ويكلي ستاندرد
يرى العديد من اللبنانيين أن الهجوم الهائل باستخدام سيارة مفخخة في بيروت في التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر الذي أودى بحياة رئيس فرع المعلومات بـ “قوى الأمن الداخلي” وسام الحسن – مسلم سني – وسبعة آخرين يستحضر في الأذهان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005. وقد اتهم أعضاء في مليشيا «حزب الله» الشيعية بارتكاب الجريمة التي وقعت في 2005، كما أن المنظمة – إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد – هي المشتبه بها الرئيسي في هذا الانتهاك الأخير. ومع ذلك، فبدلاً من إظهار القوة، يبرز الهجوم إحساس الميليشيا بعدم الأمان.
وعلى مدى معظم فترات العقد الماضي كان «حزب الله» يحظى بوضعية تتيح له الغرور والزهو. لكن بعد مرور عشرين شهراً على الانتفاضة الشعبية في سوريا التي تهدد باسقاط نظام الأسد، وقطع خطوط الإمدادات لـ«حزب الله»، وترك التنظيم محاطاً بأغلبيات ساحقة من المسلمين السنة، فإن الحركة تواجه ضغوطاً لم يسبق لها مثيل ويبدو أن قائدها حسن نصر الله الواثق من نفسه عادة، ينتابه القلق في الوقت الحالي. ورغم أن خطاباته لا تزال تعكس التظاهر المعتاد بالشجاعة، إلا أن في ظهوره الأخير لا يبدو أن نصر الله هو كما كان سابقاً.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة أن عالِم الدين الممشوق القوام الذي يرتدي العمامة أصبح أكثر بدانة. وربما كان أسلوب الحياة في الملاجئ المحصنة وما يصاحب ذلك من غياب التمارين الرياضية قد أثر على الشيخ الذي كبر في السن. أو ربما يتناول نصر الله الكثير من الطعام بسبب الاضطراب والضغط. وبغض النظر عن ذلك، فإن صور قائد «حزب الله» ممتلئ الجسم ويكاد يكون ملائكياً وهو يصعد المنصة بشق الأنفس في أيلول/سبتمبر لإلقاء خطاب ناري يدعو فيه “بالموت لأمريكا والهلاك لإسرائيل” (نُشِر من على موقع “الانتقاد”- المجلة الالكترونية للحركة -) لم يعد تثير مستوى الخوف الذي كانت تثيره من قبل.
وعلى الرغم من أن نهاية «حزب الله» لا تزال بعيدة حالياً، إلا أن التطورات الإقليمية تهدد بتقويض المكانة البارزة للجماعة في لبنان. كما أن الميليشيا ردت بمهاجمة منتقديها المحليين (وربما قامت بقتلهم) بتسليطها الضوء على أجندتها المعادية لإسرائيل ومضاعفة اعتمادها على الأسد. وفي ضوء التوترات الحالية من الصعب التنبؤ كيف ستتصرف هذه الحركة المعروفة عادة بانضباطها وتحسبها للخطوات بدقة.
وفي أواخر أيلول/سبتمبر عقدت مجموعة صغيرة من الشيعة والصحفيين المناهضين لـ«حزب الله» مؤتمراً صحفياً في مكاتب “نقابة الصحفيين اللبنانيين” في غرب بيروت. وفي الآونة الأخيرة تعرض الذين شاركوا بالمؤتمر الصحفي – وعدد آخر من الشيعة الذين يحملون نفس التفكير – لهجوم عنيف من قبل صحيفة “الأخبار” المناهضة للولايات المتحدة والموالية لـ«حزب الله» بسبب معارضتهم العلنية للميليشيا، وهو موقف موثق في برقيات دبلوماسية أمريكية سرية نشرها موقع ويكيليكس. ورغم أن المتحدثين توخوا الحذر في امتداح عمليات “المقاومة” التي يقوم بها «حزب الله» ضد إسرائيل، إلا أنهم اشتكوا بمرارة من محاولة الحركة – المدعومة من قبل إيران وسوريا – فرض هيمنتها الأيديولوجية على إخوانهم في الدين من اللبنانيين من خلال حملة في صحيفة الأخبار – تزخر بالتهديد بالعنف – ضد ما يسمى بـ “شيعة السفارة [الأمريكية]”.
