فيما كان وزير الخارجية الاميركية جون كيري يطلع الحكومة الاسرائيلية على تفاصيل الاتفاق الروسي – الاميركي بشأن تفكيك الاسلحة الكيميائية السورية، بدأ الرئيس الاميركي باراك أوباما يوزع التحيات ورسائل الودّ باتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فقد رفض أوباما اتهامات المعارضة السورية للسلطات الروسية بمسؤوليتها عن الجرائم الكيميائية في سورية، ولم ينسَ الرئيس الايراني، إذ كشف عن اتصالات بينهما حول الملف السوري، خصوصا بعد الموقف الايراني الرسمي المؤيد للاتفاق الروسي – الاميركي. ولم يعط الرئيس الاميركي بالاً لترحيب النظام السوري بنزع اسلحته الكيميائية. بل كان الاميركيون منهمكين بتهنئة الاسرائيليين بحصتهم المحفوظة والمضمونة، فقدّم كيري “الهدية الكيميائية السورية” المشفوعة بالبركة الايرانية، والضمانة الروسية وبالبهجة التي جعلت الرئيس بشار الاسد يتعامل مع مثل هذا الاتفاق باعتباره “إنجازاً” (!)
هو بالطبع انجاز، لكنه يندرج في خانة تطويل عمر النظام السوري وبقاء الاسد في السلطة لمدة اضافية. فكلّ ما يطيل عمر النظام هو مكسب للاسد واركانه، وإن على حساب مقولة “التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل”. تلك التي طالما تغنى بها النظام السوري طيلة عقود مضت، وطالما اشترط، ومنذ منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، أن توقع اسرائيل على معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية قبل أن يوقّع عليها. وها هي سوريا اليوم توقّع ولا احد يطالب اسرائيل، ولو بالقول، بأن توقّع هي الاخرى. لا روسيا طالبتها ولا حتى ايران التي سارعت بالترحيب من دون اي تحفظ.
الجميع يعتبر نفسه حقق إنجازاً الا المعارضة السورية، والشعب الذي لم يوليه احد من هذه الدول اهتماما بضرورة تجاوز محنته رغم تفاؤل السوريين بأن القتل وإن لن يتوقف، لكن لن يقتلوا بالسلاح الكيميائي بعد الاتفاق الاميركي – الروسي. الجميع، بما فيهم اسرائيل وايران وروسيا والولايات المتحدة، منشرحون بهذا الاتفاق.
أي مراقب منصف لم يكن متوهما ان هناك شيئاً لدى الرئيس الاسد اهم من البقاء في السلطة، وإن لأشهر او أيام، لكن في حساب الممانعة والمقاومة لم نلحظ اي موقف احتجاجي على تنازل النظام السوري عن سلاح لطالما اعتبره دعاة الممانعة استراتيجيا في مواجهة اسرائيل وسلاحها النووي. وها هي اسرائيل نالت مطلبها برضى وقبول النظام السوري وببركة اساطين الممانعة.
خرج الكثير من القيادات والمحللين الممانعين على الشاشات وسيخرج الكثير غيرهم في الايام المقبلة، ليتغنّوا ببراعة النظام السوري وحرفته في النجاة من الضربة الاميركية، وكيف انقذت موسكو واشنطن من ورطة الضربة العسكرية لسورية. وسيقولون ان بقاء النظام هذا هو جوهر المقاومة والممانعة. وسيحاول البعض القول إنّ ما تم هو انجاز تاريخي واستراتيجي وما الى ذلك. سيخرج هؤلاء على شروط “القاعدة الذهبية” في السياسة. تلك التي طالما اعتمدها الممانعون: “إما مع الممانعة والمقاومة وإما مع اسرائيل والامبريالية. يا ابيض يا اسود”. لا رمادية في السياسة. هكذا يخاطب الممانعون الناس كل يوم.
اللافت في خطابات ابرز قيادات حزب الله أمس – الشيخ نعيم قاسم (كان يدرس مادة الكيمياء) والشيخ محمد يزبك والسيد هاشم صفي الدين – أنّهم لم يتطرقوا الى هذه الخطوة السورية التي يفترض انها، في منطق الممانعة، تمسّ بالتوازن الاستراتيجي مع اسرائيل، اي تمس بالمقاومة. تلك التي دفعت بالآلاف من مقاتليها الى سورية بذريعة حماية المقاومة ونظام الاسد الممانع، رغم الاعتراضات اللبنانية والالتباس الذي جعل الكثيرين من انصار الممانعة يسألون: هل يستحق نظام الاسد كل هذه التضحيات وهذه الدماء؟
فأمس خاطب نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خصومه واللبنانيين عموما بالقول: “إما أن تقبلوا بالمقاومة حتى لا تحتل إسرائيل لبنان، وإما أن ترفضوا المقاومة لتحتل إسرائيل لبنان. فإذا رفضتم المقاومة يعني أنكم مع احتلال إسرائيل للبنان، هل أنتم بالموقع الإسرائيلي؟ لا تستطيعون القول لا نريد المقاومة ولا نريد إسرائيل أن تحتل”.
هذا هو المنطق الذي يخاطب به حزب الله اللبنانيين كل يوم. هو وحده من يحتكر حق تعريف المقاومة واحتكار التعبير عنها” إن لم تكن معنا فانت مع اسرائيل. يا ابيض يا اسود. لا مكان للرمادي.
فإذا جرى تطبيق هذا المنطق التعليمي “الكيميائي” على هدايا الاسد الى الشيطان الاكبر، يكون السؤال اليوم: هل تقديم الهدايا الاستراتيجية السورية إلى إسرائيل والاستكبار العالمي والامبريالية يحتاجان كل هذه البهجة والابتسامات من الممانعين؟ أين المقاومة في هذا القرار؟ وأين الخيانة؟ ودائماً ضمن قواعد تفكير الممانعة: أين الابيض وأين الاسود؟
“إنّه الرمادي. هنا تكمن حرفة الاسد وحلفائه”، قال الممانع باعتداد.
alyalamine@gmail.com
البلد