حزب الله معني ان يفسر لقاعدته اسباب تنازله عن ثابتتين: “الثلث المعطل” في اي تشكيلة حكومية بعد الدوحة، واستعداده لتعديل ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة” في اي بيان وزاري، مع تضمين هذا البيان “اعلان بعبدا”. وعلى خلاف قوى 14 آذار التي يكفيها هذين الانجازين لتقول لجمهورها إنّها حققتهما له رغم انّ حزب الله كان يعتبرهما من احلام 14 آذار التي لا يمكن ان تتحقق. لا بل إنّ هذين الانجازين كان يمكن لحزب الله ان يعتبرهما نصراً إلهياً فيما لو كان في موقع 14 آذار اليوم.
لم ينس اللبنانيون أنّ حزب الله، وعبر امينه العام، خاطب قوى 14 آذار قبل اشهر قليلة قائلا: “إغتنموا الفرص”، أي “لحّقوا حالكم ووافقوا على معادلة (996) الحكومية لأن الآتي لن يتيح لكم حتّى هذه المعادلة”. لذا فهذا التراجع مهمّ جداً وليس من الحكمة ولا الفطنة السياسية الاستهانة به، وصولا الى مطالبته بالخروج من سورية. اذ لا يعوز المتابع اليوم إدراك أنّ مثل هذا المطلب تعجيزي. فهذا القرار اكبر من حزب الله ويرتبط مباشرة بالسياسة الايرانية، ومؤتمر جنيف 2. ولا تستطيع قيادة الحزب ان تأخذ مثل هذا القرار في معزل عن التطورات الاقليمية.
في كل الاحوال ليست الحكومة هي التسوية اللبنانية، او الحل الذي ينشده اللبنانيون. قصارى ما يمكن ان يحمله هو تشكيل حكومة سياسية جامعة. هو عنصر ايجابي يمهّد لتسوية لبنانية، او تسويات متوالية في المرحلة المقبلة. وهي تكون كذلك اذا كان قرار حزب الله، كما يتمناه معظم اللبنانيين، نابعا عن قناعة خلص اليها بعد دراسة وتجربة اتاحتهما له السنوات الثلاث الاخيرة. اي مع بدء مغامرته في فرض حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. مغامرة يبدو أنّها أفضت الى اقتناعه بأنّ لبنان لا يقوم في نظامه وسلطته الا على التوازن بين مكوناته السياسية والطائفية، وانّ محاولة الغاء اي مكون سياسي او طائفي لن تنجح، وتداعياتها اكبر بكثير من النتائج الايجابية المأمولة. وانّك كما تستطيع ان تستقوي على الآخر وتقصيه، فهو قادر ايضا على أن يقابلك بالتخريب ضد مشروعك ووجودك.
سنوات حزب الله الميقاتية الثلاث خلصت الى فشل في ادارة الحكومة. وكشفت انّ حزب الله، رغم كل قوته، لم يستطع ان يقدم نموذجا يفتخر به على صعيد ادارة الحكومة ومؤسسات الدولة. بل خلص الى مزيد من دفع الدولة نزولا نحو هاوية الدولة الفاشلة. هكذا يمكن فهم تراجع حزب الله في عنواني “الثلث المعطل” و”الثلاثية”. هو اقرار بهذه النتيجة وندعو الله الا يكون هذا التراجع نتيجة كلمة سرّ من الخارج تخدم مصالح سياسية لدولة غير لبنان، بل ان يكون فعلا خلاصة بحث وتفكير ونتيجة تجربة اوصلته الى هذه القناعة.
رغم انّ حزب الله استخدم كل اسلحته السياسية في مواجهاته السابقة مع خصومه، من سلاح التخوين، الى العمالة الى توجيه الاتهامات للسعودية مباشرة بتفجيرات في الضاحية الجنوبية او السفارة الايرانية، بلا ادلة معلنة، فهو في المقابل، لم يستطع ان يحكم او يوفر استقرارا او يضمن حدّاً من الطمأنينة في قدرته على ادارة الحكومة ومصالح المواطنين وامنهم. وما لبث ان عاد واقرّ بخطوته الاخيرة بأنّ هذه الدولة الاقليمية مكون اساسي في اللعبة السياسية اللبنانية ويجب التعامل معها بإيجابية. وانّ التعامل مع هذه الحقيقة افضل لمصلحة لبنان من نفيها. خصوصا انّ حزب الله، منذ استجاب لمطلب الرئيس بشار الاسد واسقط حكومة الرئيس الحريري قبل ثلاث سنوات، كان يظنّ انّه ينهي الفصل الاخير من عملية سورية بغطاء ايراني يطوي الدور السعودي في المعادلة السياسية في لبنان. وربما يجد حزب الله اليوم في قراءته، هو وليس سواه لهذه العملية، انّها كانت شرارة من شرارات ما يسميها الكثيرون “الثورة السورية”، وما يسميها هو “المؤامرة على المقاومة والممانعة”. فضلا عن انّ المرحلة المقبلة ستفرض دورا فاعلاً لهذه الدولة في المشهد السوري، ولو من باب اعمار سورية في الحد الأدنى.
خطوة حزب الله التراجعية يدرجها مسؤولوه في سياق تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، وهي لذلك نقطة يمكن ان توفر لقوى 14 آذار فرصة اختبار حلقة من التسوية من دون ان تشعر قواها بأنّها خانت شعاراتها. فحزب الله عاد اليوم الى رفع راية المشاركة والشراكة، وبشروط افضل لمشروع الدولة، بعد ان كان هو من قوّض حكومة الشراكة قبل ثلاث سنوات.
alyalamine@gmail.com
البلد