.يشار إلى أن حملة “الأخبار” ليست المرة الأولى التي يحاول فيها «حزب الله» تخويف الشيعة المنشقين حتى يلوذوا بالسكوت. كما أن الميليشيا، التي تمتلك ما يشبه بالاحتكار السياسي على الدوائر الانتخابية الشيعية في لبنان، قد هددت بهدوء على مدار عقود – أولئك الشيعة الذين انحرفوا عن العقيدة وبدؤوا يثيرون تساؤلات حول شرعية ترسانة الحركة وولائها للنظام الديني في طهران. (في الأشهر الأخيرة، هاجمت الصحيفة أيضاً وسام الحسن لموقفه المناهض لنظام الأسد). لكن يبدو أن هذه الحملة الإعلامية المنظمة ضد الشيعة متطرفة للغاية، حتى بمقاييس «حزب الله».
ويقيناً أن سلسلة “الأخبار” تنطوي على تهديدات، ومع ذلك فإنها تشير أيضاً إلى وجود شعور من اليأس. ولا يخفى أن «حزب الله» يواجه متاعب منذ بدء الانتفاضة السورية. فبعد أن دعم الثورات ضد الحكومات الاستبدادية في تونس وليبيا ومصر والبحرين، وجدت “منظمة المضطهدين” كما تصف نفسها، في وضع غير مريح يبرر الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد الاستبدادي في سوريا. والأسوأ من ذلك، وكما يتضح من التدفق الثابت والمستمر لجنازات مقاتلي «حزب الله»، فإن الميليشيا تنشر قواتها في البلد المجاور لدعم قوات الأسد.
وتنتشر شائعات على مدار شهور حول دفن شهداء «حزب الله» في هدوء وصمت في جنوب لبنان، لا سيما منذ أيار/مايو عندما تم اختطاف أحد عشر “حاجاً” شيعياً في سوريا، كان أحدهم كما تردد “علي صفا”، ابن شقيقة زعيم التنظيم حسن نصر الله. لكن «حزب الله» لم يعترف بتواجده في سوريا سوى في الأسبوع الماضي، في أعقاب مقتل قائد عسكري بارز مسؤول عن سهل البقاع. وقد تحدث نصر الله عن مقتل “علي ناصيف” خلال خطاب ألقاه من على شاشة التلفزيون في 11 تشرين الأول/أكتوبر، موضحاً كيف أن الملازم لقي حتفه وهو يدافع عن اللبنانيين الذين يعيشون في سوريا – والعديد منهم كانوا أعضاء في «حزب الله» من الطائفة الشيعية.
لقد كان من الصعب تصديق مثل هذا البيان، وفي اليوم التالي أمضى الصحفي اللبناني الشيعي نديم قطيش عشر دقائق في برنامجه التلفزيوني الحواري ينتقد فيه ويفند تبرير نصر الله المشوه. وعلى مدار التسعة عشر شهراً الماضية يشارك «حزب الله» في الحكومة اللبنانية ولم يقم في أي مرة بإثارة مسألة اللبنانيين في سوريا أمام مجلس الوزراء. وقال قطيش إن التوضيح “لم يكن مقنعاً على الإطلاق”. كما أن أنصار «حزب الله» قد بدؤوا في طرح الأسئلة. وعلى وجه التحديد، أُخبِرت أثناء زيارة قمت بها إلى لبنان في أيلول/سبتمبر حول عضو مؤسس للحزب أذهله وهاله معرفة أن حفيده قد تم إرساله إلى دمشق للدفاع عن مسجد “السيدة زينب” الشيعي.
