرب الضاحية واقليم التفاح، وباسم الله قتل داود ومحمود وحسن وقادة كثيرون. وباسم الله كانت تقترف الخطايا…
بعد اتفاق دمشق الاول بين الدولة الايرانية والنظام السوري الذي تم على اثره تلزيم الجنوب لهذا الحزب، صارت كل الوسائل والطرق خبرة جديدة جديرة بأن تذاق، فأتى اول انتصار لهذا الحزب على الطريق في عام 1993 حيث تهجر اهل الجنوب بحثا عن شرف اضاعوه وكرامة مهدورة فقدوها!! تهجروا الى حدائق لبنان والمدارس. اما الشهداء، دفنوا وماتت ذكراهم كما اليوم، كرمى لعيون القضية وصاحبها. يومها طالبنا بالجيش بمعية دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري حارسا وحاميا ولم نفلح، واستمرت القضية، واخذ فصل جديد منها بالظهور عام 1996، باسم الله سقط شهداء، تهجر الجنوبيون، وتدمرت بيوتهم، وبسحر ساحر، لا احد يعلم الا الله، كيف طويت الصفحة من دون مساءلة.
بعد الحرب، ذكر دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري امام وفد جنوبي زاره في قاعة المناضل ادهم خنجر شاكيا اسلوبا اعتمده هذا الحزب في تلك الحرب. وهو اطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة من بين المنازل وقلب الاحياء السكنية في تكرار لمسرحية ما قبل العام 1982، فأجابه على حد ما قاله لي احدهم وكان في عداد الوفد: هل تظنون ان المشكلة بيني وبينهم هي انهم يصلون وانا لا اصلي؟ ام يصومون وانا لا اصوم؟ ام ان المشكلة هي اعتماد اسلوبهم هذا في القتال؟ اكتفى دولة الرئيس يومها بهذا القدر من الادانة وتركنا نعيش “بسبات ونبات”.
بعد سنوات اربع على حرب 1996 انسحبت اسرائيل من لبنان. يومها كان من المفترض بهذا الحزب ان يستريح من وظيفته، ويعطي الجنوب محررا للجيش الوطني اللبناني، ليأخذ على عاتقه حماية أمن الجنوبيين والحدود، وتثبيت النظام والشرعية، والنظر في اتجاه مزارع شبعا، وردع العدو الاسرائيلي عند اي محاولة اعتداء على لبنان. باسم الله منع الجيش من دخول الجنوب، وباسم الله بدأت جوقة من “المشايخ المحازبين” بتخوين كل داع الى صعود الجيش، ولم يتجرأ احد، اي احد، على التصدي للصدع الزلزالي، القائم بين هذا الحزب واحترام القوانين والشرعية.
عام 2006 اتتنا ام المعارك، الحرب التي “فلشوا” فيها سلفا إسفلت النصر على صدورنا وباسم الله ايضا في تكرار “للمهنة واخلاقياتها” تهجرنا حيث المذلة وذبذبات الوجع، تدمرت بيوتنا والمصانع. نزيف ودمار ومذابح ورائحة دم تقف في الهواء الطلق، وهم على عهدهم بلا خجل، كل هذا نصر يقف في الرياء الطلق، على كل حال، هذه الحرب لم تكن كسابقاتها ابدا، فبعد صدور القرار 1701 على اساس النقاط السبع التي اقرتها الحكومة اللبنانية بالاجماع، والذي قضى بوقف الاعمال الحربية، ونعي المشروع الذي من اجله اسس هذا الحزب، وقف كثيرون ليسألوا عن الاهداف والاسباب التي كانت وراء هذه الحرب، والنتائج الكارثية التي خلفتها وراءها على الاجتماع والاقتصاد اللبنانيين. لم يقبل هذا الحزب بأي مساءلة، ولم يكتف بذلك، بل ادار ظهره للجميع، وحط الرحال في وسط بيروت، ضاغطاً “على قلب الوطن”، وشغّل “حلقات الدبكة” رافضا أي طرح ونقد عقلي متزن ومحترم، ومرددا معزوفة التخوين بترداد ممل، ومطالبا بحقه الطبيعي بعد تحقيقه “النصر الالهي”، باستلام مقاليد الحكم ومقدرات الدولة اللبنانية، وترحيل الخونة خارج حدود “الممكن”!!
سؤال: كم صار عدد الاخطاء؟ جواب: ما زال في الجعبة اكثر، لكن، وحتى كتابة هذه السطور، ما تبقى من الاخطاء في الجعبة سيبقى الا اذا بقيت “حلقات الدبكة والزجل” قائمة فعندها سيأتي ما هو اشد واقسى من حلقات عدم استساغة هذا النوع من “الزجل”.
اختم باعتذار اقدمه لرأس الطائفة الذي طلب مني عدم الكتابة لتأمين اكبر قدر من الوحدة ولو في الشكل فقط، وله اقول مع الاحترام وكثير من المحبة بأنني عدت الى الكتابة رافضا لهذا التعويض الاستلحاقي الذي يقدمونه، والذي يعصم من يشاء عن الخطيئة والخطأ، ويعصم ايضا من يشاء عن فضيلة العودة عن الخطأ، وعدت ايضا الى الكتابة رافضا الانحطاط والقصور في قاموسهم، الانحطاط في ثقافة التعدد والقصور عن احترام الحق في الاختلاف، ومحاولاتهم هرس الاختلاف تحت محدلة الوحدة! اليس كذلك؟؟
(المملكة المتحدة)
(نقلاً عن “قضايا النهار”)
“حزب الله”: عودة إلى تاريخ
علي جواد محسن – جنوب لبنان
هادي الأمين ، واحد بين كثيرين ، بل على رأس كثيرين من السياسيين الشيعة ، الذين يرفضون الهيمنه على الوطن والدولة تحت أي ستار كان ، ولو كان هذا الستار هو المقاومة . أخذ الله بيدك أينما كنت ، فنحن فعلاً كشيعة لبنانين نحتاج هذا الحراك الفكري والسياسي الذي تقومون به ، ونقدر هذا الحراك أيضاً لعلمنا بأن الثمن هو حياتكم وروحكم وحريتكم وعائلاتكم . أكملوا الطريق حضرة الأستاذ هادي الأمين ، ولا تدعوهم يرهبونكم . حماكم الله .
“حزب الله”: عودة إلى تاريخ
حماك الله يا سيد هادي ، لقد نطقت بالحقيقة والله ،وحكيت وجعنا .. الله يحميك وأمثالك في لبنان والجنوب خصوصاً
“حزب الله”: عودة إلى تاريخ
(و إن حزب الله هم الغالبون)