هل بدأت الممانعة عملية التحول في خطابها، الذي طالما ركز على “المؤامرة الاميركية” على العالم، وتحديدا على الاسلام والمسلمين، والأكثر تحديدا على لبنان، واخيراً على سورية؟
في كلمة السيد حسن نصرالله قبل يومين توجه الى خصومه اللبنانيين في 14 آذار، والى خصم ايران الذي يبدو الوحيد لها هذه الايام، اي السعودية، بالقول ان “المعطى الدولي والاقليمي ليس معكم”. وقال ما معناه: “لحقوا حالكم وما يمكن ان تنالوه اليوم في لبنان وسورية سيبدو حلما في الغد”. لم يتلفظ السيد نصرالله بكلمتي”مؤامرة اميركية”، او “مؤامرة صهيونية”. ولم تكن حتى القضية الفلسطينية محور خطابه او معيار العداء او التقارب مع الآخرين. ولم يقل، كما قال السنة الماضية، ان “روسيا والصين معنا”.يوم راح يحصي السكان في العالم ويحصي الممانعين في وجه المشروع الاميركي من كوبا وفنزويلا وغيرهما قائلا إنّ “أكثر من نصف العالم معنا”.
ولأن حزب الله منذ نشأ لم يؤسس لمسار خاص لبنانياً وعربيًا، ظلّ فرعاً من اصل الشجرة الايرانية، يتحرك على ايقاع ايراني. من هنا لن يكون من الصعب التناغم بين مقتضيات الاستراتيجية الايرانية، تلك المتجهة نحو طي صفحة العداء مع الادارة الاميركية والخطاب الجديد للامين العام حزب الله. بمعنى ان القيادة الايرانية حين تعكف عن التعرض لاميركا او “الشيطان الاكبر” كما تسميها، فإن الاستجابة لدى حزب الله لا تحتاج الى جهد، وتتم بسرعة. فخطاب ثقافة المقاومة والممانعة كان لغة تستجيب لنظام مصالح الدولة الايرانية، ودورها الاقليمي، وسيكون من اليسير على حزب الله النجاح في توجيه وعي جمهوره الشيعي نحو شيطان جديد، غالبا ما سيكون “داعش” او “النصرة” او باختصار اكثر: “التكفيريين”. وطالما ان هناك تدفقاً للاموال من ايران والعراق واستمرار وتطوير لنظام المصالح القائم على شد العصبية المذهبية فلا قلق من مهمة توجيه وعي الجمهور. هذا لا يعني ان اسرائيل ستخرج من الخطاب، بل ستبدو في احسن الاحوال شيطان غير متلازم مع من كان الشيطان الاكبر.
ما تقدم لا يعني ان العلاقة الاميركية – الايرانية قد ازالت عنها ما تراكم منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية في ايران. بل هي في مرحلة “جس النبض” حاليا. لكنّ ذلك لا يقلل من اهمية التحول الايراني تجاه واشنطن والغرب عموماً. فالتطورات على صعيد الملف النووي اظهرت ليونة ايرانية غير مسبوقة وفاجأت الغرب: استعدادات لخفض التخصيب، وفتح ابواب المنشآت النووية لفرق التفتيش الدولي. الرئيس الايراني حسن روحاني لم يكن يقصد احداث الضوضاء الاعلامية عندما كلف بقيادة هذا التحول في العلاقة مع واشنطن. بركة المرشد وتوجيهاته لا تشكيك فيها. ورسالة الشعب الايراني الى قيادة الدولة، عبر انتخاب روحاني، لا تحتمل التأويل: “نريد التصالح مع شياطينكم”. ففي اكثر من استطلاع رأي داخل ايران، ظهر ان 90 في المئة من الايرانيين يريدون تطبيع العلاقات مع واشنطن، وان 85 في المئة يريدون انهاء الخلافات مع السعودية. والنظام الايراني رغم شموليته، وازاء الاختناق الاقتصادي الذي سببه الحصار الدولي، وتلمسه طغيان الارادة الشعبية في خيار الانفتاح على الغرب، نضجت شروط خياره الاستراتيجي في بناء علاقة صريحة مع الادارة الاميركية.
وازالة الشعارات المعادية لاميركا من شوارع طهران تظهر الوجهة الايرانية الذاهبة الى الخروج من الخطاب الايديولوجي الذي ادى الى انسدادات واختناقات. وتطمح ايران في المقابل الى اعتراف دولي بنفوذها الاقليمي، والى فك الحصار عنها. وهو ما يلاقي تجاوباً اميركياً. فالسياسة الاميركية في المنطقة تبحث عن نقطة التوازن التي تتيح اندراج القوى الاقليمية كلها ضمن قواعد اللعبة التي تشرف عليها وتديرها.
وفي ظل المسعى الاميركي – الروسي الجدي حول سورية، الذي ينطلق من تفاوض على سورية جديدة، اي هيكلية وبنية نظام سياسي جديد.. نجحت ايران في الحدّ من خسائرها هناك. وذلك باعتراف دولي بدورها في هذه التسوية المفترضة، في مقابل انهيار الهوية الوطنية في بلاد الشام لحساب الهوية الدينية والمذهبية التي اختصرت الهوية السياسية اليوم. بهذا المعنى ايضا ينفتح الباب واسعا امام مزيد من تبلور هوية شيعية عابرة للحدود تسعى بقيادة ايران الى تركيب وتعزيز نظام مصالح بين مكوناتها اللبنانية والسورية والعراقية لتشكل في المستقبل قوة مؤثرة في مسار الاحداث سياسياً واقتصاديًا . وبلورة هذه الهوية تتطلب ان تبقى العصبية متوقدة والهوية الوطنية هلامية.
alyalamine@gmail.com
البلد