ومقابل دوره النشط في أحداث سوريا، فقد مضى ما يقرب من ست سنوات منذ آخر عملية عسكرية كبيرة شاركت فيها الجماعة ضد إسرائيل. وفي حالة عدم وجود ما يسمى بالمقاومة، سيواجه «حزب الله» متاعب من أجل الحفاظ على أهميته في لبنان. وبناء عليه، نظم «حزب الله» في الشهر الماضي حشداً جماهيرياً في مقاطعة بيروت الجنوبية للاحتجاج على مقطع من فيلم على موقع اليوتيوب يسخر من النبي محمد، وألقى فيه حسن نصر الله الخطاب الرئيسي. وكان ذلك أول ظهور علني له منذ كانون الأول/ديسمبر 2011.
ومؤخراً، في 11 تشرين الأول/أكتوبر – ربما في محاولة لصرف النظر عن الانتقادات المتزايدة حول قيام المقاومة بتقديم مساعدات عسكرية لنظام الأسد الذي قتل حتى الآن ما يقرب من 30,000 شخص من المدنيين السوريين – افتخر نصر الله خلال مقابلة تلفزيونية بإرسال طائرة إيرانية الصنع بدون طيار للتحليق فوق إسرائيل. وعلى الرغم من أن العمل المثير والجرئ بإرسال الطائرة بدون طيار قد تذكِّر اللبنانيين وإن مؤقتاً بالدور المألوف الذي لعبه «حزب الله» تاريخياً في “مقاومة” إسرائيل، إلا أن نشر نعوش الموتى العائدة من سوريا لا تزال تمثل مشكلة للحركة.
إن تغير الديناميات السياسية في بيروت – ويعود ذلك إلى حد كبير نتيجة للأحداث في سوريا – يمثل أيضاً مشكلة لـ«حزب الله». وقد أصبحت الميليشيات اليوم في وضع ليس فقط تواجه فيه احتمال تنحية الأسد، بل قد تخسر أيضاً الانتخابات القادمة وسيطرتها على الحكومة. ورغم أن «حزب الله» لا يزال يحظى بتأييد واسع بين الشيعة، إلا أن هناك مؤشرات على أن شريكه المسيحي في الائتلاف – “التيار الوطني الحر” بزعامة ميشال عون – يخسر شعبيته. وفي الوقت ذاته فإن الطائفة الدرزية اللبنانية الصغيرة لكن القوية سياسياً برئاسة وليد جنبلاط مستعدة للانفصال عن تكتل «حزب الله» وإعادة المواءمة مع ما تبقى من »تحالف 14 آذار« الموالي للغرب، بما يمكنه من تشكيل الحكومة.
ويقيناً أن هذه التطورات والمستجدات لن تؤدي إلى تفكيك الجماعة في أي وقت قريب. وحتى لو لم يتمكن «حزب الله» من إعادة التسلح، حيث يقدر بأن بحوزته حالياً 100,000 صاروخ وقذيفة محفوظة في ترسانته، من المحتمل أن تستطيع المنظمة خوض عدة حروب أخرى مع إسرائيل كما أنها تمتلك من الوسائل ما يمكنها من تحمل جميع خصومها الداخليين إلى أجل غير مسمى.
ومع ذلك، فإن الانتفاضة السورية قد أحدثت تغيّرا في نصر الله وسوف تعمل في النهاية على إحداث تحول في «حزب الله». واليوم لم تعد المقاومة كما كانت عليه في عام 2006. فقد تراجع وضع الحركة وربما تراجعت قدراتها هي الأخرى، ومن المؤكد أن تجد نفسها في وضع أقل مواتاة في لبنان والمنطقة بعد سقوط الأسد. لقد أظهر «حزب الله» على مدار سنوات عديدة مرونة وبراعة وقدرة متكررة على المفاجأة والمباغتة. وليس هناك شك في أن الحركة لا تزال تمثل خطورة وسوف تستمر بالتأكيد في تهديد وقتل اللبنانيين واستهداف الإسرائيليين. ولكن ما لم تحدث تغييرات كبيرة في مسار الأحداث في سوريا، فإن أيام هيمنة «حزب الله» على لبنان ستكون معدودة. وكما تشير تصرفات الميليشيا في الفترة الأخيرة، فإن «حزب الله» يدرك أن شيئاً ما سيحدث.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.